اسم الكتاب: الاصلاح الدينى 1 -لمجلد الرابع و الثلاثين من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: عبد الحميد يونس
عدد الصفحات: 258 صفحة
اصدارات دار نوبليس
يصاب قارئ التاريخ بالبلبلة قليلا عندما يقرر ديورانت ان يعيد كتابة التاريخ عن نفس الفترة التاريخية التى روى عنها فى خمسة مجلدات عصر النهضة فى ستة مجلدات اخرى... لكن قارئ قصة الحضارة الذى وصل لتلك المرحلة المتقدمة نسبيا فيها يدرك مغزى ديورانت حين يقرر ان يروى عن فترة تاريخية تمتد قرنين لكنها زاخرة بالاحداث و غيرت شكل العالم فى هذا العدد الكبير من الاجزاء و المجلدات المتوالية... فعصر النهضة هو بذاته عصر الاصلاح الدينى لكن الفارق الرئيسى ان بينما كانت ايطاليا تنعم برفاهية الفن و المؤامرات السياسية كانت المانيا و باقي اوروبا يتميز فى نار الحرب و الانشقاق الدينى
هو ذاته العصر لكن المكان و تقرد ايطاليا فى اكثر عصورها ذهبية جعلت ذلك الفارق الكبير بين نوعية الاحداث و الافكار ... تكنيك ربما مرهق للقارئ حين يعيد قراءة كل ما قرأ لكن ديورانت كمعلم عتيد يأخذ بيك لعالمه و يوعدك بالمعرفه و المتعه فتقبل الرهان
*******************
وصل البشر فى ذلك العصر لمثل حال عصرنا حين وقف الانسان بعد ثبات طويل فى عشرة من القرون كونت العصور الوسطى و تساءل عن جدوى الدين اولا و عن جدوى المؤسسات الدينية ثانيا , و ان كانت فطرته اهدت -او كادت- اليه اجابة السؤال الاول فانها تعجز عادة عن الوفاء بالثانى ... و بمجرد اطلاق السؤال عن "جدوى" المؤسسات الدينية يكون الشك قد دخل بالفعل و حدث نصف التأثير حتى قبل الاجابة بالهجوم او بالدفاع , العصور الوسطى الزراعية و الاقطاعية انتهت و حل عالم من الملكية المطلقة و الحياة التجارية لم تعد تناسب مجد كنيسة القديس بطرس التقليدى
وبينما كانت الكنيسة يبدو عليها أنها آخذة في استعادة مجدها وسلطانها، كان يحدث في أوربا تغير اقتصادي وسياسي وعقلي يعمل بالتدريج على تقويض صرح المسيحية اللاتينية
ذلك أن الدين يزدهر عادة في ظل النظام الزراعي على حين أن العلم يزدهر في ظل الاقتصاد الصناعي فكل حصاد معجزة من المعجزات في الأرض ونزوة من نزوات الجو، والفلاح الحقير الخاضع لسلطان الجو والذي ينهكه الكدح، يرى من حوله قوات خارقة للعادة في كل مكان، ويوجه الدعوات والصلوات إلى السماء ليسترضيها ويستميلها إليه، ويرتضي الخضوع لنظام ديني إقطاعي يتدرج ولاؤه فيه من السيد المالك إلى الملك إلى الله.
