اسم الرواية: الدون الهادئ ج٢
تأليف: ميخائيل شولوخوف
ترجمة: علي الشوك ، امجد حسين ، غانم حمدون
عدد الصفحات: ٤٦٢ صفحة
اصدارات دار المدى
"أيها الناس ، لا تدينوا أخا لكم ... في ايام الحرب و المصائب"
هكذا لخصها لنا شولوخوف في نهاية المجلد الثانى الدسم و الرائع من ملحمته الاكثر دسامة و روعه "الدون الهادئ" ... في مجلد حربي اولا و اخيرا و تنكشف فيه وجه الحرب البشع علي عكس الجزء الاول الذى حلمنا فيه مع قوازق الدون البعيد في مجد الحرب و روعة النياشين الصغيرة الذهبية علي صدور الراجعين من المعمعة ، و جمال قصص الحرب البعيدة حين نرويها شيوخا في جلسات الاسرة الدافئة ... لكن ها هنا لا شئ سوى الحرب و البارود و كالعادة كثير من الدماء و قليل من الحب
و ان كانت بطلة المجلد الثانى هى الحرب فلا يهزمها الا الشتات و تغيير الاراء و الجبهات و التردد ... بين التحول المؤلم و السريع لدرجة الجنون من الفلاح الى الجندى ، من واهب لهبة الحياة الى قباض ارضى للارواح ... بين حنين جارف للعودة الى الوطن فالاقامة الجبرية في الخنادق تتعارض بقسوة مع نمط الحياة المتحرك للقوقاز حطم معنويات الجميع سريعا مع خيبات الامل المتكررة في جودة الاول ثم جدوها اخيرا
و في غمرة الحرب -و محاولات نسيان الحنين الجارف لدفء البيت- يرمى الجندى نفسه في بطولات طائشة و ربما يقامر بحياته و الاخريين سواء الاصدقاء او الاعداء ، يتحول الى مستنقع مالح لا يمتص الماء او ربما يهوى النساء بكل الجنون الذى يستطيعه فيوجعه قلبه ان لم يضاجع كل انثي في العالم ة ربما يكتفي حينها بكل من تقع في يده ... و حينها يكتشف انه لو قابل طفل فلن يستطيع ان ينظر طويلا في عينيه الصافيتين و حتى هدفه الاصلي في النسيان تفشل
غير ان التنازع بين التمسك بتقاليد الرجال القدامى و كل كلمات المجد التى تم تلقينها مرارا و الرغبة في الحياة ذاتها هو اروع ما صوره شولوخوف بمهارة يحسده عليها مؤلفينا الشباب ان اطلعوها عليها من الاصل
و نرجع لجملة المترجم في مقدمته عن ال٦٠٠ شخصية التى مرت في مجلدات الدون الهادئ التى تجرى صفحاتها بين ايدينا في يسر رغم حجمها و كيف ان كل منها ضرورية لوصف تلك الفترة الثرية من تاريخ العالم و الانسان ، و يفاجئنا مدى التفاصيل التى يرويها شولوخوف عن كل شخص يمر امام تلك الكاميرا الدقيقة المسماة بالدراما فهنا لا كومبارس ولا شخصيات درامية جافة تحمل بعد واحد هش بل وجود متكامل لكل انسان و ان لم يظهر سوى سطر في الملحمة الضخمة ، و ربما نعلن اعجابنا بمقدرة المؤلف الروسي العتيد في اقناعنا بالشئ و عكسه و مهارته الموجعه في بيان ان البشر كلهم في النهاية و رغم كل ادعاء العكس هم بشر
