الثلاثاء، 18 أبريل 2017

رواية : السيدة دالاوى
تأليف:  ڤيرجنيا وولف
ترجمة: عطا عبد الوهاب
عدد الصفحات: ٢١٢ صفحة
اصدارات المؤسسة العربية للدراسات و النشر
التقييم: ٥/٤.٥

عندما تدخل عالم "تيار الوعي" المتشابك العتيد ستجد ان احد اهم درر تاجه هى الرائعة التعيسة ڤيرجنيا وولف التى لم تتحمل قسوة عالمنا و احد اهم اعمالها هو حتما الصغيرة المركزة "السيدة دالاوى" ... رواية تحمل طيات العالم كله في اصغر حيز ممكن و يتعجب دائما قارئها من كثرة تفاصيلها و شفافيتها المطلقة مع امور الروح و الشعور

ان نقطة واحدة من الماء توضع تحت مجهر تبين لنا عالم كامل يكاد يكون منفصل عن عالمنا ، و هذا بالتحديد ما تفعله ڤيرجنيا وولف العزيزة بنا تتناول شق قصير صغير لا يلمحه احد و توسعه لتخلق منه قصة تتعدى حدود القص الكلاسيكي و هى تماما ك عوليس جيميس جويس -انجيل تيار الوعي المقدس- تهتم بالشعور اكثر من الاحداث و بالانطباع اكثر من الشكل الفعلي ، و هى تذكرنا بالمدرسة الانطباعية الفرنسية في الرسم دائما و هى تلخيص ما استطاع ان يقدمه الانسان الحديث للحكى و الدراما جديد من عصر دراما ارسطو
*********
" لقد شعرت بانها فتية جدا، و في الوقت ذاته هرمة بصورة لا يوفيها كلام. انها ثاقبة تقص كالسكين خلال كل شئ و هى في الوقت ذاته خارجا، تنظر. و اذا كانت ترقب التاكسيات شعرت بحس سرمدى بكونها في الخارج، في عرض البحر ووحدها، كانت تشعر ان من الخطر جدا ، جدا ، العيش حتى ليوم واحد "
*********
و نستطيع ان نقارن بين الليدى دالاوى و بين مدام بوفارى و كلتاهما نموذج ادبي عميق و رائع عن سيدات منتصف العمر فبينما تغرق دالاوى في شكليات الانجليز و تزمت الطبقة العليا و تحلم بماضي السحاقية و علاقات الرجال و ذكريات الخيانة تكون مدام بوفارى الفرنسية تمارس شغفها اولا و تحلم و تندم و تذوى لاحقا ، و بينما تعيش دالاوى في ظل خيالها بزوج محافظ خالي النكهة تكون هى ايضا كذلك في ظاهرها و نصف باطنها و هى تتمنى المغامرة ولا تقدم عليها ابدا ، بينما بوفارى و نضيف لها انا كارترينا الروسية الساحرة ففعالات اكثر من حالمات. و بهذا الاختلاف وحده يظهر الفرق الحاد بين الحكى الكلاسيكي المبنى علي الاحداث اولا ثم الشعور -فبوفارى لا تكون ابدا بوفارى ان حلمت فقط بالخيانة- و بين تيار الوعي المعتمد علي السطح الهادئ و الباطن البركانى