أما الصانع في المدينة والتاجر وصاحب المصنع وذو المال فيعيشون في عالم من الأرقام يحسبون فيه العمليات والكميات والأسباب المادية والنتائج المرتقية العادية. وتهيئ الآلة ومنضدة العد والحساب عقولهم لأن يروا حكم (القانون الطبيعي) يبسط سلطانه على أرجاء آخذة في الاتساع. وكان نمو الصناعة والتجارة وتكدس الأموال أثناء القرن الخامس عشر وانتقال العمال من الر يف إلى المدن وقيام طبقة التجار واتساع دائرة الاقتصاد من البيئة الصنفية المحلية حتى أصبح اقتصادياً قومياً ثم دولياً-كل هذا كان نذير شؤم للدين الذي كان يوائم أشد المواءمة نظام الإقطاع وما يطرأ على الحقول من تقلبات تبعث في النفس الكآبة والقنوط. وأخذ رجال الأعمال يحطمون القيود التي يفرضها سادة الإقطاع، وكان لا بد للكنيسة أن ترضى بشيء من الشعوذة اللاهوتية المكشوفة إلى ما تحتمه ضرورة الأيام من فرض فوائد على القروض إذا كان لا بد لرؤوس الأموال أن تستخدم في توسيع دائرة الصناعة والمشروعات المالية،
وما وافى عام 1500 حتى أصبح الناس يتجاهلون أوامر الكنيسة القاضية بتحريم "الربا". ثم حل المحامون ورجال الأعمال شيئاً فشيئاً محل رجال الدين والأعمال في إدارة أعمال الحكومة، وأخذ القانون نفسه، بعد أن ظفر باسترداد تقاليده ومكانته اللتين كانتا له في عصر الإمبراطورية الرومانية، يسبق النظم الأخرى في الانتقال من الصبغة الدينية إلى الصبغة الدنيوية ويتعدى يوماً بعد يوم عل نظم الحياة الكنسية التي كانت تخضع من قبل للقوانين الدينية وزادت سلطة المحاكم الزمنية واضمحلت سلطة محاكم الابرشيات.
وأخذت الدولة الملكية الناشئة بعد أن بلغت طور الشباب وازداد ثراؤها بفضل ما تجمع لها من المال من التجارة والصناعة، أخذت تتحرر شيئاً فشيئاً من سيطرة الكنيسة وأخذ الملوك يعارضون في وجود المندوب البابوي أو القاصد الرسولي في بلادهم ل،ه لم يكن يعترب بسلطان غير سلطان البابا وبذلك جعل كنيسة كل أمة دولة داخل دولة
*******************
و المجلد الرابع و الثلاثون مخصص باكمله لاحوال انجلترا و فرنسا و العلاقة المضطربه بينهم فى ذلك العصر الصعب من اعوام 1300 الى 1515 م
نرى تتابع الملوك الانجليز واحد تلو الاخر و نتمنى ان تحتفظ ذاكرتنا بالاسماء و التواريخ و ربما لن يحدث هذا لكن بعضهم و قصصهم الغريبة تلتصق بالذهن فذلك إدوارد الثاني المحب للعاشقين الذكور و التارك لزوجته الشرعية , و هذا و ادوار الثالث الذى بدأ عادة اجتماع "البرلمان" لممثلى الشعب لاقرار القوانين و الحالم بغزو فرنسا , و رييتشارد الثانى الفارس الاسود المتوج فى عز فترات القلقلة الدينية , و هنرى الخامس و حكايا شكسبير عنه و كيف خلد ذكرى الملك البعيد لينقل نقل مظفر من كتب التاريخ للادب ,
و لن يمر ديورانت على انجلترا قبل ان يعرفنا على تشوستر 1340 - 1400 .... يقرأ لنا اعماله و يحكى لنا قصة حياته بين الملوك و يلخص لنا "حكايات كانتبري" و يشوفنا لها , و يعرفنا على فضل تشوستر على الانجليزية كفضل دانتى على الايطالية فى الولادة الصعبة للغات المحلية على اللاتينية العتيدة العنيدة لقرون و قرون
*******************
و من قلب انجلترا كان "ويكلف" و من قلب ويكلف كان الاصلاح الدينى قبل ان ينطق هس او لوثر بالحلم الاكبر , و كالعادة كان المال المتكدس فى خزائن الكنيسة سبب الاصلاح لا الاخلاق ولا الدين فكأن الاصلاح الدينى كان ثورة اقتصادية و سياسية قومية قبل اى شئ اخر
و ويكلف تماما ك لوثر متأثر بجبرية و قدرية اوغسطين التى يكرهها ديورانت من كل قلبه فيما نشعر ... و حمل نفس الاراء من عام 1366 إن أعظم ما تحتاجه الكنيسة ويحتاجه رجال الدين من إصلاح هو أن تتخلص ويتخلص رجالها من الأملاك الدنيوية. وكأن هذا لم يكن يثير من المتاعب ما فيه الكفاية، فاستنتج ويكلف من مذهبه الديني مذهباً آخر من مذاهب الشيوعية النظرية والفوضى النظرية، فقال إن كل شخص تحل عليه نعمة الله وبركته يشارك الله في امتلاك الطيبات، أي أن كل شيء من الوجهة النظرية يمتلكه جميع الصالحين مجتمعين. أما الملك الخاص والحكومة فهما أثر من آثار خطيئة آدم وخطيئة الإنسان التي ورثها عنه أي أنهما متأصلان في الطبيعية البشرية. كما كان ينادي بذلك بعض الفلاسفة المدرسيين. والمجتمع الذي تعمه الفضيلة لا يكون فيه ملك فردي، ولا قانون يضعه الإنسان وتسنه الكنيسة أو الدولة. وخشي ويكلف أن يفسر ذلك المتطرفون الذين كانوا يفكرون وقتئذ في الخروج على الحكومة في إنجلترا تفسيراً حرفياً، فقام يفسر هو شيوعيته على أنها يجب أن تؤخذ بمعناها المثالي، وأن السلطات التي تقوم بمقتضاها هي التي نادى بها القديس بولس والتي أمر بها الله ومن ثم كانت واجبة الطاعة. وقد كرر لوثر في عام 1525 تكراراً يكاد يكون دقيقاً كل الدقة ما لمح به ويكلف في أقواله عن الثورة.
