اسم الكتاب: الستارة
تأليف: ميلان كونديرا
ترجمة: معن عاقل
عدد الصفحات: ١٧٨ صفحة
اصدارات المركز الثقافي العربي
التقييم: ٥/٥
الرواية هى الانسان بكل ما فيه من عيوب و جبن و مثالية مؤقته و خذلان و هواجس و تألق البطولة مخلوطة بالنثر الذى يكشف الجمال المنسي ... تكشف الجمال في الصغائر و التفاصيل و العاديات ، وحدها الرواية تكتنف القارئ و تتقبل عيوبه و عيوب جنسه بينما نتصاغر و نتقزم امام الملحمات بكل جبروتها و ابطالها الذين لا يأتيهم الباطل ابدا و لا يشكون اطلاقا من ألم الاسنان المؤرق
وحده فن الرواية يمنح المجد للهزيمة المحتومة التى اطلقناها اسم الحياة ... و ربما لهذا فقط ولدت الرواية من الاصل
يتنقل كونديرا بخفة الفراشة بين الرواية و الاخرى مدققا في مشاهد بعينها و هو يتطلب -كعادته- قارئ نابه واسع الاطلاع و في المقابل يمنحنا عدد ممتع من الترشيات للادب الكلاسيكى
لكننا لا نقرأ عن فن الرواية بقلم ناقد عادى او استاذ محاضر في مدارس الادب بل بقلم ميلان كونديرا ذاته الذي دوخنا في متاهات قصصه كثيرا و من يمتلك عين ثاقبه تلمح اصغر التفاصيل و صاحب التفسيرات التى ادهشتنا مرارا
لذا نستمتع عندما نراه يتحدث عن دستوفسيكى و مهاراته في تكثيف المفاجئ للحياة ، او كيف اضاف فلوبير الي فن الرواية سيطرة التافهيين علي الحدث و قدرة الانسان البسيط و الثرثار او الجاهل بحجم الموقف علي اضافه ظله الواضح علي اى مشهد درامى و بذلك ربما انفصل المسرح عن الرواية للاب ، او كيف انتصر تولستوى للعفوية في قلب المأساة و منح الموت بهاء و تطورت به الدراما من قالب سوفوكليس ، كيف ان كل عمر يقتنص مدينه في لحظة لن تعود مهما حاولنا كأنها صورة نلتقطها من الزمن بمشاعر اهلها و افكارهم و ملابسهم و احزانهم ، كيف انها تأريخ بلا تاريخ و مؤرخين، يشرح لنا ببساطة كيف صارت تفاصيل جميس جويس المشبعه بالعادية اوديسا جديدة ، و كيف ان كافكا في "القصر" انشأ من دواوين الشكاوى و الموظفين و العمده العاجز الياذة حديثة كاملة التكوين
يرى كونديرا و نرى معه ان الرسم و الموسيقى عاشوا قرون في خدمة الكنيسة دون ان ينقص ذلك من جمالهم شئ ، لكن ما ان ينزلق فن الرواية الحديث نسبيا الي المدح و الذم لحساب دين او عقيدة او نظام سياسي حتى يفقد بريقه و يذكرنا علي الفور بالمنشورات منزوعة الروح للمؤسسات النظامية للشيوعية ، تختلف الفنون و ابوابها و الرواية تفسد عندما تبعد عن الواقع وىالتلقائية و يشوبها التلقين ... الرواية التى لا تنقل الواقع منافية لاخلاق الفن الذي نشأ للتعبير عن الانسان الحقيقى ، و تقديم امثوله اخلاقية ليست فنا مدام خرجت عن عباءة تصرفات البشر