و نستطيع ان نقارن بين استاذنا نجيب محفوظ ممن يستطيع ان يروى قصة انسان و حياته الكاملة في ثلاث صفحات تتضمن ميلاده و احلامه و مخاوفه و همومه و حبه و احزانه كما في رائعته الخالدة "حديث الصباح و المساء" و بين ڤيرجنيا وولف التى تستطيع ان تحكى قصة شراء الزهور في مئة صفحة ، علامة اخرى علي انواع القص و الحكى المختلفة و المحببة لنا و تبين ثراء الانسانية التى تزخر دائما بالاحداث الضخمة الكثيرة و التفاصيل الصغيرة المتشابكة و ما علي المبدع الا ان ينظر و ينتظر ان تبوح له
*********
"و ران عليها الهدوء و السكينة و الرضي، اذ اخدت ابرتها و هى تسحب خيط الحرير بسلاسة حتى يتوقف وقفته الرقيقة فيجمع الطيات الخضر ببعضها البعض، فتربطها ربطا لطيفا بالحزام. هكذا في يوم صيف تتجمع الامواج، تتوازن كل التوزان، و تهوى، تتجمع و تهوى و العالم كله باسره يبدو و كأنه يقول (هذا كل ما هنالك) علي نحو ممل أكثر فأكثر، الي ان يقول حتى للقلب في الجسد المستلقي علي الشمس علي الشاطئ، لا تخش بعد اليوم و هو يودع وقره الي بحر ما ، بحر يتنهد جماعيا لكل الاحزان ، و يجدد الدورة ، فيبدأ ، و يجمع ، ثم يدعها تهوى"
*********
تلمس ڤيرجنيا وولف الوتر الحساس للموت و الحياة و الانتحار و ما بينهم، تتحدث عن "ترف الموتى" عن عزلة و وحدة مليئة بالسمو و حرية ننالها اخيرا لن يعرفها المتعلق بالدنيا ابدا ، و بالخط الدرامى الجميل المرهف ل ريزنا و سپتيموس و حلم دفئ ميلان و افراد يسيرون في الشوارع المرحة بدلا من شبه الاحياء في لندن المحشورين في كراسي المصحات ينظرون في زهرات قبيحة غرزت في قلل ، و فيها تقدم ڤيرجنيا صورة شديدة السلبية عن الطب النفسي ربما لضرورة درامية و ربما من واقع حياتها الشخصية التعيسة ذاتها

سپتيموس الغريق و المستلقي دائما علي منحدر شاهق و النوارس تتصايح من فوقه ، الشخصية المرهفة المميزة اللامعة بشكل خاص وسط زحام حياة دالاوى المشغولة دائما بالفضيات و البياضات و الخزفيات و ادوات الطعام الفضية و الابواب المخلوعة عن مفاصلها و سمك الدولفين البلورية و الشمعدانات الضخمة علي رف الموقد
*********
"ولأن ريزنا تعيسة لاسابيع و لاسابيع الان، فقد اعطت معانى لما يحدث من امور، و كادت تشعر احيانا بانها يجب ان توقف الناس في الشارع اذا كانوا طيبين ، لطفاء، و ذلك لمجرد ان تقول لها (انى تعيسة) "
*********
و السيدة دالاوى تشعر بالخواء الاجوف في اعلي لحظات مجدها و تعبر عن الانتصارات المبعدة ليست عن صميم القلب ... و هذة هى نقطو الصراع في شخصها فهي شخص شديد المحافظة و الانغلاق خارجيا بينما تتصارع داخلها المحافظة و الانطلاق -اليس هذا حالنا جميعا؟- و هى تورث القلق لاليزابيث ابنتها دون ان يتحدثا ، و الشخصيات الذكورية اقل عمقا من نظيراتها الانثوية ها هنا باستثناء سپتيموس -الذى يحوى علي عناصر نفسية نسائية بعض الشئ- الذى خطف عقول كاتبة تلك الكلمات

القصة تبدأ بالسيدة دالاوى تقرر صباحا شراء الورود لحفلتها المسائية و تنتهى بانتهاء الحفلة ذاتها ، و هى باستثناء حدث او اثنين خالية من الاحداث بشكل ساحق ، لكن القدرة العجائبية لتيار الوعى هو كيف تتداعى بشكل حر كل الانطباعات و الذكريات و الاحلام و القرارات و الاحزان و الامال كلها في لحظة درامية بسيطة كشراء الزهور او رتق الفستان الاخضر
*********
"دار في خلد سپتيموس ان الامر قد يكون ممكنا، و هو ينظر , الي انكلترا من نافذة القطار عند عودتهما، قد يكون ممكن ان العالم نفسه بدون معنى"

دينا نبيل
اكتوبر ٢٠١٦

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....