ثم يشير ويكلف إشارة رقيقة فيقول أن البابا هو عدو المسيح الذي تنبأت به الرسالة الأولى من رسائل الرسول يوحنا، وأنه الوحش الوارد ذكره في سفر الرؤيا، والذي ينبئ بعودة المسيح.
ويقول ويكلف أن هذه المشكلة لا تحل إلا بتجريد الكنيسة من كل الأملاك والسلطات المادية، ويقول أن المسيح وحوارييه قد عاشوا فقراء وأن من واجب القسيسين أن يعيشوا هم أيضاً فقراء، أما الرهبان والإخوان فيجب أن يعودوا إلى ما كانت عليهم قوانين طوائفهم، فيبتعدوا عن كل ملك وترف. والقساوسة "يجب أن يبتهجوا حين تنتزع منهم كل أسباب السيادة الزمنية"، ويجب أن يقنعوا بالطعام والكساء، وأن يعيشوا على الصدقات التي يقدمها الناس إليهم طائعين مختارين. وإذا لم يتخلَ رجال الدين عن ثروتهم ويعودوا باختيارهم إلى الفقر الذي أمرتهم به الشريعة المسيحية، وجب أن تتدخل الدولة فتصادر أملاكهم
ومن واجب الملك حين يفعل هذا ألا يخشى ما يصبه عليه البابا من اللعنات، لأن "اللعنة الصادرة من الآدمي أياً كان ليست لها قوة، إلا إذا كانت اللعنة صادرة من الله نفسه". والملوك مسئولون أمام الله وحده، وهم يستمدون سلطانهم منه. ويقول ويكلف في هذا إن الدولة يجب أن تعد نفسها ذات السلطان الأعلى في جميع
الشؤون الزمنية، وأن عليها أن تستحوذ على جميع أملاك الكنيسة.
و بعد ويكلف و الحرب و الثورات و الثروات و التطور الاجتماعى و السياسي و الادبى وفي عام 1504 نصب كولت نائباً امطران كنيسة سانت بول، ومن هذا المنبر الرفيع عارض بيع الأسقفية، والفساد الناجم عن قوامة رجل واحد على موارد كنائس متعددة. وأثار بآرائه هذه معارضة عنيفة، ولكن ورهام كبير الأساقفة، عمل على حمايته. وكان ليناكر وجروسين ومور، قد استقروا وقتذاك في لندن وقد برئوا من جمود أكسفورد وتعصبها القديم، وشحذت عقولهم زيارات أرازموس وسرعان ما حظوا بتأييد الملك هنري الثامن. وبدا أن كل شيء ممهد لنهضة إنجليزية، ستتحرك مصطحبة، إصلاحاً دينياً سليماً.
