اسم الرواية: بيدرو بارامو
تأليف: خوان رولفو
ترجمة: صالح علمانى
عدد الصفحات: ١٨٦ صفحة
اصدارات دار أثر
التقييم: ٥/٥
ما هو الخط الفاصل بين الحياة و الموت؟ ان كان ذلك هو السؤال ف "بيدرو بارامو" هي الاجابة الوحيدة المقنعة .... رواية عن الموت ولا شئ غيره لكنه لا يظهر مرتديا عباءة سوداء و منجل حديدى لامع كقصص الاطفال و مخيالات الليل المرعبة ، ولا هو سيدة انيقة تبعث خطابات بنفسجية اللون كما اهدانا اياه سارامجو يوميا ، و لا حتي كحالة غياب صامت و عدم بسيط
بل يصر خوان رولفو انه حياة ابدية قلقة حزينة كثيرة الثرثرة و الذكريات ... يجعل رولفو الموت هو حجر الزاوية و الصورة السالبة للحياة الواقعية الحركية ، يصمم رولفو ان الموت تذكر ابدى لتفاصيل حياة ظننا انها عابرة
***************
"أبتلع لعابا زبديا ، أمضغ ترابا ممتلئا بدود ينعقد في حلقي و يكشط جدار الحلق... فمي ينهار متلويا ، و مثقوبا بالاسنان التي تخرمه و تلتهمه ، الانف يصبح طريا، و هلام العينين يذوب ، و خصلات الشعر تشتعل في ومضة واحدة"
***************
ليس السؤال هنا "ماذا تعنيه الرواية؟" ولا حتي "هل تعني الرواية شيئا من الاصل؟" ... بل ان انعدام هذا السؤال هو من يعطي العمل الصغير زخما مطلقا ، و الطفرات الدرامية بين متحدث و متحدث و زمن لزمن و من قبر لقبر هو الشكل الذى اختاره المؤلف كقالب لعمله و هو يتعدى حتي شكل الرواية الحديثة او التداعي الحر بل شذرات وصفها صالح علماني فاجاد الوصف انها "قطع ثلجية تذوب عند لمسها"
لا يمكن تحديد بطل للعمل و حتي الشكل الاولي للقصة عن هذا الذى يبحث عن اباه في ارض النسيان و تيمة "عودة الابن الضال" سرعان ما تذوب هي الاخر كحلوى هشة من حر و انفعال العمل و حرارة الجحيم الغائب المنتظر
***************
"مع بداية الفجر ، يأخد النهار بالدوران، بتمهل ، و تكاد تسمع مفصلات الارض الصدئة و هي تدور ، و تذبذب هذة الارض الهرمة و هي تقلب ظلامها"
***************
اما كيف صنع رولفو مدينة الاشباح تلك ، و استحدث شخاذين الدعوات الهائمين علي وجوههم بحثا عن عمل نافع بعد الموت ، و رسم شخصيات المنتظرات في قبورهن لمطر الربيع .. كيف فعل هذا كله دون ان تتحول بيدرو بارامو الي عمل رعب تجارى يستهدف صيحات القارئ المبتذلة بل تنزع قناع الموت عن وجهه ليصير قطعة من الحياة
و ربما نشير هنا ان اسم الرواية الاول قبل تغييره كان "الهمسات" ربما كان الاصح عند الوهلة الاولي ، لكننا نرى فعلا ان "بيدرو بارامو" هو الجامع لقريته الميتة جوعا و الهائمة علي وجهها ابدا بقراره الانتقامي الصغير ... و نحن لا نلمح لقاء بين الابن الضال و الاب الغائب لان شخصيات العمل تماما كشخصيات "بيكيت" تتلاقي اعتباطيا و تشكو مشاكلها الوجودية دون ادني رغبة في الحل او الخلاص بل انتظار ابدى لجهنم قائم يتمثل فيه حتي هذا كخلاص من الانتظار الخاوى
***************
"رؤيا الله، النور الناعم لسمائه اللانهائية، نشيد ملائكة الشاروبيم و غناء ملائكة الساروفيم .. و فرحة عيني الرب ، و الرؤيا الاخيرة و السريعه للمحكومين بالعذاب الابدى ، و ليس هذا و حسب بل كله متوافق مع ألم أرضي ، رمم نخاع عظامنا المتحولة الي نار ، و عروق دمنا المتحولة الي خيوط نارية ، تجعلنا نقدم تعويضات ألم لا يطاق ، ألم لم ينقص ابدا، و يستعر دائما بغضب الرب"
***************
كيف توقف خوان رولفو بعد تلك الرواية المعجزة و ترك لنا فقط روايتين و مجموعة قصصية وحيدة طيلة حياته الادبية؟ يجيب رافعا كتفيه انه هاو يكتب كيفما شاء ... لا يقتنع النقاد ولا نحن مجتمع القراء لكن شبحه يكتفي برفع كتفيه بلا مبالاة في حركة شبه ابدية كشخصياته الميتة هي الاخرى
دينا نبيل
فبراير ٢٠١٦
تأليف: خوان رولفو
