الثلاثاء، 23 يونيو 2015

سدنة هياكل الوهم ل دكتور عبد الرزاق عيد

اسم الكتاب: سدنة هياكل الوهم:نقد العقل الفقهى ,البوطى نموذجا
تأليف: دكتور عبد الرزاق عيد
عدد الصفحات: 185 صفحة
اصدارات: دار الطليعة
التقييم: 5/4

فى منهج ينعش الذاكرة و الذهن مشابه لطريقة تفكير اساتذنا "جورج طرابيشى" يقدم لنا الدكتور عبد الرازق عيد كتاب دسم يحاول هدم هياكل الوهم و رغم ان رأى دكتورنا فى طرابيشى موقف سلبى و هو اميل الى الجابرى صاحب النقد الاول لا جورج صاحب نقد النقد لكن ذلك لا يهمنا كثيرا على الاقل هنا... و ان كان العنوان يشير الى الشيخ "البوطى" لنموذج فقهى فذلك لا يمنع القارئ غير المتبحر او حتى غير العالم لذلك الشيخ بحكم المحلية ان يستمتع بالنقد المنظم المؤلدج من مفكر قدير

قد يبدو ان الحديث عن "فقهاء السلطان" قد اصبح معتاد او مستهلك , لكن واقعنا العربى و الاسلامى يحتم ان نعيد فتح مواضيعنا القديمة خاصة عندما تكون بيد مفكر باحث منظم ... شيوخنا الذين يخفون الدنيا براء دموع التقوى على شاشات التلفاز و امام سيدات البيوت قبيل العشاء ولا يملوا من تكرار و انعاش ما يتداوله الوعى الثقافى الاسلامى العامى من معلومات و قصص تلقاها منذ الطفولة فى ساحة المسجد و مقاعد المدرسة و يكرس كل مجهوده و ساعاته التليفزيونية و حتى ساعات خطبة الجمعة الغالية التى "يجبر" الشرع فيها المستمع على الانصات فى نفس القصص المستلهكة

و ان كان شيوخ عصرنا يرددون اسماء ماركس و هيجل و فرويد و يدحضوا افكارهم فهم تجسيد لوهم الحداثه ان نظرنا ان الامر و ان كان يحمل اسماء جديدة ما هو الا ترديد لنفس الافكار التى انتصرت للنقل على العقل من الف عام .. فتتغير اسماء "المتهمين" ولا تتغير الطريقة ولا راحة العقل فى ظل ركود النقل

و المؤلف مدرك للألم الذى سيحيق بعقل قارئه حين "يلامس حيزات النص الفقهى بسبب بشريته المغلقة بالمقدس الالهى" و يحاول تهيئة قارئه معه لرحلة طويلة مؤلمة لكن مهمة تغير كثير من القناعات خاصة للقارئ غير المعتاد على كتب التنوير

و يجعل الكاتب مهمته ان للوصول الى العقل الجمعى الذى صاغت وعيه خطب الجمعة الممهورة بختم السلطان و بنت عقله كتب فقهاء و وعاظ سلاطين الزمان و وجهت فكره خطاب مقيد برقيب سياسى و اجتماعى من الف عام

و السؤال الذى يثيره الفصل الاول فى تفكيرى هو اذا كان شيوخنا يجيبوا اجابات مغلوطة عندما نسألهم عن العلم , اهو خطأ الشيوخ ممن اعتقدوا انهم تملكوا الحق المطلق ام خطأنا نحن من اثارنا السلامة دائما و بحثنا عن نهضتنا و مستقبلنا و علمنا فى كتب قديمة مثقلة بالغبار و بعقول شيوخنا التى لا تقل عنها غبارا؟

نعم عشق شيوخنا ان يخبرونا عن اهمية العلم و التفكير و الاصرار انه واجب شرعى لكن نفس الشيوخ يضعون الشروط التعجيزية الكافية لتفريغ ذلك التفكير من محتواه تماما ...فليخص شيوخنا العلم بمبدأ : ان كنت ناقلا فالصحة و ان كنت مدعيا فالدليل