*******************
اما فرنسا فخرجت من العصور الوسطى مشتتة ممزقة يحتل اجزاء منها انجلترا و اجزاء اخرى تابعه للامبراطورية الرومانية و الباقي ممزق بين ملكية و اقطاعية تتظاهر بالخضوع للملك دون أثر حقيقى
و كعادة هذا العصر ترك التطور الاقتصادى و تقليل اهمية النقابات اثر ادى الى ثورات عمالية و فلاحية مقموعة بمزيج متكرر من السلطة الدينية و الزمنية مثل فقد انتفض عام 1300 فلاحون فقراء، عرفوا في التاريخ بالرعاة، واصطخبوا في المدن أخذوا يجمعون في انتفاضتهم العمال الكادحين المتمردين. وساروا جنوباً، يتزعمهم راهب ثائر، وأغلبهم حفاة عراة من السلاح، معلنين أن القدس غايتهم. ودفعهم الجوع إلى انتهاب الدكاكين والحقول، ولما تعرضوا للمقاومة، استطاعوا أن يحصلوا على الأسلحة، ويؤلفوا جيشاً. حتى إذا بلغوا باريس حطموا أبواب السجن، وهزموا قوات الملك. فحبس فيليب الرابع نفسه في اللوفر، وانسحب النبلاء إلى معقلهم، وجبن التجار في دورهم. وواصل الحشد سيره، وزاد عدد أفراده بانضمام المعدمين في العاصمة إليهم، حتى بلغوا أربعين ألفاً من الرجال والنساء ومن الأوباش والأتقياء. وذبحوا فردن وأوخ وتولز جميع من وقع في أيديهم من اليهود. ولما تجمعوا في ايجوز مورت، على البحر الأبيض المتوسط، أحدق بهم عمدة كاركاسون بقواته، وقطع عنهم المؤن، ولبث كذلك حتى مات جميع الثوار من الجوع أو الوباء، وشنق القليلين الذين بقوا منهم.
فهل كان مطالبة ادوارد الثالث ملك انجلترا بحقه فى عرش فرنسا هو السبب الرئيسى لحرب المئة عام؟ نجيب بنعم لكننا نعتقد ان الحرب كانت وشيكة لاسباب سياسية و اجتماعية فالسبب كان رئيسي لكنه ابدا ليس الوحيد , و قصة حرب المئة عام ممتعة و طويلة فى حد ذاتها و هى تدهش فى طولها و عنفها القارئ المعاصر خاصة انه لا يصدق ان كل تلك الدماء و الاموال من اجل ورث زال اجله
و القراءة عن حال فرنسا و اهلها اثناء الحرب مؤلمة حين نتصور مدينة النور محطمة مليئة باليأس و الشر و الجوع وفشا اللواط، وشاعت الدعارة، وكاد المجون يصبح عاماً. ودعت فرقة "الآدميين" في القرن الرابع عشر، إلى مذهب العري، وظلت تمارسه علناً إلى أن منعته محاكم التفتيش.
و فى تلك الزخام تظهر العذراء الصغيرة المحاربة و المعذبة جان دارك فى قصة تبدو درامية اكثر منها عسكرية و هنا يذكرنا ديورانت برأيه المعروف بان يجب علينا ألا نبالغ في الأهمية الحربية لجان دراك، وربما كان في استطاعة دينوا ولاهير، أن ينقذا أورليان بدونها، فإن خططهما في الهجوم المتهور أحرزت النصر في بعض الوقائع والهزيمة في الأخرى، وكانت إنجلترا تحس تكاليف حرب المائة عام
و بالمغامرة الفرنسية فى ايطاليا تظهر سمات هذا العصر التى حظت فيه روما بمجد الترف بينما انشغل الجميع عنها بالتحضير للمستقبل و التطور التجارى و التقلبات السياسية
***********************
ما الذي وضع نهاية للعصور الوسطى؟ أسباب كثيرة أخذت تعمل حلال ثلاثة قرون: فشل الحروب الصليبية، وزيادة معرفة أوربا الناهضة بالإسلام، والاستيلاء على القسطنطينية، وبعث الثقافة الكلاسية الوثنية، وانتشار التجارة بفضل رحلات أسطول هنري الملاح وكلولمبس وفاسكو دا جاما، ونشأة الطبقة التجارية التي مولت مركزية الحكومة الملكية، وتقدم الدولة القومية، متحدية سلطة الباباوات التي تعلو على القومية، وثورة لوثر الموفقة في وجه البابوية، والطباعة.
