الاثنين، 14 مارس 2016

الحياة فى مكان أخر تأليف: ميلان كونديرا

اسم الرواية: الحياة فى مكان أخر
تأليف: ميلان كونديرا
ترجمة: محمد التهامي العمارى
عدد الصفحات: ٣٥٠ صفحة
اصدارات المركز الثقافي العربي
التقييم ٥/٣

نجد هنا ميلان كونديرا مختلف قليلا عن عزيزنا الذى تعودنا عليه... فنراه في نصف الرواية الاولي علي الاقل يلجأ للسرد الزمني الكلاسيكي في مخالفة لطريقة كونديرا في وضع اللحظات -لا الاحداث- تحت الميكروسكوب بعدسته الفاحصة

نراه مختلفا ولا نفضل ذلك او علي الاقل صاحبة تلك الكلمات لا تفضل ذلك ... صحيح ان كونديرا حتي و ان سار مسار كلاسيكي لن يكون كلاسيكي خالص و صحيح ان لمسات كونديرا واضحة حتي في هذا النصف التقليدى-هل يمكن وصفه حتي بالممل؟!- من العمل ... و نحن نتعجب قليلا عندما نعرف ان تلك هي رواية كونديرا الثلاثة عندما نقارنها ب"المزحة" روايته الاولي المتفجرة بالطاقة
*******************
لكننا ما ان نتجاوز الصفحات المئة الاولي حتي نشهد عودة الابن الضال فيرجع كونديرا الي عالمه المصنوع بدقة من اللحظات و الملاحظات الدقيقة

نرى واقع كلمة "الموت" في نفس الشاب فقط كبعد تجريدى و حلم شاسع سرمدى مقابل للحياة الواقعية المبتذلة و الرمادية

لو كانت الرواية التي بين ايدينا تحمل اسم اخر غير "الحياة في مكان اخر" ربما كان اسمها ليكون "الشباب" ففيها تظهر قدرة كونديرا العظيمة علي سبر اغوار تلك الفترة البائسة العظيمة من حياة البشر التي يتوقع الجميع انها "اكثر مراحل الحياة اكتمالا" فلا يرى فيها الا الفراغ الساحق الصامت المميت ....ربما يجب ان نشير ايضا ان هذا العمل -تماما ككل اعمال كونديرا الاخرى- كان من الممكن ان تسمي "كائن لا تحتمل خفته" كما سيشير هو لاحقا في روايته الاهم "الخلود"

سيشير كونديرا لرغبتنا دائما ان نكون جزء من "الوحش ذو الالف رأس" المسمي الجمهور ، سنود دائما -مهما انكرنا- ان نكون رأي يتماهي معه ،سنحن كعادتنا الي اليوم الذى تتطابق افكارنا معه و ان نترك كراهيتنا للعبارات المسكوكة سابقة التجهيز

سيخلط اعوام ١٨٤٨ و ١٨٧٠ و ١٩٤٥ في باريس و بودابست و براج و فيينا في زمكان واحد منطلق ... و لن نتعجب حينها لاننا قراء كونديرا نعلم ان الحشود هي ازلية و التاريخ متكرر و الهزيمة واحدة

سيذكرنا بفترات عمرنا التي عشقنا فيها الورود و الجبال و كلمة "اه" الصغيرة حين نقايض جمال الخصوصيات بجمال عموميات بفهمها الناس و عندما زال الابتذال عن الطبيعة المنبوذة ، فيغني شيللر ببساطة:
Seid umschlungen Millionen
Diesen Kuß der ganzen Welt

******************
سيشعرنا كونديرا بكل ذلك لكن ستظل "الحياة في مكان اخر" مجرد اخت صغيرة لاعمال كونديرا الاهم "الخلود" و "كائن لا تحتمل خفته" و "المزحة"

دينا نبيل
فبراير ٢٠١٦

عشت لأروى تأليف: غابرييل غارسيا ماركيز

اسم الكتاب: عشت لأروى
تأليف: غابرييل غارسيا ماركيز
ترجمة: صالح علماني
عدد الصفحات: ٦٨٠ صفحة
اصدارات دار المدى
التقييم ٥/٤

يعتبر "عشت لاروى" الكتاب قبل الاخر لي مع ماركيز بعد رحلة طويلة امتدت سنوات طوال أقرا فيها رواياته الطويلة و النوفيلات و مقالات و قصص قصيرة كثيرة فقدنا عددها