و يثير استاذنا ميلان معضلة هامة و رأي مغاير للردود الكلاسيكية للقراء ، الرواية هى الفن الاهم العابر للغات لخلوه من النثر الشعرى المستحيل نقله من لغه لاخرى ... فوجود ترجمة امينة للرواية صعب لكنه ليس مستحيل ، و بسبب ذلك كان كافكا و ديدرو و بيكيت و فوكنر جزء من عقولنا دائما رغم اننا ابدا لم نتعلم لغتهم الاصلية
و بعد فماذا سيحدث عندما ينتهى عصر الروايات؟ ربما السؤال سوداوى قليلا و يذكرنا بنموذج ٤٥١ فهرناهيت عندما تفرغت زوجة البطل للتلفاز ثلاثي الحوائط الذي يذيع مسلسل العائلة ... لكن ان فكرنا فيه كسؤال فعلي فالنتجة ان بعض الاعمال ستختفي للابد ، عوليس جيميس جويس مثلا ان تحولت لعمل تليفزيونى بعد تنحى كل افكارها الداخليه و ملاحظتها الذكية ستكون عمل شديد الملل قليل القيمة الفنية ، و "جاك المؤمن يالقدر" التى سحرنا بها ديدرو في تقلبات حكاياه و تبادل قصصها و سخريته من كل شئ ستتحول لعمل هزلي لا يملك عشر جماله الاصلي .... ربما سينجو دوستوفيسكى او كافكا لكن بعد تفكك العمل الي "احداث مرئية" ستقتل روحها بالتاكيد
كونديرا يكتب اقاصيص متفرقة و هى رغم ترتيبها تبدو فوضوية و هو يذكر دون كيشوت عشرات المرات دون ان يكترث ان يجمع الحديث عنها في موضع واحد ، يتطلب قارئ نابه و واسع الاطلاع لكنه في المقابل يمنحك مقايل مجهودك معه درة اخرى من الحديث عن الروايات و الذكريات و النظريات و كثير من وجهات النظر المبتكرة ستجعل قراءتك القادمة للروايات -خاصه الكلاسيكية- تجربه شديدة الاختلاف عن المعتاد
دينا نبيل
اغسطس ٢٠١٥
تأليف: ميلان كونديرا
ترجمة: معن عاقل
عدد الصفحات: ١٧٨ صفحة
اصدارات المركز الثقافي العربي
التقييم: ٥/٥
الرواية هى الانسان بكل ما فيه من عيوب و جبن و مثالية مؤقته و خذلان و هواجس و تألق البطولة مخلوطة بالنثر الذى يكشف الجمال المنسي ... تكشف الجمال في الصغائر و التفاصيل و العاديات ، وحدها الرواية تكتنف القارئ و تتقبل عيوبه و عيوب جنسه بينما نتصاغر و نتقزم امام الملحمات بكل جبروتها و ابطالها الذين لا يأتيهم الباطل ابدا و لا يشكون اطلاقا من ألم الاسنان المؤرق
وحده فن الرواية يمنح المجد للهزيمة المحتومة التى اطلقناها اسم الحياة ... و ربما لهذا فقط ولدت الرواية من الاصل
يتنقل كونديرا بخفة الفراشة بين الرواية و الاخرى مدققا في مشاهد بعينها و هو يتطلب -كعادته- قارئ نابه واسع الاطلاع و في المقابل يمنحنا عدد ممتع من الترشيات للادب الكلاسيكى
لكننا لا نقرأ عن فن الرواية بقلم ناقد عادى او استاذ محاضر في مدارس الادب بل بقلم ميلان كونديرا ذاته الذي دوخنا في متاهات قصصه كثيرا و من يمتلك عين ثاقبه تلمح اصغر التفاصيل و صاحب التفسيرات التى ادهشتنا مرارا