و بجوتنبرج انفتح الباب الذى تمنت الكنيسة طويلا ان تغلقه ... و صارت الكتب جميعا و من ضمنها الكتاب المقدس فى يد الجميع ان ارادوا و لم تعد الاديرة سجون للكتب بعد الان , و كأن العالم يتهيأ لثورة لوثر الدينية
دينا نبيل
نوفمبر 2015
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: عبد الحميد يونس
عدد الصفحات: 258 صفحة
اصدارات دار نوبليس
يصاب قارئ التاريخ بالبلبلة قليلا عندما يقرر ديورانت ان يعيد كتابة التاريخ عن نفس الفترة التاريخية التى روى عنها فى خمسة مجلدات عصر النهضة فى ستة مجلدات اخرى... لكن قارئ قصة الحضارة الذى وصل لتلك المرحلة المتقدمة نسبيا فيها يدرك مغزى ديورانت حين يقرر ان يروى عن فترة تاريخية تمتد قرنين لكنها زاخرة بالاحداث و غيرت شكل العالم فى هذا العدد الكبير من الاجزاء و المجلدات المتوالية... فعصر النهضة هو بذاته عصر الاصلاح الدينى لكن الفارق الرئيسى ان بينما كانت ايطاليا تنعم برفاهية الفن و المؤامرات السياسية كانت المانيا و باقي اوروبا يتميز فى نار الحرب و الانشقاق الدينى
هو ذاته العصر لكن المكان و تقرد ايطاليا فى اكثر عصورها ذهبية جعلت ذلك الفارق الكبير بين نوعية الاحداث و الافكار ... تكنيك ربما مرهق للقارئ حين يعيد قراءة كل ما قرأ لكن ديورانت كمعلم عتيد يأخذ بيك لعالمه و يوعدك بالمعرفه و المتعه فتقبل الرهان
*******************
وصل البشر فى ذلك العصر لمثل حال عصرنا حين وقف الانسان بعد ثبات طويل فى عشرة من القرون كونت العصور الوسطى و تساءل عن جدوى الدين اولا و عن جدوى المؤسسات الدينية ثانيا , و ان كانت فطرته اهدت -او كادت- اليه اجابة السؤال الاول فانها تعجز عادة عن الوفاء بالثانى ... و بمجرد اطلاق السؤال عن "جدوى" المؤسسات الدينية يكون الشك قد دخل بالفعل و حدث نصف التأثير حتى قبل الاجابة بالهجوم او بالدفاع , العصور الوسطى الزراعية و الاقطاعية انتهت و حل عالم من الملكية المطلقة و الحياة التجارية لم تعد تناسب مجد كنيسة القديس بطرس التقليدى
وبينما كانت الكنيسة يبدو عليها أنها آخذة في استعادة مجدها وسلطانها، كان يحدث في أوربا تغير اقتصادي وسياسي وعقلي يعمل بالتدريج على تقويض صرح المسيحية اللاتينية
ذلك أن الدين يزدهر عادة في ظل النظام الزراعي على حين أن العلم يزدهر في ظل الاقتصاد الصناعي فكل حصاد معجزة من المعجزات في الأرض ونزوة من نزوات الجو، والفلاح الحقير الخاضع لسلطان الجو والذي ينهكه الكدح، يرى من حوله قوات خارقة للعادة في كل مكان، ويوجه الدعوات والصلوات إلى السماء ليسترضيها ويستميلها إليه، ويرتضي الخضوع لنظام ديني إقطاعي يتدرج ولاؤه فيه من السيد المالك إلى الملك إلى الله.
أما الصانع في المدينة والتاجر وصاحب المصنع وذو المال فيعيشون في عالم من الأرقام يحسبون فيه العمليات والكميات والأسباب المادية والنتائج المرتقية العادية. وتهيئ الآلة ومنضدة العد والحساب عقولهم لأن يروا حكم (القانون الطبيعي) يبسط سلطانه على أرجاء آخذة في الاتساع. وكان نمو الصناعة والتجارة وتكدس الأموال أثناء القرن الخامس عشر وانتقال العمال من الر يف إلى المدن وقيام طبقة التجار واتساع دائرة الاقتصاد من البيئة الصنفية المحلية حتى أصبح اقتصادياً قومياً ثم دولياً-كل هذا كان نذير شؤم للدين الذي كان يوائم أشد المواءمة نظام الإقطاع وما يطرأ على الحقول من تقلبات تبعث في النفس الكآبة والقنوط. وأخذ رجال الأعمال يحطمون القيود التي يفرضها سادة الإقطاع، وكان لا بد للكنيسة أن ترضى بشيء من الشعوذة اللاهوتية المكشوفة إلى ما تحتمه ضرورة الأيام من فرض فوائد على القروض إذا كان لا بد لرؤوس الأموال أن تستخدم في توسيع دائرة الصناعة والمشروعات المالية،
وما وافى عام 1500 حتى أصبح الناس يتجاهلون أوامر الكنيسة القاضية بتحريم "الربا". ثم حل المحامون ورجال الأعمال شيئاً فشيئاً محل رجال الدين والأعمال في إدارة أعمال الحكومة، وأخذ القانون نفسه، بعد أن ظفر باسترداد تقاليده ومكانته اللتين كانتا له في عصر الإمبراطورية الرومانية، يسبق النظم الأخرى في الانتقال من الصبغة الدينية إلى الصبغة الدنيوية ويتعدى يوماً بعد يوم عل نظم الحياة الكنسية التي كانت تخضع من قبل للقوانين الدينية وزادت سلطة المحاكم الزمنية واضمحلت سلطة محاكم الابرشيات.