و يتبقي لي فقط مع الكاتب العظيم الذى سرق قلوب كل من اطلع علي اعمال فقط رائعته "الحب في زمن الكوليرا" التي اراني اتلكأ قليلا في البدء بها خشية من انقطاع سيل التواصل و خوفا من ان اغلاق الصفحة الاخيرة فيها يعني ببساطة موت ماركيز فعليا و لن يتبقي حينها الا نسخ اقل بهاء من اعادة قراءة لاعماله

و الان بعد ملحمة ال٦٨٠ صفحة التي دوخنا فيها ماركيز مع شرق البلاد و غربها و بين تشابكات قصته و اغوارها لا نرى الا انها كانت الخاتمة المناسبة و ان قراءة "عشت لأروى" يجب ان تكون في نهاية الاطلاع علي اعمال الكولومبي العظيم فعليا

لكن الامر المثير للاهتمام حقا ان ماركيز هنا لا يقدم لنا بداية او نهاية او حتي اقل نوع من الترتيب الزمني بس يكتب علي طريقة "التداعي الحر للذكريات" فيقدم بعضها علي بعض ... طريقة تبدو خلابة في الحكي الشفوى لكنها تبلبل القارئ ها هنا و تلزمه بقدر عالى -اعلي من اللازم؟!- من التركيز ، فالتنقل من فقرة لاخرى يغير فورا زمن و مكان الحدث و سن ماركيز وقت تلك الذكرى بعينها

و نحن القارئ المدمن لاعمال الاب الروحي للواقعية السحرية نتعجب من انه يهتم بتفاصيل عن اخرى تبدو لنا اكثر اهمية ، فمثلا ماركيز لا يهتم ابدا ان يروى لنا كواليس كتابته ل"مئة عام من العزلة" التي دوخت العالم و اجبرت نقاد رابطة العنق علي الغوص حتي الركبتين في العالم الشعبي نصف الخيالي ، بينما يصر ماركيز علي اخبارنا لتفاصيل مدرسته الداخلية او عشيقته الخلاسية او تفاصيل مقالاته اليومية و وقت عمله كناقد سينمائي

و نحن نرى ان الرواية الاكثر ذكرا خلال الكتابة الذى قارب السبع مئات من الصفحات هي "عاصفة الاوراق" التي لا تتصدر اعمال ماركيز من حيث الاهمية او الانتشار بل فقط من حيث الترتيب الزمني للروايته الاولي الحقيقية ... بينما لا نلمح ذكر لرائعته "خريف البطريرك" سوى مرة واحدة عابرة جدا بشكل لا يتساوى مع ما تراه كتابة تلك الكلمات اهم و اكثر ما كتب ماركيز تعقيدا و تقنية

و طبعا هنا تتصدر مشكلة "النهاية" غير الموجودة ... فالصفحة الاخيرة من "عشت لاروى" مبتورة و كأن صفحاعدت كثير بعدها قد فقدت او تلفت ، و لولا ترجمة صالح علماني العظيم و ثقتنا في "دار المدى" -و مراجعة للنسخة بالانجليزية- لقلنا ان الكتاب ناقص
**************
لكننا ما ان نودع كل تلك الانتقادات و نترك الراوى يروى روايته و تفضيله الشخصي لما هو مهم و ما هو اضافي ، سنرى كيف كانت عين ماركيز استثنائية كفاية لان تصنع من عالمه شديد الواقعية لمسة من عالم أخر

سنرى كيف ان رحيل شركة الموز -التي كتب لها ماركيز خلود لم تتوج به ابدا اي شركة رأسمالية في العالم- عن بلدة الجد البعيدة أخدت كل شئ: المال ، نسمات يناير ، سكين تقطيع الخبر، رعد الساعة الثالثة مساءا، اريج الياسمين، و حتي الحب ... بينما لم يترك سوى اشجار اللوز المعفرة و أناس مكفهرين فتكت بهم الذكريات