فتساق فنونا طويلة محيرة فى بيان مصطلح الحديث و الجرح و التعديل و تراجم الرجال و بيان الضعيف من القوى من المثبت فى السنة و بين الاجماع فى الفقة فينتقل حديثنا عن المستقبل لحديث اخر باهت و مكرر من البحث عن "الماضى" الاثبت

هكذا يكون العلم و البحث العلمى عن الحقيقة انما هو بحث عن حقيقة منجزة و اكتشفها السلف و سلف السلف و يتبقى لنا -فقط- ان نبحث فيما قيل و تواتر عن الذكرى و التذكير لا الفكر و التفكير ... فنعفى العقل من اسئلة الرأى و المغامرة فى مجاهل المغيوب و الاكتفاء بسطور مسطورة فقط نرددها الى ان نحفظها ولا مانع من نقل محتواها بقليل من التحوير فنضيف لها عناوين جديدة و ندعى لها الاصالة و الاضافة الى المحتوى

بعدها يطوف بنا المؤلف عبر كتب التراث لنبحث عن "التواتر" المزعوم الذى يبعث بالحقيقة المطلقة فى الاحاديث و الفتاوى فنرى اختلاف بين مؤرخين المسلمين عن اليوم الذى مات فيه النبى فى اى شهر و اى سنة حتى ,و نرى روايتين متضادتين عن ابن عباس-تتحقق فى كلاهما من الزاوية النظرية الصحة الاولى بحكم تواترها و الاخرى باتصال نسبها و سندها- الاولى تخبرنا ان النبى توفى عن سن ستون عام و الاخرى عن سن ثلاثة و ستون , و يمتد الامر الى فعل "جلل" مؤثر فى المسلمين و خلافهم هو فتح مكة فنرى خلافا و اختلاف...و يتساءل دكتور عبد الرزاق ونتسأل معه عن خطب النبى فى كل جمعة فى مدينته المنورة التى لم يصلنا منها سوى الاخيرة منهافى الحج و كم التناقض فى روايتها مروع و ليرجع من شاء الى كتاب جورج طرابيشى الاهم "النشأة المستأنفة" رغم وجود عدد ضخم من المصليين و بحث الرواة المتأخرين عن الاحاديث القصيرة المتدوالة فقط بين جلسات الصحابة

و العقل الفقهى يقف بالمرصاد لاى اصلاح او تجديد اساليب البحث و الفهم فيرد فورا و ربما بعنف فكرى حينا و جسديا احيانا المفكر و التفكير الى عالم البرزخ و السديم و عذاب القبر فينفرد بتفسير الغائب و يحجر على الاخريين التفكير فيه , و العقل ذلك المؤمن المطمئن بيقينه هو عقل سلطوى بامتياز يستند الى سلطة الغائب يحتكره فيؤدى الى تكوين حاكم طاغى و معارضة ظالمة

ففى الحالة الاولى ينتج فقيه سلطانيا لا يتوانى حتى على "تطويع" القرآن و الاضافة الى السنة لتحقيق هدف دنيوى ضيق و تاريخنا يمتلئ بامثلة يضيق بها حديثنا و يكفينا ان الباحث فى كتب التراث سيجد احاديث نبوية و تفسيرات قرآنية لحكم بنى امية و عباس و العثمانيين و كل من يدفع ...و فى الثانية يكون معارض ثورى سلطوى و لكن فى المعسكر المقابل فيكون من الخوارج الذين لا يستعظمون سبى السيدة عائشة نفسها ان حاربت على , فيمتلك نفس المقومات التى تمكنه باستباحة المجتمع كله باسم الحاكمية الالهية

و ابمتلاكهم لسلاح صكوك الغفران و اراض الجنة لمن يشاؤون و مالكين لمفاتيح الفردوس سيذبحون -ضمنيا حينا و فعليا احيانا- من فى المعسكر المقابل اى كانوا