و عندما يطالعنا السؤال الكبير عن الاتجاة شرقا ام غربا؟ للامام ام للخلف؟ لليمين ام اليسار؟ هل نغامر بجديد مجهول "قد" يحمل الخير ام نكتفي بقديم مألوف تعودنا علي شره؟ حين مادت الارض تحت قدم التائه و كأن الارض كلها مستنقع ضحل كبير و حين تتشعب الطريق امامه مسالك شتى و ينمحى الصوت الصغير الذى اعتادنا ان نصدقه حين يوجهنا الى السبيل السوى ، و حين تموج احزاننا و مخاوفنا ارواحنا و نود لو ندير كل الظهور الى العالم الكريه الذى استعصى علينا فهمه ، و حين نسير الى طريق و ربما نجر اخريين وراءنا ثم نفتر فهل نتراجع؟ و عندما تتلخص الحياة في علامة استفهام واحدة ضخمة تسألنا عن الطريق ... هل تتبع قلوبنا ام عقولنا؟ ما يردده الاب الحنون ام القائد الحاسم؟ هل نقامر بكل شئ ام نسير في الطريق المحايد الممل؟!.... كلها اسئلة لن يجيب عليها شولوخوف ابدا بل يتركنا نحن و ابطال الدون الهادئ وسط كل الصخب نحاول وحدنا
ربما تلخصت كل تلك الاسئلة عن اختيار القوازق للبلاشفة امام اصحاب الملكية القديمة و عن توزيع الاراضي و معضلة بحث كل فصيل سياسي عن حقه وحده و بحث الجميع عن السلم بطريقة "الحرب الاخيرة" التى فشل الانسان القديم و الحديث في الوفاء بعهده بها ، و ربما اسئلتنا نحن اكثر معاصرة و اختلافا لكن المؤكد ان الحيرة واحدة
لكن كما يروى لنا شولوخوف فالجنود و البحارة و العمال ينتزهون جيئة و ذهاب في الشوارع الرئيسية و يعقدون الاجتماعات و يقشرون بذور عباد الشمس و يبصقون علي الارصفة و يغازلون النساء ، و يأكلون ، و يشربون ، و يهجعون ، و يموتون ، و ينسلون ، و يتعاطون الحب ، و يحقدون ، و ينتسمون نسيم البحر المالح ، و يعيشون في خضم من العواطف النبيلة و التافهة ..... رغم ان الهواء يحمل دائما رائحة ايام النحس و دماء المعارك الوشيكة
دينا نبيل
فجر ٢ اكتوبر ٢٠١٥
تأليف: ميخائيل شولوخوف
ترجمة: علي الشوك ، امجد حسين ، غانم حمدون
عدد الصفحات: ٤٦٢ صفحة
اصدارات دار المدى
"أيها الناس ، لا تدينوا أخا لكم ... في ايام الحرب و المصائب"
هكذا لخصها لنا شولوخوف في نهاية المجلد الثانى الدسم و الرائع من ملحمته الاكثر دسامة و روعه "الدون الهادئ" ... في مجلد حربي اولا و اخيرا و تنكشف فيه وجه الحرب البشع علي عكس الجزء الاول الذى حلمنا فيه مع قوازق الدون البعيد في مجد الحرب و روعة النياشين الصغيرة الذهبية علي صدور الراجعين من المعمعة ، و جمال قصص الحرب البعيدة حين نرويها شيوخا في جلسات الاسرة الدافئة ... لكن ها هنا لا شئ سوى الحرب و البارود و كالعادة كثير من الدماء و قليل من الحب
و ان كانت بطلة المجلد الثانى هى الحرب فلا يهزمها الا الشتات و تغيير الاراء و الجبهات و التردد ... بين التحول المؤلم و السريع لدرجة الجنون من الفلاح الى الجندى ، من واهب لهبة الحياة الى قباض ارضى للارواح ... بين حنين جارف للعودة الى الوطن فالاقامة الجبرية في الخنادق تتعارض بقسوة مع نمط الحياة المتحرك للقوقاز حطم معنويات الجميع سريعا مع خيبات الامل المتكررة في جودة الاول ثم جدوها اخيرا
و في غمرة الحرب -و محاولات نسيان الحنين الجارف لدفء البيت- يرمى الجندى نفسه في بطولات طائشة و ربما يقامر بحياته و الاخريين سواء الاصدقاء او الاعداء ، يتحول الى مستنقع مالح لا يمتص الماء او ربما يهوى النساء بكل الجنون الذى يستطيعه فيوجعه قلبه ان لم يضاجع كل انثي في العالم ة ربما يكتفي حينها بكل من تقع في يده ... و حينها يكتشف انه لو قابل طفل فلن يستطيع ان ينظر طويلا في عينيه الصافيتين و حتى هدفه الاصلي في النسيان تفشل