و نحن نستمتع بالفصول الاولي التي تحكى عالم جدة و جد كاتبنا الكولومبي الكبير ، نرى فيه نواه صغيرة لعالم سحرى تسوده النساء اتاح له الشعور دائما بالراحة و الامان وسطن باعتبارهن عماد حماية العالم بينما يشبع الرجال فيه الفوضي بهمجيتنا التاريخية ... و حلمه القديم ان يكون واقعي كالجد و سحرى كالجدة يتمتع بمزية الامتياز الخارق لنزع الاسنان ليلا و وضعها في كوب بدل من فرشها حتي الدماء
******************
و نرى رواية "عن الشياطين و اشياء اخرى" في ذكرى عابرة لصحفي روى له عن فتاة يطول شعرها بعد الموت ، و نرى ان "مئة عام من العزلة" ولدت من رحم رواية "البيت" المجهضة التي كان سيكتبها ماركيز عن حرب الالف يوم عن اسرة لا تخرج من بيتها قط ... و نرى كيف ولدت "قصة موت معلن" من قصة واقعية اقسم ماركيز الا يكتبها الا بعد وفاة ام القتيل

و نرى ان تفصيلة البدلة الخضراء المخملية التي يرتديها الطفل في "عاصفة الاوراق" حقيقة مطابقة لزى الطفل ماركيز نفسه ولا أخر ... و عن ولادة الجنرال "بوينديا" من مزيج خارق بين جد ماركيز و جد زميل اخر ... و حبكة "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" من امل الاسرة الابدى في معاش عسكرى
*****************
لكننا نرى كيف ان قراءته ل "دونيا باربارا" ل جييجوس ضمنت له الفوز برضا امه و جاره القديم عن كونه كاتبا ، و ان "عوليس" جيميس جويس كانت انجيل جديد يسبر اغواره بلا ملل ، و ان "السيدة دلووى" ل فيرجنيا وولف جاءته مع وعد انه سيحفظها عن ظهر قلب ، و "الصخب و العنف" لفوكنر كانت وقود حركته الاولي ، و ان نهاره الاول بعد قراءة "المسخ" ل كافكا كان ليس كأى نهار ، و ان "الف ليلة و ليلة" تركته مبهور مقطوع الانفس

و ان "دون كيشوت" لم يرى فيها سوى كوميديا بائسة الا ان وضعها في حمامه الي جانب نظافته الشخصية فتحولت بفعل حركات قولونه الي متعة ساحقة ، و عن "اربع سنوات علي متن نفسي" ل ادوارد ثالاميا التي فتحت أفاق اما جيل بأكمله ، و ان "القرين" ل دوستوفيسكي التي حاول سرقتها من المكتبة العامة و لم يستطع و جعلته يتلهف بجنون لقراءتها الي ان اهداها اليه غريب عابر ، و عن "موبي ديك" ل ملفيل انه كان الاستثناء الوحيد الذى يستحق الانضمام للادب الاثيني ، و عن "البيت ذو الاسقف السبعه" ل ناثانيال هورثون التي اثرت به مدى حياته

و نحن نرى ان ماركيز كون شخصيته -في عز فقره- من كتب مستعارة ، متجولا بلا مكتبة الا من توصيات الاصدقاء و توفير المكتبات العامة ... و نحن نرى فيه مثالا اخر و جرس انذار ان الكتب ليست رفاهية و ان اسعار كتب اليوم ربما خنقت -او في طريقها- موهبة ماركيز اخر
***********
لكن ماركيز يظل كما هو ... ولد ليروى و عاش حياته ليتأمل كثيرا و ينطق ب هذيانات يجن لها جنوننا من فرط بساطتها و شدة تعقيدها و اصالتها المطلقة ... اما كيف امتص ماركيز العالم من حوله في احداث و كتب تماما مثل اسفنجة و يفككها الي اجزاء فعندما يرويها للاشخاص انفسهم فتتملكهم الحيرة ، كيف يحول العادى و الشائع الي حدث استثنائي مبتكر اصيل فهذا سر عبقرية الكاريبي الساحر التي يمكن لقارئ "عشت لأروى" ان يلمح طيفه من بعيد ... قليل و شاحب لكن كافي

دينا نبيل
فبراير ٢٠١٦

بيدرو بارامو تأليف: خوان رولفو

اسم الرواية: بيدرو بارامو
تأليف: خوان رولفو
ترجمة: صالح علمانى
عدد الصفحات: ١٨٦ صفحة
اصدارات دار أثر
التقييم: ٥/٥

ما هو الخط الفاصل بين الحياة و الموت؟ ان كان ذلك هو السؤال ف "بيدرو بارامو" هي الاجابة الوحيدة المقنعة .... رواية عن الموت ولا شئ غيره لكنه لا يظهر مرتديا عباءة سوداء و منجل حديدى لامع كقصص الاطفال و مخيالات الليل المرعبة ، ولا هو سيدة انيقة تبعث خطابات بنفسجية اللون كما اهدانا اياه سارامجو يوميا ، و لا حتي كحالة غياب صامت و عدم بسيط

