الثلاثاء، 18 أبريل 2017

كتاب : تنينات عدن، تأملات عن تطور ذكاء الانسان
تأليف:  كارل ساجان
ترجمة: سمير حنا صادق
عدد الصفحات: ١٥٥ صفحة
اصدارات المركز القومي للترجمة
التقييم: ٥/٤.٥

ماذا يحتاج الانسان عند قراءة كتاب علمى في عصرنا؟... يحتاج الي قارئ نابه مستعد للتفكير و كاتب يجمع اكثر كم ممكن من المعرفة الحقة الدقيقة في اخف شكل ممكن علي الروح المتعجلة المستبقة للامور دائما و مترجم دقيق ينقل اللغة و التفاهم بين الاثنين ، و يمكنا ان نقول ان العناصر الثلاثة اجتمعت في الكتاب الغزير الصغير المسلي و المفيد كعادة كارل ساجان معانا مع بعض التحفظات علي الترجمة سنوردها بتفاصيلها لاحقا

رحلة قصيرة شيقة في عالم التطور و الذكاء و ما بينهم ، اجابة طويلة لسؤال "كيف وصلنا الي هنا؟" كيف تحول الانسان البسيط الباحث عن ثمار الاشجار الي ان يكون ارازموس الانسانى او اينتشين العلمى ، كيف صعدنا؟ هل سنستمر في الصعود؟ ماذا لو صعد غيرنا؟ ... رحلة لا تفترض ان التطور شئ يجب اثباته من الاصل كما فعل - ريتشارد دوكنز في " الأدلة على صحة التطور أعظم عرض على الأرض" بل كحقيقة واقعية تدعمها الدلائل و البراهين و تجاوزت مرحلة اثبات الذات المتزعزعة بل تنطلق من قاعدة مشتركة معرفية ان التطور حدث و ربما يجب ان نبسط للقارئ العادى كيف صار ذكائنا في رحلته المقدسة الطويلة

لكننا نتحفظ علي المترجم سمير حنا صادق قليلا في اختياره لترجمة العنوان لكلمة (dragons) ب (تنينات) بدل من (تنانين) الابسط و الاكثر تداولا ، و طبعا نتحفظ جدا علي اصراره علي "حذف" سطور رأي انها مهينة للدين ، و نتحفظ علي اصراره علي البقاء للاصل الانجليزى للابيات الشعرية و الاقتباسات الذى ذكرها ساجان مبررا ان معظم القراء يتقنون الانجليزية! ... و كل تلك التحفظات لا تنفي تفانيه الممتع في شرح بعض اجزاء الكتاب و حتى اضافة ملاحظات صغيرة ذكية مشاركة اثناء الترجمة ، ملاحظات جعلتنا نشعر بانه يقرأ الكتاب معانا لا لنا
*********
( الحقيقة ان القمر ليس مجموعة من الصخور فان له ارتباطات عاطفية و رومانتيكية و هو يؤثر علي المد و الجزر و لكنه قطعا ممكن ان يوصف ايضا بانه مجموعة صخور جمادية في السماء. و الفكر الوجدانى كثير الكفاءة حيثما كان لنا معرفة سابقة او خبرة تطورية، و لكن في مناطق جديدة مثل طبيعة الاجرام السماوية فان الفكر التحليلي العقلانى لا يمثل نهاية الحقيقة ، بل يجب النظر اليه في ضوء المصلحة الانسانية اي ان ينظر الي التفكير التحليلي العقلانى في ضوء التفكير الوجدانى)
*********
يبدأ ساجان من الاساسيات من قلب النواة و الدنا و الرنا و الجينات و تركيبها و انطلاقا الي تشريح مبسط للمخ و علم الوظائف ، يبدأ صغيرا شارحا مفسرا مبسطا من الاصل الذى تشترك فيه كائنات العالم المعجز الكبير وصولا الي التعقيد الخاص بالبشر ، يقدم الشق المعلوماتى باخف طريقة ممكنة علي الذهن و هو كما عبرت عنه النيويورك تايمز كالمدرس الذى طالما تمنينا وجوده صغارا و ربما ان اوان العثور عليه