وأخذت الدولة الملكية الناشئة بعد أن بلغت طور الشباب وازداد ثراؤها بفضل ما تجمع لها من المال من التجارة والصناعة، أخذت تتحرر شيئاً فشيئاً من سيطرة الكنيسة وأخذ الملوك يعارضون في وجود المندوب البابوي أو القاصد الرسولي في بلادهم ل،ه لم يكن يعترب بسلطان غير سلطان البابا وبذلك جعل كنيسة كل أمة دولة داخل دولة
*******************
و المجلد الرابع و الثلاثون مخصص باكمله لاحوال انجلترا و فرنسا و العلاقة المضطربه بينهم فى ذلك العصر الصعب من اعوام 1300 الى 1515 م
نرى تتابع الملوك الانجليز واحد تلو الاخر و نتمنى ان تحتفظ ذاكرتنا بالاسماء و التواريخ و ربما لن يحدث هذا لكن بعضهم و قصصهم الغريبة تلتصق بالذهن فذلك إدوارد الثاني المحب للعاشقين الذكور و التارك لزوجته الشرعية , و هذا و ادوار الثالث الذى بدأ عادة اجتماع "البرلمان" لممثلى الشعب لاقرار القوانين و الحالم بغزو فرنسا , و رييتشارد الثانى الفارس الاسود المتوج فى عز فترات القلقلة الدينية , و هنرى الخامس و حكايا شكسبير عنه و كيف خلد ذكرى الملك البعيد لينقل نقل مظفر من كتب التاريخ للادب ,
و لن يمر ديورانت على انجلترا قبل ان يعرفنا على تشوستر 1340 - 1400 .... يقرأ لنا اعماله و يحكى لنا قصة حياته بين الملوك و يلخص لنا "حكايات كانتبري" و يشوفنا لها , و يعرفنا على فضل تشوستر على الانجليزية كفضل دانتى على الايطالية فى الولادة الصعبة للغات المحلية على اللاتينية العتيدة العنيدة لقرون و قرون
*******************
و من قلب انجلترا كان "ويكلف" و من قلب ويكلف كان الاصلاح الدينى قبل ان ينطق هس او لوثر بالحلم الاكبر , و كالعادة كان المال المتكدس فى خزائن الكنيسة سبب الاصلاح لا الاخلاق ولا الدين فكأن الاصلاح الدينى كان ثورة اقتصادية و سياسية قومية قبل اى شئ اخر
و ويكلف تماما ك لوثر متأثر بجبرية و قدرية اوغسطين التى يكرهها ديورانت من كل قلبه فيما نشعر ... و حمل نفس الاراء من عام 1366 إن أعظم ما تحتاجه الكنيسة ويحتاجه رجال الدين من إصلاح هو أن تتخلص ويتخلص رجالها من الأملاك الدنيوية. وكأن هذا لم يكن يثير من المتاعب ما فيه الكفاية، فاستنتج ويكلف من مذهبه الديني مذهباً آخر من مذاهب الشيوعية النظرية والفوضى النظرية، فقال إن كل شخص تحل عليه نعمة الله وبركته يشارك الله في امتلاك الطيبات، أي أن كل شيء من الوجهة النظرية يمتلكه جميع الصالحين مجتمعين. أما الملك الخاص والحكومة فهما أثر من آثار خطيئة آدم وخطيئة الإنسان التي ورثها عنه أي أنهما متأصلان في الطبيعية البشرية. كما كان ينادي بذلك بعض الفلاسفة المدرسيين. والمجتمع الذي تعمه الفضيلة لا يكون فيه ملك فردي، ولا قانون يضعه الإنسان وتسنه الكنيسة أو الدولة. وخشي ويكلف أن يفسر ذلك المتطرفون الذين كانوا يفكرون وقتئذ في الخروج على الحكومة في إنجلترا تفسيراً حرفياً، فقام يفسر هو شيوعيته على أنها يجب أن تؤخذ بمعناها المثالي، وأن السلطات التي تقوم بمقتضاها هي التي نادى بها القديس بولس والتي أمر بها الله ومن ثم كانت واجبة الطاعة. وقد كرر لوثر في عام 1525 تكراراً يكاد يكون دقيقاً كل الدقة ما لمح به ويكلف في أقواله عن الثورة.