لذا نستمتع عندما نراه يتحدث عن دستوفسيكى و مهاراته في تكثيف المفاجئ للحياة ، او كيف اضاف فلوبير الي فن الرواية سيطرة التافهيين علي الحدث و قدرة الانسان البسيط و الثرثار او الجاهل بحجم الموقف علي اضافه ظله الواضح علي اى مشهد درامى و بذلك ربما انفصل المسرح عن الرواية للاب ، او كيف انتصر تولستوى للعفوية في قلب المأساة و منح الموت بهاء و تطورت به الدراما من قالب سوفوكليس ، كيف ان كل عمر يقتنص مدينه في لحظة لن تعود مهما حاولنا كأنها صورة نلتقطها من الزمن بمشاعر اهلها و افكارهم و ملابسهم و احزانهم ، كيف انها تأريخ بلا تاريخ و مؤرخين، يشرح لنا ببساطة كيف صارت تفاصيل جميس جويس المشبعه بالعادية اوديسا جديدة ، و كيف ان كافكا في "القصر" انشأ من دواوين الشكاوى و الموظفين و العمده العاجز الياذة حديثة كاملة التكوين
يرى كونديرا و نرى معه ان الرسم و الموسيقى عاشوا قرون في خدمة الكنيسة دون ان ينقص ذلك من جمالهم شئ ، لكن ما ان ينزلق فن الرواية الحديث نسبيا الي المدح و الذم لحساب دين او عقيدة او نظام سياسي حتى يفقد بريقه و يذكرنا علي الفور بالمنشورات منزوعة الروح للمؤسسات النظامية للشيوعية ، تختلف الفنون و ابوابها و الرواية تفسد عندما تبعد عن الواقع وىالتلقائية و يشوبها التلقين ... الرواية التى لا تنقل الواقع منافية لاخلاق الفن الذي نشأ للتعبير عن الانسان الحقيقى ، و تقديم امثوله اخلاقية ليست فنا مدام خرجت عن عباءة تصرفات البشر
و يثير استاذنا ميلان معضلة هامة و رأي مغاير للردود الكلاسيكية للقراء ، الرواية هى الفن الاهم العابر للغات لخلوه من النثر الشعرى المستحيل نقله من لغه لاخرى ... فوجود ترجمة امينة للرواية صعب لكنه ليس مستحيل ، و بسبب ذلك كان كافكا و ديدرو و بيكيت و فوكنر جزء من عقولنا دائما رغم اننا ابدا لم نتعلم لغتهم الاصلية
و بعد فماذا سيحدث عندما ينتهى عصر الروايات؟ ربما السؤال سوداوى قليلا و يذكرنا بنموذج ٤٥١ فهرناهيت عندما تفرغت زوجة البطل للتلفاز ثلاثي الحوائط الذي يذيع مسلسل العائلة ... لكن ان فكرنا فيه كسؤال فعلي فالنتجة ان بعض الاعمال ستختفي للابد ، عوليس جيميس جويس مثلا ان تحولت لعمل تليفزيونى بعد تنحى كل افكارها الداخليه و ملاحظتها الذكية ستكون عمل شديد الملل قليل القيمة الفنية ، و "جاك المؤمن يالقدر" التى سحرنا بها ديدرو في تقلبات حكاياه و تبادل قصصها و سخريته من كل شئ ستتحول لعمل هزلي لا يملك عشر جماله الاصلي .... ربما سينجو دوستوفيسكى او كافكا لكن بعد تفكك العمل الي "احداث مرئية" ستقتل روحها بالتاكيد
كونديرا يكتب اقاصيص متفرقة و هى رغم ترتيبها تبدو فوضوية و هو يذكر دون كيشوت عشرات المرات دون ان يكترث ان يجمع الحديث عنها في موضع واحد ، يتطلب قارئ نابه و واسع الاطلاع لكنه في المقابل يمنحك مقايل مجهودك معه درة اخرى من الحديث عن الروايات و الذكريات و النظريات و كثير من وجهات النظر المبتكرة ستجعل قراءتك القادمة للروايات -خاصه الكلاسيكية- تجربه شديدة الاختلاف عن المعتاد
دينا نبيل
اغسطس ٢٠١٥
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....