بل يصر خوان رولفو انه حياة ابدية قلقة حزينة كثيرة الثرثرة و الذكريات ... يجعل رولفو الموت هو حجر الزاوية و الصورة السالبة للحياة الواقعية الحركية ، يصمم رولفو ان الموت تذكر ابدى لتفاصيل حياة ظننا انها عابرة
***************
"أبتلع لعابا زبديا ، أمضغ ترابا ممتلئا بدود ينعقد في حلقي و يكشط جدار الحلق... فمي ينهار متلويا ، و مثقوبا بالاسنان التي تخرمه و تلتهمه ، الانف يصبح طريا، و هلام العينين يذوب ، و خصلات الشعر تشتعل في ومضة واحدة"
***************
ليس السؤال هنا "ماذا تعنيه الرواية؟" ولا حتي "هل تعني الرواية شيئا من الاصل؟" ... بل ان انعدام هذا السؤال هو من يعطي العمل الصغير زخما مطلقا ، و الطفرات الدرامية بين متحدث و متحدث و زمن لزمن و من قبر لقبر هو الشكل الذى اختاره المؤلف كقالب لعمله و هو يتعدى حتي شكل الرواية الحديثة او التداعي الحر بل شذرات وصفها صالح علماني فاجاد الوصف انها "قطع ثلجية تذوب عند لمسها"

لا يمكن تحديد بطل للعمل و حتي الشكل الاولي للقصة عن هذا الذى يبحث عن اباه في ارض النسيان و تيمة "عودة الابن الضال" سرعان ما تذوب هي الاخر كحلوى هشة من حر و انفعال العمل و حرارة الجحيم الغائب المنتظر
***************
"مع بداية الفجر ، يأخد النهار بالدوران، بتمهل ، و تكاد تسمع مفصلات الارض الصدئة و هي تدور ، و تذبذب هذة الارض الهرمة و هي تقلب ظلامها"
***************
اما كيف صنع رولفو مدينة الاشباح تلك ، و استحدث شخاذين الدعوات الهائمين علي وجوههم بحثا عن عمل نافع بعد الموت ، و رسم شخصيات المنتظرات في قبورهن لمطر الربيع .. كيف فعل هذا كله دون ان تتحول بيدرو بارامو الي عمل رعب تجارى يستهدف صيحات القارئ المبتذلة بل تنزع قناع الموت عن وجهه ليصير قطعة من الحياة

و ربما نشير هنا ان اسم الرواية الاول قبل تغييره كان "الهمسات" ربما كان الاصح عند الوهلة الاولي ، لكننا نرى فعلا ان "بيدرو بارامو" هو الجامع لقريته الميتة جوعا و الهائمة علي وجهها ابدا بقراره الانتقامي الصغير ... و نحن لا نلمح لقاء بين الابن الضال و الاب الغائب لان شخصيات العمل تماما كشخصيات "بيكيت" تتلاقي اعتباطيا و تشكو مشاكلها الوجودية دون ادني رغبة في الحل او الخلاص بل انتظار ابدى لجهنم قائم يتمثل فيه حتي هذا كخلاص من الانتظار الخاوى
***************
"رؤيا الله، النور الناعم لسمائه اللانهائية، نشيد ملائكة الشاروبيم و غناء ملائكة الساروفيم .. و فرحة عيني الرب ، و الرؤيا الاخيرة و السريعه للمحكومين بالعذاب الابدى ، و ليس هذا و حسب بل كله متوافق مع ألم أرضي ، رمم نخاع عظامنا المتحولة الي نار ، و عروق دمنا المتحولة الي خيوط نارية ، تجعلنا نقدم تعويضات ألم لا يطاق ، ألم لم ينقص ابدا، و يستعر دائما بغضب الرب"
***************
كيف توقف خوان رولفو بعد تلك الرواية المعجزة و ترك لنا فقط روايتين و مجموعة قصصية وحيدة طيلة حياته الادبية؟ يجيب رافعا كتفيه انه هاو يكتب كيفما شاء ... لا يقتنع النقاد ولا نحن مجتمع القراء لكن شبحه يكتفي برفع كتفيه بلا مبالاة في حركة شبه ابدية كشخصياته الميتة هي الاخرى

