الثلاثاء، 18 أبريل 2017

اسم الكتاب: مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، الجزء الاول
تأليف: بينى موريس
ترجمة: ا.د عماد عواد
عدد الصفحات: ٥١٩ صفحة
اصدارات: سلسلة عالم المعرفة بالتعاون مع المركز القومى للترجمة
التقييم: ٥/٥

يسعدنا دائما ان نقرأ كتاب تاريخ جاد لمؤلف حيادى و مترجم محنك ، و يسعدنا دائما ان تمنحنا الكتب عين علي الماضي و علي مشاكلنا المعاصرة، يسعدنا دائما و ان كان يدمى قلوبنا احيانا مواجهة مأساة البشر .. و الكتاب الذى بين ايدينا ليس استثناء فالمؤلف الاسرائيلي بينى موريس يقدم لنا وجبة دسمة مفصلة حيادية مدعومة بالمستندات و التفكير الباحث عن الحقيقة و يهدى لنا كتاب علي جزءين اثنين يجب ان يقرأه منا القارئ العادى و الساسة علي السواء لكسر الاسطورة السمجة بان "فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"

و السؤال الاهم في قصة اللاجئين كلها هو عن دور اسرائيل -الدولة الوليدة و المصنعة المصطنعة- في اجلاء قاطنى القرى و المدن الفلسطينية... هل كان عمدا متعمدا قسريا؟ ام بظروف الحرب و هلع الساكنين؟ ام بطريق ثالث؟... و هنا يعاد افتراق طرق الاراء بيننا من نظن ان الجلاء كان منظما محتما مقصود مرسوم باليات القسر و الارهاب المتعمد من اللحظة الاولي لنية قيام دولة "مصنعة" في ارض مغتصبة ،   و بين المؤلف الذى يميل لان اسرائيل قسمت مراحل فبين ديسمبر ١٩٤٧ و مارس ١٩٤٨ اصطنعت حالة رخوة رسمية من المسالمة مع العرب بينما مارست حرب نفسية قادتها ميليشاتها المسلحة تباعد عملياتها و تتفق باليمين علي الهدوء بينما تتبرئ من فروعها التى تفننت في ارهاب العرب و تتوعدهم بتحقيقات و جزاءات

و نحن للاسف لا نمتلك ها هنا علي تدليل موقفنا سوى علي احساسنا و عروبتنا نظرا لافتقاد دراسة عربية جادة بالمستندات بينما يتسلح مؤلفها -الدقيق عموما و الحيادى كثيرا- باطنان من المستندات و الوقائع التي توضح استنتاجه علي الاقل حتى مارس ١٩٤٨

و منها مثلا رفض بن جوريون الهدنة في حيفا تشجيعا لحالة الهجرة الجماعية و خوفا من توقفها خاصة ان حيفا ذكرت في قرار التقسيم كمدينة اسرائيلية بعدد سكانها اليهود ال٧٠ الف و ٦٥ الف عربي وقت القرار ، و يافا التي اعتبرها قرار التقسيم مدينة تحت السيادة الفلسطينية محصورة داخل الدولة اليهودية تقع كل اتصالاتها بالعالم تحت سيطرة اسرائيل و شعور سكانها الطاغي بان ليس لدى المدينة اي فرصة للصمود علي المدى البعيد، و في القدس التي اعتبرها قرار التقسيم مدينة دولية التي كانت تضم ١٠٠ الف يهود و نحو ٩٠ الف عربي بينما هاجر اهل المدينة القديمة العرب بشكل منظم و تحت حماية الانجليز تحت وطأة الحرب و المضايقات اليهودية المتكررة بينما اصدرت المليشيات المسلحة اليهودية امر بمنع اليهود من المغادرة و التشبث بمكانهم