ثم يشير ويكلف إشارة رقيقة فيقول أن البابا هو عدو المسيح الذي تنبأت به الرسالة الأولى من رسائل الرسول يوحنا، وأنه الوحش الوارد ذكره في سفر الرؤيا، والذي ينبئ بعودة المسيح.
ويقول ويكلف أن هذه المشكلة لا تحل إلا بتجريد الكنيسة من كل الأملاك والسلطات المادية، ويقول أن المسيح وحوارييه قد عاشوا فقراء وأن من واجب القسيسين أن يعيشوا هم أيضاً فقراء، أما الرهبان والإخوان فيجب أن يعودوا إلى ما كانت عليهم قوانين طوائفهم، فيبتعدوا عن كل ملك وترف. والقساوسة "يجب أن يبتهجوا حين تنتزع منهم كل أسباب السيادة الزمنية"، ويجب أن يقنعوا بالطعام والكساء، وأن يعيشوا على الصدقات التي يقدمها الناس إليهم طائعين مختارين. وإذا لم يتخلَ رجال الدين عن ثروتهم ويعودوا باختيارهم إلى الفقر الذي أمرتهم به الشريعة المسيحية، وجب أن تتدخل الدولة فتصادر أملاكهم
ومن واجب الملك حين يفعل هذا ألا يخشى ما يصبه عليه البابا من اللعنات، لأن "اللعنة الصادرة من الآدمي أياً كان ليست لها قوة، إلا إذا كانت اللعنة صادرة من الله نفسه". والملوك مسئولون أمام الله وحده، وهم يستمدون سلطانهم منه. ويقول ويكلف في هذا إن الدولة يجب أن تعد نفسها ذات السلطان الأعلى في جميع
الشؤون الزمنية، وأن عليها أن تستحوذ على جميع أملاك الكنيسة.
و بعد ويكلف و الحرب و الثورات و الثروات و التطور الاجتماعى و السياسي و الادبى وفي عام 1504 نصب كولت نائباً امطران كنيسة سانت بول، ومن هذا المنبر الرفيع عارض بيع الأسقفية، والفساد الناجم عن قوامة رجل واحد على موارد كنائس متعددة. وأثار بآرائه هذه معارضة عنيفة، ولكن ورهام كبير الأساقفة، عمل على حمايته. وكان ليناكر وجروسين ومور، قد استقروا وقتذاك في لندن وقد برئوا من جمود أكسفورد وتعصبها القديم، وشحذت عقولهم زيارات أرازموس وسرعان ما حظوا بتأييد الملك هنري الثامن. وبدا أن كل شيء ممهد لنهضة إنجليزية، ستتحرك مصطحبة، إصلاحاً دينياً سليماً.