دينا نبيل
فبراير ٢٠١٦

يملكون ولا يملكون تأليف: ارنست هيمنجواي

اسم الرواية: يملكون ولا يملكون
تأليف: ارنست هيمنجواي
ترجمة: توفيق الأسدى
عدد الصفحات: ٢٨٤ صفحة
اصدارات مؤسسة المدى
التقييم: ٥/٣

(مهما يكن من امر فالرجل الوحيد ليست لديه اي فرصه لعينة)
**********************
هي الرواية الثانية ل هيمنجواي و التي تم تنقيحها اثناء اشتراكه في الحرب الاهلية بأسبانيا ، رواية عن الكساد العظيم كتبت في ذروة نشاط اليسار السياسي بقلم هيمنجواي ... رواية نتوقع منها الكثير

نتوقع منها روح ثورية ، ايجابية ، حالمة ، تحمل بذور الامل لكننا نتفاجئ -مفاجأة سارة ان شئت- ان العمل لا يحمل ابدا بذور التفاؤل البسيط الساذج هذا ، بل جرعات مركزة متتالية من اليأس و الفشل و الرضوخ ... و شخصيات هيمنجواي تقاسي دون ان تشكو حتي لنفسها ، و تشعر دائما انها تستحق عذاباتها تلك ، و ترى مجهودها يضيع سدى في لا مبالاة مدهشة

نتفاجئ ان في قلب النضال الثورى المتحرر نرى ان هيمنجواي يتوقع الفشل لحركات التقدم و التحرر ، و هو من الوهلة الاولي يضعنا في قلب المأساة بلا مواربة او تمهيد و يطالبنا بالتحمل
**********************
(من اين النقود للانفاق علي مارى و البنات؟ ليس لدى قارب ولا نقود و لم انل قسطا من التعليم. ما الذى يستطيع رجل بذراع واحدة ان يعمل؟ .... كل ما تبقي لدى لأبيعه هو شجاعتي)
**********************
اما كيف جعل هيمنجواي من شخصيته الرئيسيه "هارى مورجان" قبطان المركب المنحوس هو بطل العمل فه. عملية في حد ذاتها مثيرة للاهتمام

فنتابع تارة "هارى مورجان" قبطان شريف خائف وجل في لقطة ، و مهرب ميت القلب في اخرى ...محب للسلام و اب اسرة قلق علي مستقبلهم في لحظة ، و قاتل بدم بارد و غير مكترث عاطفيا ببناته او زوجته في اخرى ...رجل اعمال مهتم بطاقمه و يقدمهم علي نفسه محبا و معطاء في مشهد ، و ذئب متوحد جشع في اخر

و التغييرات تلك تتابع في سهولة و سلاسة مدهشة و بدون مقدمات احيانا ... سهولة كتلك التي قدم فيها هيمنجواي الحادثة التي ستغيير حياة هارى الي الابد فنرى لهجة المؤلف تكتسب حياد صامت بارد حاد تجاهه كل المأساة و كل تفاصيلها

و نحب ان ننوه هنا ان لمحة من الرائعة "العجوز و البحر" نستطيع ان نراها هنا في تلك القصة المبكرة نسبيا للكاتب الامريكي الحامل لنوبل و ان استهان بها
**********************
(لاننا اليائسون. الذين ليس لديهم ما يخسرونه. نحن المتوحشون. نحن اسوء من الذين عمل معهم سبارتاكوس الاصلي. و لكن من الصعب محاولة فعل اي شئ معنا لأننا مهزومون الي حد ان السلوان لنا هو الشراب، و الفخر الوحيد هو قدرتنا علي تحمل الضرب)
***********************
لكن الايقاع السريع الشيق و اسلوب اللقطات الخاطفة خاصة فصل الحادثة الذى شاهدنا فيه تكثييف مدهش ، الايقاع ذلك يجذبنا من بداية القصة الي نهايتها رغم الغياب المفاجئ -و احيانا غير المبرر- لبطلنا الاصلي "هارى مورجان" و دخولنا في قصص موازية تعترف صاحبة تلك الكلمات انها لم تدرك مغزى بعضها من الاصل

اسلوب هيمنجواي هذا الذى سيكمل تطوره في قصصه الاكثر نضجا من تلك التي بين ايدينا ... و الذى فاز لصاحبه بمكانة لم تستطيع تلك الرصاصة التي استقرت في رأسه ان تفقده اياها

