الثلاثاء، 18 أبريل 2017

اسم الرواية: حفلة التيس
تأليف: ماريو بارجاس يوسا
ترجمة: صالح علمانى
عدد الصفحات: ٤٣٩ صفحة
اصدارات دار المدى
التقييم: ٥/٤.٥

حين ينتهى قارئ الادب اللاتينى الي حفلة التيس -و ذلك القارئ حتما سيهتدى اليها في مرحلة ما في حياته- يكون قد توقع منها مستوى رفيع يليق بكل المدح و مقالات الادب التى تدعوها تحفة فنية. و بينما ذلك القارئ يتأرجح في البداية بينها و بين رائعة جابريل جرسيا ماركيز "خريف البطريرك" التى تتناول نفس الموضوع و بين "حرب نهاية العالم" ل يوسا ايضا ، ينتهى الي ان السمعة الحسنة للرواية الضخمة بين ايدينا لم تأت من فراغ.

هى ليست عمل اخر عن الديكاتورية في امريكا اللاتينية التى -مثلنا- عانت من انواع و اصناف من الرجال شبه العظماء انصاف المجانين، فالادب اللاتينى يزخر بهذا النوع من الروايات. فهى بمثابة انجيل روايات الديكاتورية مزدحمة بتفاصيل فنية و وصف حى و تقنيات سردية متطورة تجعل المنافسة منها صعبة ، اللهم الا اذا حازت رواية منافسة علي حيلة اخرى رائعة من حيل السرد ك"خريف البطريرك " العظيمة التى تكاد توضع في تصنيف وحدها من فرط رقتها و دقة استخدام الواقعية السحرية فيها كما لم يفعل احد ولا حتى ماركيز نفسه في القصة  التي دوخت العالم و اجبرت نقاد رابطة العنق علي الغوص حتي الركبتين في العالم الشعبي نصف الخيالي. فان اخرجنا "خريف البطريرك" من المنافسة -لفرط تميزها- فان "حفلة التيس" هى اقوى ما كتب عن عالم السياسة المزدحم لامريكا اللاتينية.

"حفلة التيس" لا تضم قصة حب تتطلع الي المستقبل علي عادة اهل الادب، بل هى رواية من الماضي من اجل الماضي فلا تتطلع الي مستقبل حزين كان ام بهيج. رواية يمكنها نفخ الروح في الصور القديمة المحدودة بالابيض و الاسود لكنها لا تقف عند الحاضر ولا تعطيه اهتمام يذكر.
*************
"و لم تكن تصفية خوسيه ألمونيا الا واحدة من سلسلة عمليات باهرة انجزها الكولونيل و ادت الي مقتل او عطب او جرح عشرات من اكثر المنفيين صخبا ... عمليات خاطفة بهرت المنعم. كل عملية منها هى عمل عبقرى بمهارته و خفته و دقيق كآلية الساعة. و في معظم الاحيان اضافة الي تصفية العدو كان أبيس غارسيا يتدبر الامر لتقويض سمعة ضحاياه. فالنقابي روبيرتو لامادا اللاجئ في هافانا ، توفي نتيجة ضرب تلقاه في ماخور في الحى الصينى علي يد بعض القوادين الذين اتهموه امام الشرطة بانه حاول ان يطعن احد المومسات لانها رفضت الانصياع للانحرافات السادية التى طالبها المنفي ، و قد ظهرت المرأة المعنية و هى خلاسية شعرها مصبوغ بلون اشقر ضارب الي الحمرة في مجلتى كارتليس و بوهيميا و هى تبكى و تعرض الجراح التى سببها لها ذلك المنحط و المحامى سيبريوتا مات في كاراكاس في مشاجرة بين مخنثين، وجدوه مطعونا في فندق سئ السمعة و هو بسروال و حمالة صدر نسائيين و فمه مطلي بأحمر شفاة. و قد اثبت الطبيب الشرعي وجود منى في مستقيمه. "
*************
من البداية يضع يوسا قواعد اللعبة التى ستستمر الي نهاية الحكى. السرد ها هنا اقرب الي التداعي الحر فلا فواصل بين زمن و زمن ولا حتى بعلامات الترقيم. يمكن لشخصية ان تتحدث في الزمن "أ" ثم يتحول الحديث بلا مقدمات الي الزمن "ب" ، لذا فالقصة تتطلب قارئ نابه يقرأ بحواسه مركزة لا يتعجل خط درامى دون اخر ولا يتخطى فصل و احيانا ولا سطر. يلتزم يوسا من البداية بوضع لمحات يفسرها لاحقا. تتقاطع الخطوط الدرامية برشاقة البالية و ذكاء الشطرنج. الازمنة تتحرك في حرية نسبية و نحن -القراء- قد نتشوش احيانا لان الجامع الوحيد لخيوط اللعبة هو يوسا و يوسا فقط. كما ان السرد يتطلب احيانا مجموع نشط من القارئ الذى سيكون في ذهنه قطع البازل تلك التسلسل الزمنى للاحداث بنفسه.


تجسد عظمة و خسة اي ديكاتور ، تعففه عن المال و طمعه الي السلطة. الديكتاتور يعلم ان المال لا يصلح لشئ الا لشراء الانفس و الولاء و ربما الانتقام الدموى بين حين و اخر ، الديكتاتور يعلم ان كل من حوله يحتقرونه و يخافونه و هو حريص علي العلاقة المريضة تلك. الديكتاتور -اي ديكاتور يعلم ان كل من حوله يعشقون المال و يسرقون اموال الدولة حلالاا طيبا و خو يغض البصر حين يحب و يضرب علي اليد حين يريد. الديكتاتور حبيب امريكا طالما عذّب و قتّل و رشا و تسلّط في صمت اما حين تُسمع الصرخات فالعقوبات الاقتصادية لا تضر الا شعبه. الديكتاتور لا يضع الاذكياء ابدا في موقع السلطة فالذكاء يقود الي الفهم و منه الي العصيان اما الاغبياء من القذارة الحية للمخيخ للدستورى السكران فادوات طيعة تبنى نظام لكن لا تبنى دول.

لكن كاتبة تلك السطور تتحيز لرائعة يوسا الاخرى الاقل شهرة و التى تراها اعظم فنا و اكثر تأثيرا ، في مقارنة ليست في محلها و في مسابقة لم تقيمها لجنة و في تفضيل لم يطلبه احد ، تدعو كاتبة تلك السطور الي قراءة "حرب نهاية العالم" التى لم تخيب ظن من اكملها ابدا.

دينا نبيل
مارس ٢٠١٧

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....