و هو لا يكتفي بالتقلين المنظم للاساسيات بل يقدم الحجة تلو الاخرى و يفكر معك اكثر مما يفكر لك ( هل وزن الدماغ مقياس ما للذكاء؟ ماذا اذن عن نسبة الماء به؟ ربما معيار كتلة الدماغ للجسم؟ ) ، (هل تتحدث القرود اكثر مما نتصور ؟ هل نحكم عليها بمقايسنا؟ ماذا لو طورت نفسها؟) ، (هل سننمى الذكاء الصناعي؟ ماذا لو افسدته الحكومات كعادتها مع الاشياء؟ كيف نحمى المستقبل من الجمود و الطقوس و زواحف عقولنا؟) ... و عشرات الاسئلة التى تستهدف لتوسيع ذهن القارئ اكثر من تقديم اجابات قاطعة و هو يفعلها بدقة علمية تخرجها من تصنيف الخيال العلمى او العلم الزائف

و حديث ساجان الطويل ذو الشجون عن التعاون و الصراع بين الشق الايمن و الايسر من المخ و بين العقلانية و الخيال ، و حتما بين البديهية و المعرفة ، حديث يقف علي الحدود بين العلم و الفن بحد ذاته
***************
( تقول الفيلسوفة الامريكية سوزان لانجر: "ان حياة الانسان لم تخل تماما من التصرفات الحيوانية و الطقوس ، فهى خليط من المنطق و الشعائر ، العقلانية و الدين ، الشعر و النثر ، الحقائق و الاحلام ، و من الممكن اعتبار الفن نهاية تركيز رمزية الخبرة ،  و هو يولد في القشرة المخية و ليس في المخ القديم و لكنه يولد لحاجة بدائية للمخ" )
***************
و ربما اكثر اجزاء الكتاب اثارة و متعة عقلية هو حين يتحدث ساجان عن مفهوم reptile R complex و الذى شاء مترجمنا تسميته ب"المركب ز زواحف" و هو العقل البدائي المشترك بيننا و بين عقول اجدادنا الزواحف او ما يمكن تسميته ب"الشاسية العصبي" ، و يقول لنا ساجان ان الجزء القديم الاساسي هذا يتعامل اصلا مع "الطقوس" و "مناطق النفوذ" ، و انه يظهر بوضوح حين يتحرر من الطبقة المخية الاعلي -المتطورة احدث- في الاحلام و خاصة الشق الايمن العقلانى و الصارم ، و هو تفكير يذكرنا كثيرا بثلاثية فرويد عن الانا و هو الانا العليا. هل تحمل عقولنا باقي من العصور الاولي القديمة لنا جدا و الحديثة جدا في عمر الكون؟ هل الثقافة و العقلانية و الفن و ما يمكن ان ندعوه الانسانية هو المانع الحيوى الوحيد بيننا و بين الزواحف الباقية فينا؟

يقلق ساجان ان العقل الواعي ربما يجب ان يكبت تفعيل الجزء القديم هذا و يقلفنا معه حين يخبرنا ان في الوقت الذى اتسعت به المعرفة الانسانية الي حدود مذهلة و تطلب الامر الان اكثر من اي وقت افراد قادرين علي التفكير العميق و متسع الافق نرى ان الثقافة العالمية اتجهت الي "تطقيس" عمليات التدريس و اننا نقتل ببطء انتصار الطبقة المخية العليا علي الشق القديم الزواحفي حين نكرس لتعليم و معرفة طقوسية مكررة محدودة و نسمح للعنف و القتل ب"دم بارد" ان يعكس حركة التاريخ ... فهل يحطم الانسان  بنفسه ما صنعته الطبيعة له؟

دينا نبيل
اكتوبر ٢٠١٦

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....