دينا نبيل
مارس٢٠١٦

مذكرات قبو تأليف: دوستويفسكي


اسم الرواية: مذكرات قبو
تأليف: دوستويفسكي
ترجمة: أحمد الويزى
عدد الصفحات: ٢٠٧ صفحة
اصدارات المركز الثقافي العربي
التقييم: ٥/٣.٥

" لقد كرهتك سلفا لاني كذبت عليك ، ولأن ما افلح فيه انا هو اللعب بالكلمات، و هو الاستغراق في احلام اليقظة، و لأن ما اريده بالفعل هو هذا: ان تذهبوا جميعا الي الجحيم. هو ذا ما اريد! انني بحاجة الي سلام. و لكي يتركوني اعيش في سلام ، انا مستعد لبيع الارض كلها بفلس واحد صغير ، و علي الفور... "
***************
هل يمكننا ان ننعت هذا النص الفريد بانه كافكي الروح رغم انه كتب قبل مولد كافكا؟ و هل يمكننا ان ندعي ان روح كامو موجودة محلقة علي العمل رغم ان حبر الكتابة قد جف قبل ان يأتي سارتر الي عالمنا؟ و هل كان دوستويفسكي عظيما متقدما بكل هذا المقدار دون ان يدرك قراء عصره؟ و الاهم كيف توصل مؤلفين روسيا العظيمة في هذا العهد المبكر جدا الي حداثة عصرية كتلك؟!

ربما لا يمكننا الاجابة علي معظم تلك الاسئلة لكن دائما يمكنا التصريح بعظمة عمل استثنائي كهذا حتي في وجوده ضمن اعمال دوستويفسكي الاستثنائية الاخرى ... هل تتصور وجود عمل مميز وسط اعمال مميزة؟ هذا هو حال "مذكرات قبو"

قلنا ان من المستحيل ان نصرح ان العمل يحمل روح كامو قبل ان يولد لكن ليس من المستحيل ان عمل استثنائي كهذا متأثر باعمال العظيم جوجول و نستطيع ان نشم رائحة قصتي "المعطف" و "يوميات رجل مجنون" هنا

و لكننا نعترف ايضا ان قدرة دوستويفسكي السابقة لعصرها دائما صنعت عمل فلسفي مصمم ل"مقابل البطل" الذى صار بعد ذلك بزمن طويل اثناء نشاط حركات "تيار الوعي" و "ادب الحداثة" القاعدة الدرامية ذاتها قبل ان تتراجع الحركات الادبية في العالم للخلف فيعود البطل الوسيم المغوار الشجاع الطيب هو النموذج .. و كأن العالم نسي رواية "بطل من هذا الزمن" و كأنها لم تكتب لعالم ينسي اكثر يجب

بطل عصرى في زمن قديم، لا يحمل سوى الشك و الخجل و كراهية فلسفية و احساس دائم بالعجز امام القدر و الناس ، بطل عصرى يتنحي دائما قبل الاصطدام و لا يتنحي له احد ، بطل عصرى يبكي بالدموع الغزيرة و يصرخ ملئ رئتيه قليلا و يعيش في عوالمه الخيالية و الموازية كثيرا ، بطل عصرى يحمل هموم عصر اقل سوءا مما تخيل و لم يكن يعلم ان القادم اسوء ، بطل عصرى يركل قصر البلور فيحطمه لانه يعلم حق اليقين ان المثالية يجب ان تظل حلما بعيدا عن التحقيق ، بطل عصرى يكتب لجمهور غير موجود و يبرر اكثر مما يفسر ، يعلم ان حاصل اثنين في اثنين هم اربعه رغم كل اعتراضاته و احزانه و افكاره
****************
" اذا سألني سائل :(و ما الذى تفضل ان يختفي العالم او ان تحرم من فنجان الشاي؟) ، أرد عليه: فليختف العالم باسره شريطة ان يبقي فنجان شايي مضمونا ، علي الدوام) "

دينا نبيل
مارس٢٠١٦

بارتلبي النساخ تأليف: هرمان ملڤل

اسم الرواية: بارتلبي النساخ
تأليف: هرمان ملڤل
ترجمة: زوينة آل توية
عدد الصفحات: ١٠٤ صفحة
اصدارات دار نينوى
التقييم: ٥/٣.٥
تقدم لنا دار نينوى بعد غياب طال ربما اكثر مما يجب رواية ملڤل القصيرة تلك بعد سنين طويلة من تواجد ملحمة "موبي ديك" وحدها علي ساحة الترجمة العربية ... فنقرأ له نوفيلا صغيرة عظيمة كتلك التي بين ايدينا

