الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

حكايات عن اساءة الفهم تأليف: امبرتو ايكو

اسم الكتاب: حكايات عن اساءة الفهم
تأليف: امبرتو ايكو
ترجمة: ياسر شعبان
عدد الصفحات: 113 صفحة
اصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة
التقييم : 5/4

الكتاب هو 3 محاضرات القاها ايكو بالانجليزية على طلبة الاكاديمية الايطالية بامريكا تتناول 3 مواضيع شيقة و فلسفية يتناولها ايكو -على غير عادته ابدا- بالتبسط و التنقل السريع السلس و بجمل قصيرة مركزة تهدف اولا الى الشرح ... و نحن ها هنا نتقمص دور المستمع للمحاضر العظيم يعلمنا عن اللغة , العلاقات بين الثقافات , و العلاقة المعقدة بين القارئ و الكاتب و النص

و نحن تماما كمترجم الكتاب نتعجب من خفة و وضوح ايكو و تحليله و نتمنى ان تكون تلك البداية لتجاوز حالة الرهبة التى تنتاب قارئ ايكو لكثرة ما اشيع عنه من صعوبة و غموض و نخبوية

و ايكو هنا رغم المامه -الدائم- بالتاريخ و الفلسفة و تنقله الرشيق بين المصدر و الاخر الا اننا نلاحظ تبسط متناقض مع اعماله الكبرى خاصة "بندول فوكو" التى مر على حولين و لم اصل الى صفحتها الاخيرة قط
*************
المحاضرة/المقال الاول عن "اللغة المثالية" او بالاحرى حلم و اسطورة اللغة المثالية الانسانية العامة التى حلم بها الفلاسفة و المفكرين و لم تخطر ببال الانسان العادى ابدا و هو حلم شرع الانسان فى تحقيقه مرارا و فشل فى ذلك كعادته مع الاحلام الخيالية

يقدم العهد القديم حل عبرانى بسيط -كعادة الاديان- لمعضلة التشتت اللغوى بقصة بابل الشهيرة , و هنا يفترض الجميع ان العبرانية كانت اللغة الام و يبذل الجميع المجهود لايجاد الاصل العبرى فى كل كلمة من كل لغه و هو على العموم ان لم يجد فبعض من "لى ذراع الحقائق" كافى لاثبات ما وضعه المفكر فى ذهنه من الاصل

و الامر عند ايكو تعدى البحث البحث عن لسانى مثالى للبحث فى خيبات المشروع الكبير

و البحث عن لغة مثالية تدفعنا دفعا الى السؤال الاقدم عن ماهية اللغة ذاتها و عن اذا كان الكل موجود تحت التسمية من الاصل؟ او ان الاصل مستعصى على التصنيف و الاسماء؟ و هنا لا نود ان ندخل الى فلسفة ابلار و مشكلته اللاهوتية القديمة الا بقدر ما يسعفنا ان نصل الى هدفنا

المدخل التوراتى فى قصة الخلق ان ادم هو من اختار اسماء حيوانات الكون تبع لسفر التكوين "و جبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية و كل طيور السماء فاحضرها الى ادم ماذا يدعوها, و كل ما دعا به ادم ذات نفس حيه فهو اسمها" ...و هو مختلف كثيرا فى الواقع مع الرواية الاسلامية للامر ان الاله الرب هو من علم ادم تلك المسميات..و ان كان ادم منح الاشياء اسمها او تعلمها جميعا فما هى الفترة التى استغرقها هذا فى جنة عدم؟...و هنا تفرض جبرية اوغسطيوس نفسها على تفكيرنا فى نموذج التصميم الذكى الذى يحمل كل شئ فيه علامة عليه اسمه و تجعل من تطور اللغه و تشتت اللسانيات اشبه ما يكون بخطيئة و مخالفة لادارة عليا و ان الشتات كتب علينا , و عموما فاصحاب تلك المدرسة لا يرون فى الحياة نفسها الا عقاب من الاله الغاضب

و لوجود حلم "اللغة العالمية الموحدة" او غريزة الانسان هو تفضيل الاشياء على بعضها ظل المفكرين فى عراك نسميه بالسخيف فى الاشارة الى تلك اللغة او تلك على انها الاهم... فنجد دانتى يشيد بالعبرية بانها اللغة الاهم لكنه كتبها باللاتينية و رفع الايطالية اللغة المحلية فى وقتها الى ذروة المجد حين خلدها بكوميديته الالهية , ولا نرى لغة الا و شرح اهلها لما هى الاهم و مركز الكون فالتوسكانية عند جيوفانى نانى هى اصل العالم لانها لغه "اتروريا" التى شادها نوح , و الهولندية عند بكانكس هى اهم لغة فى العالم لانها تحوى اكبر عدد ممكن من الكلمات احادية المقطع , و الحوار فى الجنة عند اندرياس كيمب عندما يتحدث الله السويدية و ادم الدانمركية بينما الحية فتغوى حواء بالفرنسية الفصيحة , و الالمانية عند هاردسرفر هى اكثر لغة معبره عن الطبيعة و اصواتها , و هيدجر لا يرى لغه تحوى معانى الفلسفة الا الاغريقية و الالمانية , و انتوتى دى ريفارول يتعجب عن بحثنا عن لغه عالمية و الفرنسية على وجه الارض من الاصل,و الهيلوغرافية عند كيرشر ادم و ليس موسى فقط, و الصينية عند جون ويب هى لغة نوح بالضرورة و هى التطور الطبيعى لعبرية ادم

