الثلاثاء، 18 أبريل 2017

اسم الكتاب: ٦ نزهات في غابة السرد
تأليف: أمبرتو إيكو
ترجمة: سعيد بنگراد
عدد الصفحات: ٢٢٩ صفحة
اصدارات المركز الثقافي العربي
التقييم: ٥/٤

"ان التجول في عالم سردى له نفس طعم اللعب عند طفل صغير. ان الاطفال يلعبون بأحصنة من خشب، و يلعبون بدمى أو بطائرات ورقية، لكى يتأقلموا مع القوانين الفيزيائية و الافعال التى سيقومون بها فعلا ذات يوم. و بنفس الطريقة فان قراءة محكى ما معناه ممارسة لعبة نتعلم من خلالها ان نعطى معنى للاحداث الهائلة التى وقعت او تقع او ستقع في العالم الواقعي. اننا و نحن نقرأ روايات ، نهرب من القلق الذى ينتابنا و نحن نحاول قول شئ حقيقي عن العالم الواقعي.

تلك هى الوظيفة الاستشفائية للسردية و هى السبب الذى يدفع الناس منذ قديم الازل الي رواية قصص ، و هى نفس وظيفة الاساطير: ان السردية تعطى شكلا للفوضي التى تميز التجربة"
************
نحتاج قراءة الكتب لنفهم كيف نقرأ الكتب. نحتاج معونة مؤلفين و نقاد لنطور قدرتنا علي الاطلاع، و هنا يثار سؤال واحد ضخم عن ضرورة ذلك. هل بدراستنا تلك نقتل عفوية النص؟ هل باطلاعنا وراء الستار نفسد العرض التخيلي علي انفسنا؟ يجيبنا ايكو بان الامر غير مفيد علي الاطلاق ان قررنا ان نكون "قارئ من الدرجة الاولي" فاننا نستمتع بسحر التيه. لكننا لن نقنع بذلك و في حياة كل قارئ لحظة اراد فيها ان يكون اكثر

اما قارئ الدرجة الثانية فيشتاق لفهم الروابط و التبادلات الزمنية في الاعمال الدرامية ، يخضع الفوضي تلك كلها في نظام و ايقاع سرى محدد. نستثار بالاثار العفوية اولا ثم نطلب المزيد.

هل وجد الادب اولا ام النقد؟ هل كتاب القرون السحيقة او الوسطى كانوا مدركين لقواعد الدراما و ميكانزمات السرد؟ يقول لنا ايكو ان "القارئ النموذجى يعثر علي شئ ما و يسند الي المؤلف النموذجى ما اكتشفه المؤلف الفعلي احيانا عن طريق الصدفة" . من الادب ولد النقد و طبق لما كتب وضعت قوالب الكتابة و ليس العكس و يستحسن ان نذكر انفسنا بذلك دوريا

في الكتاب الذى بين ايدينا يقدم امبرتو ايكو مؤلف "اسم الوردة" و "بندول فوكو" و هم من اكثر الروايات التى تم تحليلها في العالم ستة محاضرات في جامعة "هارفارد" عن الادب متخيلا دوما انه اشبه بغابة قصة "ذات الرداء الاحمر" التى نستمتع فيه بالتيه احيانا و نحمل خرائط دقيقة لها احيانا. و تلك ليس المرة الاولي التى يحول فيها ايكو محاضراته لكتب نقدية و هى عموما ترجمة دائما مثيرة للاهتمام ليس فقط لان القارئ يخرج منها بكم هائل من الترشيحات الادبية -و ان كانت حركة الترجمة العربية تحبط اكثر من نصف مساعينا للعنوانين تلك- و لكن لانها تقدم لنا عين جديدة لقراءة الادب و تساعدنا مؤلفين و قراء علي الولوج لغابة السرد تلك.

القارئ النشط احيانا جزء من القصة عندما يسقط الحائط الرابع بين المسرح و القاعة ليتحول المشاهد الي مكمل للمشهد و ليس متفرجا. احيانا يلمح لنا المؤلف و نقوم نحن بملأ الفضاءات البيضاء فالنص كما يخبرنا ايكو "آلة كسولة تتوسل الي القارئ بان يقوم بجزء من مهامها" ، و ربما نخطئ في دورنا المقدس هذا فنسقط ذاكرتنا الشخصية علي النص فنفسد قواعد اللعبة التى اتفقنا عليها من اللحظة الاولي. سامسا كافكا يتحول لبعوضة عملاقة لان النص يتوجب هذا و مستر "ك" في المحاكمة لا يتسأل عن سبب ظلمه لان النص يتوجب ذلك لكن ليس من حق ابطال الرواية التاريخية ان يركبوا تنانين في رحلاتهم.

 قواعد اللعبة هى المقياس الاول في ميثاق تخيلي ضمنى مع المؤلف فعلي الطرف الاول "القارئ" ان يعلم ان المحكى هو قصة خيالية دون ان يعنى ذلك انها مجرد كذبة و يلتزم الطرف الثانى "المؤلف" بقواعد لعبته التى كتبها. يسمى ذلك كما يعلمنا مؤلفنا "تجاهل الارتياب" او "تعطيل الاحساس بالارتياب" فالذئب في "ذات الراء الاحمر" متحدث طبيعي مقبول دراميا تماما.

و يحدثنا ايكو عن السرعه و التمهل في مديح كلا منهم علي السواء فلا الادب القائم علي الوصف ادب رفيع ولا القائم علي الحركة ادب سوقي. فنرى بوفارى نفسه يستخدم كلا الطريقتين ، صحيح ان بروست يتمهل حد الجنون في ملحمة زمنه الضائع حتى يجد القارئ في قلب دوامات من السرد المتصل و ربما يضغط علي نفسه واعدا اياها بمكافأة الادب الرفيع لكن السرعه فن في حد ذاته و سيسرد ايكو امثلة متتالية لكلاهما مثيرة لاعجابنا.

نرجع لنسأل انفسنا هل النظر وراء الستار يفسد العمل لنا؟ هل القراءة المتكررة و التفكيك المتزايد للنص يقتل سحره؟ ... يجيب ايكو انه اعاد قراءة رواياته المفضلة سقط في هواها أكثر و ازداد عشقا لها ، و ان المؤلف ربما يريد ان يكتشف القارئ لعبته فعلي الرغم من صعوبة ادجار بو و غرابه لكنه يترك لنا كتاب "فلسفة التأليف" لفهم سره و كسر صعوبات قراءته كأنها خريطة للكنز المدفون. و نحن نحب ان نصدق ان كل المؤلفين و الروائيين يفكرون كما فكر بو يوما.

دينا نبيل
ديسمبر ٢٠١٦

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....