قلنا سابقا و نعيد ان كاتبة تلك الكلمات تعتبر فن النوفيلات اعظم ما تمخض عنه عقل المؤلفين في العالم ، نوفيلا تجمع بين تشويق و ايقاع القصة القصيرة السريع و تركيزها العالى و بين سرد الرواية و دقتها و سبرها لاغوار النفس البشرية المعقدة ... و بالطبع "بارتلبي النساخ" ليست استثناء

يرسم ملڤل لنا شخصية بطله بتفاصيل قليلة لكن مميزة ... نجد بارتلبي صامت مقتصد متأمل يكد في عمله ان عمل و كثير العناد ، يقاوم التغيير بصمت و قوة تهزم اقصى هجوم ، قوة سلبية عظيمة الشأن ... و هو تقريبا بلا ماضي ولا مستقبل و يعيش حاضر مشوش لحد مذهل 

موظف صغير يكد في عمله و قد يحتمل له بعض السلوك المنطوى لخاطر هذا ، لكن عندما يقرر انه لن يقوم بعمل ثانية و يتشبث بموقفه ، يكون قد جذب ملڤل افكارنا لحل المعضلة تلك

اما كيف صنع ملڤل من مقابل البطل هذا بطل في حد ذاته رغم ان الراوى هو من يسيطر علي ارجاء العمل و مساحاته؟ فشئ مثير للاهتمام في حد ذاته .... فنحن لا نعرف عن بارتلبي اكثر ما ترصده لنا عين الراوى و كثيرا ما يكون انفعالات و افكار الراوى هو محط انظارنا لكن يظل ذلك الساكن الصامت الذى يفضل دائما "الا" هو صاحب القصة و المنتظر منه الفعل و رده

و هى نوفيلا -كأبناء نوعها- تحمل ايقاع معين من اولها يتسارع قليلا نحو النهاية ... و نتفاجئ قليلا من كم الاشارات الي الحضارة الرومانية و الاساطير و الانجيل و اسقاطات التعبيرات في هذا النص صغير الحجم و المزدحم بالانفعالات

و نرى ان الترجمة هنا خير معين لنا في رحلتنا مع النص الصعب الصغير ، و اشارات المترجمه مقتصدة منورة و ان كثرت اكثر قليلا من ذوق كاتبة تلك الكلمات 

و نحن نحلم يوما بوصول كامل اعمال ملڤل مترجمه للعربية لنا ... و نحلم ان تأتي الهمة و الحماس لانهاء رائعة "موبي ديك" التي بدأت قراءتها منذ اعوام خلت و تنتظرني هى و لا تبدى تذمر ابدا عند عودتي

دينا نبيل
مارس٢٠١٦

ما الانسان سوى دراج كبير في هذة الدنيا تأليف: هيرتا موللر

اسم الرواية: ما الانسان سوى دراج كبير في هذة الدنيا
تأليف: هيرتا موللر
ترجمة: نبيل الحفار
عدد الصفحات: ١٥٤ صفحة
اصدارات هيئة أبو ظبي للثقافة و التراث (كلمة)
التقييم: ٥/٤


اذا سألت كاتبة تلك الكلمات عن اهم اكتشاف للانسان علي كوكبه الازرق الملئ ببؤس اكثر مما يحتمل لاجابت انها النار و الكهرباء و فن النوفيلات ....
لماذا "النوفيلا" ؟ ... لانها اجمل و اصعب صنف ادبي و لان كاتبها يحمل عبء تكثيف القصص القصيرة و عظمة ابداع و تعبير الروايات ، و لان المحافظة علي ذلك الخيط الدقيق لايقاع هذا المنتج الهش سريع الفساد هو اروع ما قد يكتبه مؤلف و ادعي انه اصعبه
فماذا فعلت هيرتا موللر اذن؟ قدمت لنا عدد قليل من الصفحات محملة بشحنة عظيمة من المشاعر و التأملات و بتفاصيل عينها الدقيقة التي تشبه الكاميرا تلتقط لنا ادق خلجات عضلات زاوية الفم عند تذكر بؤس الحرب ، و ألم عنق من اغتصبت عنوة ، و تلك الفراشة البيضاء الصغيرة التي سحقت بين الاصابع لانها ذكرت الجميع بمدى عدم طهارتهم