و يمكننا تمثيل موقف المؤلف -الذى تدعمه المستندات السرية المفرج عنها- بما كتبه يوسف ويتز اواخر مارس ١٩٤٨ الي القيادة السياسية العسكرية الاسرائيلية لاتخاذ قرار علي مستوى "قومى" لطرد العرب بشكل منظم منهجى فنجد ان الاخيرة قابلت النداء بمقاومة او مراوغة -حتى لا يتم احراج اسرائيل امام العالم- و اكتفي امثال ويتز علي تشجيع عمليات طرد محلية اما بالترهيب علي طريقة "اننا لا نضمن ما قد تفعله القوات غير النظامية بدون موافقتنا" او بالترغيب علي شكل تسويات مادية علي الاقل حتى مارس ١٩٤٨
**************
"يجب ان يكون واضحا ان الهجوم الذى قام به الارغون باستخدام الهاون لم يميز بين اي شئ و الاخر ، و كان مصمما لخلق حالة الذعر بين السكان المدنيين" ... كانينغهام تعليقا علي ضرب احياء مدينة يافا بالمدفعية الثقيلة يوم ٢٥ ابريل ١٩٤٨ و وقوع اغلبية القتلي بين المدنيين
**************
و المرحلة الثانية يعتبرها مؤلفنا بين ابريل الي يونيو ١٩٤٨ ، فنرى ان القناع يسقط بكامله و تبدأ فكرة "تطهير" مدن بكاملها من العرب السكانيين و نظرية مساواة قرى بكاملها بالارض ، و هنا لا تحتاج اسرائيل الي "مذابح" كثيرة فالواحدة منها تثير رد فعل تسلسلي كافي للحرب النفسية. ف"دير ياسين" تساعد في تفريغ "حيفا" و سقوط طبرية يزعزع يافا ... و هكذا

و في حيفا تتضافر عناصر الارهاب المتعمد الصهيونى و النقل و ممارسة كل طرق الدفع الممكنة لخروج اكبر قدر ممكن من العرب و يضاف هنا عنصر انجلترا التى قدمت "مدن نظيفة" لليهود عند الانسحاب الانجليزى الممنهج فنجد ضغط اسرائيلي من جانب و تسهيل انجليزى -وقيل دفع- للعرب للخروج جماعي كثيف الي عكا و يمكنا ادراك بعد الموقف بان خركة هدم البيوت المتروكة في مايو ١٩٤٨ كانت قد بدأت في يوليو و انتهت بشكل تام في اكتوبر من نفس العام و تبنى حتى اثناء الحرب ذاتها مدينة جديدة تستوعب يهود قادمين جدد لتتغير جغرافيا المكان باسرع شكل متاح.  في طبريا نجد قذف بالهاون للمدنيين في الاسواق يتبعه حركة نزح كثيفة مضطربة

و مع تطبيق عملية "نحشون" توفر الحد الفاصل بين الناحية الاستراتيجية ، فتحولت الخطة الرسمية من دفع العرب الي النزوح الي ازاحة العرب الفعلية. و توفرت النية الرسمية لتطهير مناطق دائمة من القرى العربية سواء هاجمت او لم تهاجم قوات اليهود ، فتحولت الاوامر من "لم تدمير اي قري اذا لم تكن هناك مقاومة" الي اوامر مباشرة ب"تسوية القرى بالارض"
**************
"عندما غادرت كان خبراء المتفجرات يفجرون المنازل. انفجرت المبانر المصنوعة من الاحجار الصلبة الواحدة تلو الاخرى. و علي مقربة من القدس مازلت اسمع اصوات الانفجارات. و في مكان ما موحش و بعيد يتعالي عواء خافت من كلب القرية" صحفي غربي  تعقيبا علي تدمير ٥٥ منزل و تدمير قرية قالونيا و اعدام كل من بقي فيها يوم ١١ ابريل ١٩٤٨ ضمن عملية "نحشون" العسكرية
**************
و لكننا هنا نتسأل عن دور العرب خارج فلسطين في تخليق مشكلة اللاجئين الفلسطنيين في المرحلة الاولي من الجلاء "من ديسمبر ١٩٤٧ الي مارس ١٩٤٨" و التهيئة المرحلة الثانية ، نقول هل اهتم العرب من "تمكين" السكان الاصليين من اماكنهم في الاوقات الاولي الحرجة ؟ ام ان رغبة اليهود في "تطهير عرقي" صاحبها مشاركة غير مقصودة من العرب في ذلك و ان كان لاسباب مختلفة؟