غير ان التنازع بين التمسك بتقاليد الرجال القدامى و كل كلمات المجد التى تم تلقينها مرارا و الرغبة في الحياة ذاتها هو اروع ما صوره شولوخوف بمهارة يحسده عليها مؤلفينا الشباب ان اطلعوها عليها من الاصل
و نرجع لجملة المترجم في مقدمته عن ال٦٠٠ شخصية التى مرت في مجلدات الدون الهادئ التى تجرى صفحاتها بين ايدينا في يسر رغم حجمها و كيف ان كل منها ضرورية لوصف تلك الفترة الثرية من تاريخ العالم و الانسان ، و يفاجئنا مدى التفاصيل التى يرويها شولوخوف عن كل شخص يمر امام تلك الكاميرا الدقيقة المسماة بالدراما فهنا لا كومبارس ولا شخصيات درامية جافة تحمل بعد واحد هش بل وجود متكامل لكل انسان و ان لم يظهر سوى سطر في الملحمة الضخمة ، و ربما نعلن اعجابنا بمقدرة المؤلف الروسي العتيد في اقناعنا بالشئ و عكسه و مهارته الموجعه في بيان ان البشر كلهم في النهاية و رغم كل ادعاء العكس هم بشر
و عندما يطالعنا السؤال الكبير عن الاتجاة شرقا ام غربا؟ للامام ام للخلف؟ لليمين ام اليسار؟ هل نغامر بجديد مجهول "قد" يحمل الخير ام نكتفي بقديم مألوف تعودنا علي شره؟ حين مادت الارض تحت قدم التائه و كأن الارض كلها مستنقع ضحل كبير و حين تتشعب الطريق امامه مسالك شتى و ينمحى الصوت الصغير الذى اعتادنا ان نصدقه حين يوجهنا الى السبيل السوى ، و حين تموج احزاننا و مخاوفنا ارواحنا و نود لو ندير كل الظهور الى العالم الكريه الذى استعصى علينا فهمه ، و حين نسير الى طريق و ربما نجر اخريين وراءنا ثم نفتر فهل نتراجع؟ و عندما تتلخص الحياة في علامة استفهام واحدة ضخمة تسألنا عن الطريق ... هل تتبع قلوبنا ام عقولنا؟ ما يردده الاب الحنون ام القائد الحاسم؟ هل نقامر بكل شئ ام نسير في الطريق المحايد الممل؟!.... كلها اسئلة لن يجيب عليها شولوخوف ابدا بل يتركنا نحن و ابطال الدون الهادئ وسط كل الصخب نحاول وحدنا
ربما تلخصت كل تلك الاسئلة عن اختيار القوازق للبلاشفة امام اصحاب الملكية القديمة و عن توزيع الاراضي و معضلة بحث كل فصيل سياسي عن حقه وحده و بحث الجميع عن السلم بطريقة "الحرب الاخيرة" التى فشل الانسان القديم و الحديث في الوفاء بعهده بها ، و ربما اسئلتنا نحن اكثر معاصرة و اختلافا لكن المؤكد ان الحيرة واحدة
لكن كما يروى لنا شولوخوف فالجنود و البحارة و العمال ينتزهون جيئة و ذهاب في الشوارع الرئيسية و يعقدون الاجتماعات و يقشرون بذور عباد الشمس و يبصقون علي الارصفة و يغازلون النساء ، و يأكلون ، و يشربون ، و يهجعون ، و يموتون ، و ينسلون ، و يتعاطون الحب ، و يحقدون ، و ينتسمون نسيم البحر المالح ، و يعيشون في خضم من العواطف النبيلة و التافهة ..... رغم ان الهواء يحمل دائما رائحة ايام النحس و دماء المعارك الوشيكة
دينا نبيل
فجر ٢ اكتوبر ٢٠١٥
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....