و هم حين يعلنوا الحرب و المعركة ليسوا بقواهم الذاتية انما يحتمون بالتراث يخوض لهم حروبهم بسبب تأصله ك تدين راسخ فى نفوس الملايين عبر القرون فيتولى المواجهة بدلا عن شيوخنا المنعمين راكنين الى فقة القدماء , لا نعدل الا ما عدلة الفقهاء الاقدمون و استقروا على جرحه و تعديله ...كل ذلك لنتقبل باكثر من خمسة الاف حديث يرسمون حياتنا دون ان نعمل عقولنا او عقول شيوخ فضائيتنا قدر حبة من الخردل

و شيوخ كل ذلك التيار يرى فى التيار المتنور من محمد عبده الى شلتوت الى طه حسين الى العقاد -فقط- كمؤامرة اجنبية و يستخدموا كالعادة سلاح التكفير و الخروج عن الدين و هل يمتلك هؤلاء غيره؟!
*************
و الكتاب المقسم الى ثلاثة اقسام لا يقل احداها عن الاخرى صدما للافكار و تجديد لها , فان كان الاول عن المنهج العلمى للبحث عن الحقيقة عند علماء الاسلام ... يشككنا فى قدرة حاضرنا على التعامل مع تحديات عصرنا , فالاجزاء اللاحقة تجبرنا على دخول احراش الماضى الصعبه

عنوان الفصل الثانى "ابن عباس" و قد يبدو فصل تقليدى عن سيرة الرجل الذى مول شق غير يسير من السيرة النبوية و الاحاديث كانت من الكثرة ان تعاملت تعامل فقهى مختلف و اسس لها فتوى خصيصا بجواز اخد الاحاديث عن الاطفال لان ابن عباس لم يكد يبلغ الحلم وقت حياة النبى ... و بتجاوز عدد ضخم من احاديث الدعاء له و المدح فيه و ان كان طفلا و طبعا التنبوء بعظيم المستقبل و هى بطبعها احاديث تمتلأ بها كتب تراثنا لنصف شخصيات التاريخ الاسلامى

و لن نتوقف ايضا تنقله بين الاحزاب الهاشمية و العلوية و الاموية فى حياته و ما سيتأسس له من مكانة لاحقة فى حياة العباسيين , عن الصفحات الكثيرة التى رغب فيها عبد الرازق فى بيان خلاف ابن عباس من جهه و عمر بن الخطاب الذى لسبب ما سيكون فى وضع الضعف فى اغلب ما روى عن ابن عباس , و ربما لن نتوقف طويلا عن حادثة "اختلاس" اموال بيت المال الشهيرة التى اتهمه فيها على بن طالب ابن عمومته لكثرة ما قيل فيها و لشهرتها لكننا نفكر قليلا عن سبب تجاوز علم الجرح و التعديل عنها ....لكن ما يثيرنا فكريا فعلا هو دور ابن عباس كمؤسس حقيقى للميثودلوجى فى التفكير الاسلامى و باعتباره واضح حجر اساس الخارق و العجائبى الذى ستهتدى به الامة من بعده

تمتاز روايات ابن عباس و تفسيراته بالبعد الاسطورى للاشياء , و سنتهدى هنا بافكار ابن خلدون صاحب العقل النقدر النادر فى الاسلام و القرون الوسطى عموما الذى سيربط بين افكار ابن عباس العجائبية و بين افكار كعب الاحبار فنرى حركة تعريب و أسلمة لتراث اليهودية الخصب بالغرائب و ادخاله على مهل الى التراث الاسلامى و للاسف الصاقه باصول الدين