يقول بينى موريس -ولا نجد هنا سبب للاختلاف معه- ان النصيحة الرسمية للجان الفلسطنية المختلفة بل و الجامعة العربية نفسها هي "ابعاد النساء و الاطفال و الشيوخ عن مناطق الخطر" و اتخذ لذلك عدة ذرائع منها: تقليل عدد الضحايا في صفوف العرب غير المحاربين ، تجنب الاعتدائات الجنسية علي النساء ، و تخليص الذكور البالغين من عبء الاسر المعالة

و لنا ان نرى نموذجين مقابلين لاجلاء الاولي في حى العسوية القدسي الذى تم اخلاءه تنفيذ لاوامر اللجنة العربية العليا ، مقابل اجلاء "بيت صفافا" بعد هجمات ميلشيات اليهود عليها

و نحن اليوم حين ننظر بالخلف الي القررات تلك لا نجد نتيجة لها غير تآكل دوافع المحاربين العرب للبقاء و المقاومة ، و تخفيض جماعي مروع لعدد السكان الاصليين الذين كانوا بمثابة كروت ضغط حية ربما لغيرت المعادلة السياسية الي الابد

و التاريخ يخبرنا ان كانت ثمة محاولات عربية مضادة لمنع حركة الفرار الجماعي لكنها لم تكن بالقوة الكافية و يمكن تجازوها بالرشا او الوساطة  و ربما غير ممكنة في حالة هلع كتلك التى عاشها فلسطنيين ذلك العصر الضاغط الصعب ، و يخبرنا ان ثمة ظلم في ان تستثمر آليات طبيعية للدفاع عن النفس -كالنزوح الجماعي في اماكن و اوقات الحرب- التى حدثت و تحدث و ستحدث في كل الازمان ، ظلم ان تحول تلك الي سبب لضياع وطن بالكامل بسبب الوضع الاستثنائي الفلسطينى بمبدأ احلال المجهريين بغيرهم يهود

و نحب هنا ان نورد مقتطف من الكتاب و رأي مؤلفه ص٢٣٨
"لكن في العموم فان ما فعلته الدول العربية و اللجنة العربية العليا و جيش الانقاذ و اللجان الوطنية المحلية و المليشيات المتعددة او ما لم تفعله سواء لتشجيع او تقييد النزوح الجماعي ، هو امر ذو اهمية ثانوية فقد كان اللاعبون الرئيسيون في هذا الخصوص هم اليشوف و منظماته العسكرية ، و كانت عملياتهم هى الباعث الرئيس وراء الهروب"
******************
"لا استطيع ان انسي اننا كنا البادئين بالتفجيرات، كانوا اليهود السباقين الي القيام بمثل هذا الفعل" ... بن جوريون تعليقا علي تفجير الارغون لسرايا مدينة يافا في يناير ١٩٤٨
******************
هل ساهمت طريقة تكوين مجتمع فلسطين قبل ٤٨ في تمزيقه؟ يمكننا حتى عبر تلك السنوات ان نرى ان المجتمع الفلسطينى -كغيره من مجتمعات العرب في ذلك الوقت- ممزق بين فئات تتبادل الابتسامات في اللقاءات المباشرة و الطعنات وراء الابواب... كيف عاش مليون و ربع مليون العربي عام ١٩٤٧ بين ١.١ مليون مسلم و ١٥٠ الف مسيحى؟

يتشكل المجتمع الفلسطينى في ذلك الوقت من اكثرية مسلمة تميل الي الفقر و الجهل و حياة القرية و بين اقلية مسيحية تميل الي المدينة و الثراء المرتبط بالتجارة . فينما كان ثلث اطفال المسلمين الفلسطينيين بين الخامسة و الخامسة عشر يذهبون للمدارس كانت النسبة في المسيحيين الفلسطنيين في الشريحة العمرية نفسها ترتفع الي قرابة ال١٠٠٪ ، و عام ١٩٣١ اظهرت الاختبارات ان ٢٥٪ من الرجال المسلمين و ٣٪ من النساء المسلمات يعرفون القراءة و الكتابة في حين ان النسبة في المسيحيين في الفترة ذاتها ٧٠٪ للذكور و ٤٠٪ للاناث