*******************
اما فرنسا فخرجت من العصور الوسطى مشتتة ممزقة يحتل اجزاء منها انجلترا و اجزاء اخرى تابعه للامبراطورية الرومانية و الباقي ممزق بين ملكية و اقطاعية تتظاهر بالخضوع للملك دون أثر حقيقى
و كعادة هذا العصر ترك التطور الاقتصادى و تقليل اهمية النقابات اثر ادى الى ثورات عمالية و فلاحية مقموعة بمزيج متكرر من السلطة الدينية و الزمنية مثل فقد انتفض عام 1300 فلاحون فقراء، عرفوا في التاريخ بالرعاة، واصطخبوا في المدن أخذوا يجمعون في انتفاضتهم العمال الكادحين المتمردين. وساروا جنوباً، يتزعمهم راهب ثائر، وأغلبهم حفاة عراة من السلاح، معلنين أن القدس غايتهم. ودفعهم الجوع إلى انتهاب الدكاكين والحقول، ولما تعرضوا للمقاومة، استطاعوا أن يحصلوا على الأسلحة، ويؤلفوا جيشاً. حتى إذا بلغوا باريس حطموا أبواب السجن، وهزموا قوات الملك. فحبس فيليب الرابع نفسه في اللوفر، وانسحب النبلاء إلى معقلهم، وجبن التجار في دورهم. وواصل الحشد سيره، وزاد عدد أفراده بانضمام المعدمين في العاصمة إليهم، حتى بلغوا أربعين ألفاً من الرجال والنساء ومن الأوباش والأتقياء. وذبحوا فردن وأوخ وتولز جميع من وقع في أيديهم من اليهود. ولما تجمعوا في ايجوز مورت، على البحر الأبيض المتوسط، أحدق بهم عمدة كاركاسون بقواته، وقطع عنهم المؤن، ولبث كذلك حتى مات جميع الثوار من الجوع أو الوباء، وشنق القليلين الذين بقوا منهم.
فهل كان مطالبة ادوارد الثالث ملك انجلترا بحقه فى عرش فرنسا هو السبب الرئيسى لحرب المئة عام؟ نجيب بنعم لكننا نعتقد ان الحرب كانت وشيكة لاسباب سياسية و اجتماعية فالسبب كان رئيسي لكنه ابدا ليس الوحيد , و قصة حرب المئة عام ممتعة و طويلة فى حد ذاتها و هى تدهش فى طولها و عنفها القارئ المعاصر خاصة انه لا يصدق ان كل تلك الدماء و الاموال من اجل ورث زال اجله
و القراءة عن حال فرنسا و اهلها اثناء الحرب مؤلمة حين نتصور مدينة النور محطمة مليئة باليأس و الشر و الجوع وفشا اللواط، وشاعت الدعارة، وكاد المجون يصبح عاماً. ودعت فرقة "الآدميين" في القرن الرابع عشر، إلى مذهب العري، وظلت تمارسه علناً إلى أن منعته محاكم التفتيش.
و فى تلك الزخام تظهر العذراء الصغيرة المحاربة و المعذبة جان دارك فى قصة تبدو درامية اكثر منها عسكرية و هنا يذكرنا ديورانت برأيه المعروف بان يجب علينا ألا نبالغ في الأهمية الحربية لجان دراك، وربما كان في استطاعة دينوا ولاهير، أن ينقذا أورليان بدونها، فإن خططهما في الهجوم المتهور أحرزت النصر في بعض الوقائع والهزيمة في الأخرى، وكانت إنجلترا تحس تكاليف حرب المائة عام
و بالمغامرة الفرنسية فى ايطاليا تظهر سمات هذا العصر التى حظت فيه روما بمجد الترف بينما انشغل الجميع عنها بالتحضير للمستقبل و التطور التجارى و التقلبات السياسية
***********************
ما الذي وضع نهاية للعصور الوسطى؟ أسباب كثيرة أخذت تعمل حلال ثلاثة قرون: فشل الحروب الصليبية، وزيادة معرفة أوربا الناهضة بالإسلام، والاستيلاء على القسطنطينية، وبعث الثقافة الكلاسية الوثنية، وانتشار التجارة بفضل رحلات أسطول هنري الملاح وكلولمبس وفاسكو دا جاما، ونشأة الطبقة التجارية التي مولت مركزية الحكومة الملكية، وتقدم الدولة القومية، متحدية سلطة الباباوات التي تعلو على القومية، وثورة لوثر الموفقة في وجه البابوية، والطباعة.
و بجوتنبرج انفتح الباب الذى تمنت الكنيسة طويلا ان تغلقه ... و صارت الكتب جميعا و من ضمنها الكتاب المقدس فى يد الجميع ان ارادوا و لم تعد الاديرة سجون للكتب بعد الان , و كأن العالم يتهيأ لثورة لوثر الدينية
دينا نبيل
نوفمبر 2015
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....