و هو حين يحدثنا عن خلق الشمس و القمر فيحدثنا ان كلاهما على عجلتين لكل عجلة ثلاث مئة و ستون عروة يجرها بعددها من الملائكة و انهما يسقطان عن العجلتين فيغوصان فى بحر بين السماء و الارض فيكون الكسوف ثم يخرجها الملائكة من ذلك البحر فيكون نهاية الكسوف... و هو حين يحدثنا عن ادم و حواء يضع كاهل "الكتاب"كل المسؤولية الاخلاقية على عنق حواء ولا مانع من اضافه ان حواء اسقت ادم خمرا لتغويه..و حين يفسر ايات المطر يجزم ان مع كل قطرة من المطر ملاك يسير معها و يسلمها للارض لتنبت و ان مطر قادم من بحر السماء و يحدثنا عن الازمنة التى كانت تمطر فيها سمك و ضفادع من ذلك البحر ...و حين يكون موضع الحديث الرعد فيكون فعل ملاك يسوق السحاب بمقلاع من الفضة...و اذا اجتمع اهل التفسير ان "قل اعوذ برب الفلق" اى نستعيذ بمن افلق الصبح و فيكون تفسير ابن عباس ان الفلق هو سجن فى جهنم و يضيف ابو هريرة انه جب فى جهنم مغطى و يزيد بن كعب حافظ الاسرار التوراتية حسب تعبير ابن خالدون انه بيت فى جهنم اذا فتح صاح اهل النار من حره...و الامثلة اكثر من يحصيها كتاب دكتور عبد الرازق و قطعا يضيق بيه حديثنا هذا

و هنا يجدر الاشارة الى رفض ابن الاثير لكثير من تلك الروايات و منها رواية يأجوج و مأجوج ذاتها وعلاقتها بقيام الساعة ل"منافاتها العقل" و هو عذر نادر فى الادبيات التراثية و شئ جدير بالاهتمام خاصة لعدم شهرة ابن الاثير بعقل نقدى حاد ك ابن خالدون مثلا ...و هو يفعل ذلك دون النظر الى العنعنة او السند و ينظر مباشرة الى المتن فى حدث نادر و مهم , و الاعجب هو رد الشيخ البوطى المعاصر و كثير من معاصريه حين يجزمون اناء الليل و اطراف النهار فى كتيباتهم و امام شاشات التلفاز الفاضية ان الشك فى تلك الافكار كفر بين لا يحتاج لايضاح

فهل كانت السيدة عائشة هى الوسيط العقلى المانع للتدهور فى دوامات الميثادولوجى كما يصر الكاتب و يعدد الادله؟ و هل دورها الفعال و الجرئ فى تصحيح ما تراه خطأ كافى لسد فيضان العجائبية؟ ربما ذلك يحتاج بحثا اطول منا ...و خلاصة الامر ان المؤلف رأى ان موقف الاسراء و المعراج مهم كافية لان يفرد له ثلث الكتاب المتبقى
*************
يميل المؤلف الى الاهتمام بالجانب الروحى و بالروايات النفسية عن حادث الاسراء و يميل الى ان العقل الفقهى بحرفيته و عجزه عن مجاوزة السطح و اعتماد الظاهر فى مسائل الغيب تجنب فهم المعراج بوصفه استعادة مجازية للاسراء نحو الداخل و الاعماق و هتك حجب الملكوت و الجبروت نحو الحضرة الالهية فيكون مدخلنا الى الوجدانية هى الفرادنية لا غيرها

و الحق ان الثلث الاخير هذا من الكتاب هو اكثرهم غرابه و اقلهم امتاعا فى رأيى و هو متسرع فى الحكم على موضوع معقد ك الاسراء و الاثار الميثدولوجية فيه و عوامل الاسرائيليات و ادب الشرق الادنى و اضافات الصوفية فى قرن الاسلام الخامس للقصة و نتمنى ان يهدينا نذير العظمة كتاب اكثر اتقانا للشق المعقد و المحطة الاهم فى خلق غرائبية قصص الاسلام

و يتبقى لنا اخيرا ان نذكر جزء من اسماء ما اورده المؤلف من كتب و مراجع تفيد فى الراغب فى البحث اكثر:

افكار من اجل تحديث النظرة الى الاسلام...محمد سعيد العشماوى
بدائع الزهور .. ابن اياس
الاسلام دين العلم و المدنية ل محمد عبده
الاسراء و المعراج ل ابن عباس
حضارة الاسلام فى القرن الرابع الهجرى ل ادم ميتز
المعراج و الرمز الصوفى ل نذير العظمة

دينا نبيل
يونيو 2015

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....