فينما يميل الاثرياء عموما للهرب اولا اوقات العنف فالاقليات يتبعون نفس القاعدة ، و يمكننا تخيل الوضع خاصة في مراحل المقاومة التي سادتها صبغة اسلامية لمعركة الاسلام ضد اليهودية خاصة في الوقت المبكر ذلك و عدم نضج مفهوم المواطنة في وطننا العربي. و نضيف ان الجو العام للشك و فكرة "الطابور الخامس" و مساعدة اليهود السرية -التى تكشف المستندات السرية المفرج عنها حديثا انها لم تكن اسطورة-  كانت سبب اضافي لحالة النزوح المسيحيي الكبير و تغيير ديموجرافيا المكان

هل كان التعاون المسيحيي/اليهودى سبب لشعور المواطنين الفلسطينيين بالغربة و النزوح المبكر؟ ام ان احساس الغربة كان السبب في التعاون؟ ... ام انها قدر الاقليات عندما توضع بين مطارق التاريخ و سندانه؟
**************
"الحرب هي الحرب و لا توجد امكانية للتمييز بين العرب (الاخيار) و العرب (الاشرار)" .... ياكو شيموني قيادى في قسم الشؤون العربية في الادارة الاسرائيلية تعليقا علي قتل ابرياء عزل من النساء و الاطفال اثناء عمليات المليشيات الاسرائيلية قبيل حرب ٤٨
**************
و نحب هنا ان نورد مثال متكامل لفكرة "تنظيف" المدن من اصحابها و سكانها بمدينة صغيرة تدعي "بيسان" او "بيت شيان" حين اخدت القوات الاسرائيلية ذريعة احتمالية دخول قوات الاردن منها ل"تفريغ الوادى" من العرب، فتقطع خطوط التليفون و الكهرباء و تخريب صهاريج الماء كبداية لاثارة ذعر المدنيين ثم وضعها تحت حصار متقطع، يلي ذلك قذف للمدينة باسلحة الهاون ، فيتبقي من الخمسة الاف نسمة حوالى ١٢٠٠ ساكن -و يمكننا ادراك ان ٨٠٪ من هدف اليهود بازاحة العرب كان بالحرب النفسية- ثم اصدار قرار رسمى بطرد السكان من المدينة و يكتب هنا ضابط بالجيش الاسرائيلي:

"تلقيت امرا باخلاء المدينة من العرب و انتقلنا من بيت لبيت و اخبرنا سكان المدينة عبر مكبرات الصوت بان عليهم الرحيل بحلول صباح اليوم التالي. كانوا في حالة رعب كبيرة، لم تكن سيارات متوفرة مما اضطرنى بامرهم بالرحيل سيرا علي الاقدام الي جسر الشيخ حسن ليعبروه. كان من الصعب على رؤية كبار السن باحمالهم و النساء و الاطفال. لقد كان الطرد صعبا ليس عنيفا و لكنه صعب. و لقد اعطيتهم الطعام و كان القس اخر من رحل. فجأة خلت المدينة و تحولت الي مدينة اشباح تحيطها الالغام"

و يتبع ذلك تسليم المدينة فارغة فيما عدا ٣٠٠ شخص تم ترحيلهم لاحقا الي الناصرة بحافلات قوات الدفاع الاسرائيلية و هكذا تحولت بيسان لتصبح بيت شيان ، و يثبت المفتيشين اليهود علامات صفراء علي ابواب المحال في اشارة انها فتشت، و تجول المفتشون العرب من مكان لاخر و علي اذرعتهم شارات صفراء اللون .... في اشارة ان البشر لا يتعلمون ابدا و ان ربما لا امل في بشرية كتلك

و لا يتبقي لنا ها هنا الا ان نتتبع الجزء الثانى من مأساة "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" الذى كتبها مؤلف نكره بلاده و نقدر حياده

دينا نبيل
يوليو ٢٠١٦

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....