عندما يضيق الوطن باهله و يجن جنون الديك الابيض فيقتل نفسه هل يبقي لل"شرف" معني؟ هل عذرية الفتاة الوحيدة اهم ام الخروج من الوطن قبل ان يتلهم ابناؤه؟ و هل نفع الطحين الطحان يوما؟ .... اسئلة لا يهتم ڤينديش و اسرته كما نتصور بل ان الاحداث تفرض نفسها بسرعه بحيث تقلل من قيمة الاحلام و التأملات و الكوابيس و همسات جمهور الكنيسة يوم الاحد

تمشي الفتاة و تميل بمقدمة قدميها جانبا فيعجز الكون عن تقديم المساعدة ، لحظة يشعر فيها الجميع ان المسيح نفسه لن يستطيع ان يقنع القس ان يهب العائلة شهادة الخروج من المدينة التي اصفر فيها الشجر صيفا و اكلت فيها شجرة التفاح ثمارتها حتي المسيح المصلوب عاريا علي رأس الشارع لا يقدر علي منع تقديم الثمن الذى يعرفه الجميع و يسكت عنه الجميع

العهر او تحمل شوكات القنفذ الكامن في المعدة؟ العهر او الحبس الابدى في قرية يفر ابناءها واحد دون الاخر؟ العهر او الانتظار الي الابد في قائمة لا تحوى اسمك؟ .... لا تقدم هيرتا حلول كثيرة بل تكتفي باثارة حالة الوجوب و حالة الوتر المشدود ذلك ، لا تهتم كثيرا بالحب المنسي بين حوائط سينما تقدم افلام روسية منخفضة التكلفة ، لا تقدم لنا هيرتا حلول ولا تقول ابدا ان النساء يحملن العار فوق رؤسهن طول العمر ، فقط تقدم لنا ماضي الام كدليل عن مستقبل الابنة ، لا يغفر احد لمرأة فتحت ساقيها لتطعم فمها يوما
لكن كيف قدمت هيرتا موللر العظيمة هذا كله و اكثر في اجمل شكل ادبي في نوفيلا صغيرة كتلك تحمل اسم طويل كهذا؟ ربما هو السؤال الذى لم يعادل يوما ١٠ مليون كرونة سويدية فقط و جائزة نوبل الذهبية في ٢٠٠٩ و انما انضمامها لقائمة شرف طويلة
دينا نبيل
مارس٢٠١٦

المرأة العسراء تأليف: بيتر هاندكه

اسم الرواية: المرأة العسراء
تأليف: بيتر هاندكه
ترجمة: مارى طوق
عدد الصفحات : ٨٦ صفحة
اصدارات دار الاداب
التقييم: ٥/٢


(الان يبدأ الزمن الطويل لعزلتك يا ماريان)

نستطيع دائما ان نميز بين نوعين من النوفيلات -نوعي المفضل من الادب و لا امل من التصريح بذلك- فاما الاول فصنف هجين يحمل سرعه القصة القصيرة و ايقاعها السريع و بين تعبير الرواية و ابداعها

و الصنف الاخر و كأنه قطعه من رواية فقد جزءها الاول و الاخير ، نشعر و كأنها امتداد طبيعي لجزء لم نطالعه و ان لها نهاية غائبة غير التي نقرأها ... و بالتاكيد "المرأة العسراء" هي من النوع الثاني الذى لا نقلل ابدا من اهميته و متعته "إن" كتب بامتياز
لكن النوفيلا الصغيرة التي بين ايدينا تحمل تيه ولا ملاذ ، مقدمات كثيرة بلا نتائج ، و مشاعر مقتضبة مبتورة ، و احداث ناقصة مجتزئة ، مشاهد قصيرة تفتقد قطع بازل كثيرة تساعدنا لتكوين الصورة

ربما من الصعب ان نجد عمل ادبي يجسد فعلا معني وحدة المرأة كما فعلها مياس العظيم في رائعته التي عجز هو حتي عن الاتيان بمثيلتها "هكذا كانت الوحدة" ، لكن بيتر هاندكه لم يقترب حتي من المستوى الذى طالبنا به
بداية قوية و فكرة تحمل مقومات عمل جيد لكننا لا نرى في بقية القصة تجسيد حقيقي للمرأة الحديثة معقدة التفكير ... لا نلمح من كل العمل الا عزلة كبيرة يقطعها كثير من التفكير و التحذير من الوحدة لكننا لا نلمح تلك الوحدة و ملامحها و تشعبتها فعليا الا في صفحات اقل كثيرا مما يجب و نحب
دينا نبيل
مارس٢٠١٦