و لن نتحدث عن الادلة التى يسوقها المسلمون فى فضل اللغة العربية من جانب لان ايكو لم يذكرها الا فى اقتباس على لسان ابن حزم و من جانب الاخر لاننا يحزننا ان مفكرين يومنا يستعيرون افكار علماء العصور الوسطى الاوروبين فى الوقت الذى يخبرنا فيه ابن حزم: "جعل الله القران فى كلمات عربية ليتمكن الناس الذى اختارهم لينزله عليهم ان يفهموه و ليس لان اللغه العربية لها ما يميزها و يمنحها سبقا خاص ففى اى لغه يستطيع الناس اكتشاف الروح , التنفس, العطر, و اثار اللسان الاصلى متعدد اللغات"

ربما لم يقدر ادم السلطة التى وقعت فى يديه لكننا ايضا لم نقدر المسؤولية التى حملتها اكتافنا
***********
المحاضرة التالية التى جلسنا مستمتعين امام حديث ايكو الخلاب كانت عن اساء الفهم بين ماركو بولو الى ليبنتز

و هو مقال مكثف ممتع عن دور القناعات المسبقة فى الاكتشافات الحديثة و هى تطبيق عملى ان من يبحث عن شئ يجده , حين يرى ماركو بولو القادم من اساطير ايطاليا العصور الوسطى و يرى وحيد القرن فى الصين لا يرى فيه الا تجسيد لاسطورة احادى القرن الشهيرة عن حيوان نادر يحمل جسم فرس و ذيل اسد و قرن واحد فى وسط رأسه و هنا يبدى بولو اسفه ان ما رأه لم يكن بهذا الجمال الاسطورى ابدا , و كيرشر يعشق اللغة المصرية القديمة فيراها قمة السحر و الاشارات الغامضة فنراه يخلق هالة مقدسة حول كل حرف و كلمة ادت الى تفسير صائب احيانا و خطأ غالبا و بخلق الجو القبلانى/الصوفى حول الالفاظ و اللغه اصبحت بيئة مهيئة للمفكر بطرح افكاره هو و ان كان عن طريق لا وعيه

و بتلك الطريقة و غيرها اصبحت اعادة القراءة معين لا ينضب من الاكتشافات و نسقط مجهودنا الشخصى على النص القديم من فرط اعجابنا فنضيف الي النص ثم نصرح بروعته , و ربما لم يذكر ايكو هذا المثال لكنى ارى تشابه بين ذاك و بين ما فعله الكتاب الانسانيون فى عصر النهضة حين فخموا من الاعمال اللاتينية -حتى تلك التى لم تكن ذات قيمة فى عصرها- و اضافوا لتلك المجهود العقلى عبر الف عام من العصور الوسطى

و حين اعاد العالم اكتشاف الصين العظيمه التى انغلقت كثيرا و فاجئت الجميع بتطورها و ثباتها فكان هناك نظريتين لهذا الحدث , الاول عندما تسيطر الروح الدينية على العصر او المفكر المعاصر فلم يرى فى الصين الا بلد تأثر بالروحانية الفرعونية القديمة التى اعتبرها مفكرين ذلك العصر الاب الشرعى للعقيدة المسيحية فاشمئزوا من لغتها الصورية التى لا تهدف الا للتصوير فالشمس فى تلك اللغة لا تعنى الاله او خالق الاكوان بل مجرد شمس , و مركز للتبشير لعودتها الى حظريتها الروحية المسيحية ...و الاخرى حين سيطرت روح العقلانية على يد روسو و ديدرو و غيرهم الى الرفع من شأن العلمانية الصينية الشهيرة و الاقلال من المصرية

و الصين ظلت هى الصين و الثقافة المصرية ظلت مصرية لكن زاوية الرواية و اضافات الرائى على الرؤية تغير كل شئ
*************
و فقط فى المقال التالت نجد ايكو يرجع ل ايكو مؤلف اسم الوردة و بندول فوكو كروائى بالدرجة الاولى و هو المقال الاكثر متعة و الاقل فائدة بين الثلاثة

و فيه يتشعب ايكو فى الحديث عن العلاقة العجيبة بين القارئ و الكاتب و النص و بيان الفروقات المهمة بين القارئ النموذجى و القارئ التجريبى و ضرورة الا يفسر المؤلف اعماله او يسخف تفسيراتها و فيها يروى نوادر و قصص حول اعماله الكبرى وقت كتابتها و ما وجده من تفسيرات النقاد و القراء لقصصه

و عموما نشارك فى نصيحتنا للقاص و القارئ الا يتشعب فى تقديم تفسيرات فالنص سيظل النص المتحدث الاول عن نفسه

دينا نبيل
يوليو 2015

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....