ترجمة: صالح علمانى
عدد الصفحات: ١٨٦ صفحة
اصدارات دار أثر
التقييم: ٥/٥
ما هو الخط الفاصل بين الحياة و الموت؟ ان كان ذلك هو السؤال ف "بيدرو بارامو" هي الاجابة الوحيدة المقنعة .... رواية عن الموت ولا شئ غيره لكنه لا يظهر مرتديا عباءة سوداء و منجل حديدى لامع كقصص الاطفال و مخيالات الليل المرعبة ، ولا هو سيدة انيقة تبعث خطابات بنفسجية اللون كما اهدانا اياه سارامجو يوميا ، و لا حتي كحالة غياب صامت و عدم بسيط
بل يصر خوان رولفو انه حياة ابدية قلقة حزينة كثيرة الثرثرة و الذكريات ... يجعل رولفو الموت هو حجر الزاوية و الصورة السالبة للحياة الواقعية الحركية ، يصمم رولفو ان الموت تذكر ابدى لتفاصيل حياة ظننا انها عابرة
***************
"أبتلع لعابا زبديا ، أمضغ ترابا ممتلئا بدود ينعقد في حلقي و يكشط جدار الحلق... فمي ينهار متلويا ، و مثقوبا بالاسنان التي تخرمه و تلتهمه ، الانف يصبح طريا، و هلام العينين يذوب ، و خصلات الشعر تشتعل في ومضة واحدة"
***************
ليس السؤال هنا "ماذا تعنيه الرواية؟" ولا حتي "هل تعني الرواية شيئا من الاصل؟" ... بل ان انعدام هذا السؤال هو من يعطي العمل الصغير زخما مطلقا ، و الطفرات الدرامية بين متحدث و متحدث و زمن لزمن و من قبر لقبر هو الشكل الذى اختاره المؤلف كقالب لعمله و هو يتعدى حتي شكل الرواية الحديثة او التداعي الحر بل شذرات وصفها صالح علماني فاجاد الوصف انها "قطع ثلجية تذوب عند لمسها"
لا يمكن تحديد بطل للعمل و حتي الشكل الاولي للقصة عن هذا الذى يبحث عن اباه في ارض النسيان و تيمة "عودة الابن الضال" سرعان ما تذوب هي الاخر كحلوى هشة من حر و انفعال العمل و حرارة الجحيم الغائب المنتظر
***************
"مع بداية الفجر ، يأخد النهار بالدوران، بتمهل ، و تكاد تسمع مفصلات الارض الصدئة و هي تدور ، و تذبذب هذة الارض الهرمة و هي تقلب ظلامها"
***************
اما كيف صنع رولفو مدينة الاشباح تلك ، و استحدث شخاذين الدعوات الهائمين علي وجوههم بحثا عن عمل نافع بعد الموت ، و رسم شخصيات المنتظرات في قبورهن لمطر الربيع .. كيف فعل هذا كله دون ان تتحول بيدرو بارامو الي عمل رعب تجارى يستهدف صيحات القارئ المبتذلة بل تنزع قناع الموت عن وجهه ليصير قطعة من الحياة
و ربما نشير هنا ان اسم الرواية الاول قبل تغييره كان "الهمسات" ربما كان الاصح عند الوهلة الاولي ، لكننا نرى فعلا ان "بيدرو بارامو" هو الجامع لقريته الميتة جوعا و الهائمة علي وجهها ابدا بقراره الانتقامي الصغير ... و نحن لا نلمح لقاء بين الابن الضال و الاب الغائب لان شخصيات العمل تماما كشخصيات "بيكيت" تتلاقي اعتباطيا و تشكو مشاكلها الوجودية دون ادني رغبة في الحل او الخلاص بل انتظار ابدى لجهنم قائم يتمثل فيه حتي هذا كخلاص من الانتظار الخاوى
***************
"رؤيا الله، النور الناعم لسمائه اللانهائية، نشيد ملائكة الشاروبيم و غناء ملائكة الساروفيم .. و فرحة عيني الرب ، و الرؤيا الاخيرة و السريعه للمحكومين بالعذاب الابدى ، و ليس هذا و حسب بل كله متوافق مع ألم أرضي ، رمم نخاع عظامنا المتحولة الي نار ، و عروق دمنا المتحولة الي خيوط نارية ، تجعلنا نقدم تعويضات ألم لا يطاق ، ألم لم ينقص ابدا، و يستعر دائما بغضب الرب"
***************
كيف توقف خوان رولفو بعد تلك الرواية المعجزة و ترك لنا فقط روايتين و مجموعة قصصية وحيدة طيلة حياته الادبية؟ يجيب رافعا كتفيه انه هاو يكتب كيفما شاء ... لا يقتنع النقاد ولا نحن مجتمع القراء لكن شبحه يكتفي برفع كتفيه بلا مبالاة في حركة شبه ابدية كشخصياته الميتة هي الاخرى
دينا نبيل
فبراير ٢٠١٦
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....