السبت، 24 أغسطس 2013

حوليات55: دوامات التدين


قليلة هى تلك الكتب التى تشعر باغلاقك لغلافها انك صرت مثقف اكثر...نادر هو ذلك الكتاب الذى يحوى عصير عشرات الكتب و يجعلك كالصبى بين يدى شيخه ليفتح لك ابواب التاريخ لعلك تفهم ألغاز الحاضر المعقدة

اذا ليكون شعار الكتاب هو ببساطة: يوسف زيدان يقرأ لك
****************************
الدُّوَّامة من البحر أَو النهر : وسطه الذي تدوم عليه الأمواج بسرعة وبشدّة ، وهي مستديرة وأَعلاها متسع وأَسفلها ضيق.....و هى حركة لولبيّة لسائل ضمن منطقة محدودة خاصّة كمِّيّة من الماء أو الهواء وتبتلع كلّ ما هو قريب منها نحو المركز ...و هى قوّة مغنطيسيّة تجذب الفرد إليها بقوّة...و فلانٌ يعيش في دوَّامة : تنتابه مشكلات تسبِّب له قلقًا واضطرابًا
****************************
زمان و انا صغيرة يمكن فى سن ال11 كنت بستنى فقرة جمال بدوى على صباح الخير يا مصر و كنت باصحى الصبح مخصوص و استنى غلاسة مذيعات التليفزيون المصرى و جهلهن التام فقط لاصل الى فقرة دكتور جمال ليفتح لى كتب التاريخ و ليقرأ لى و لو مرة لاستقبل المعلومة ملخصة مجهزة ممتعه و تجهزنى انا فيما بعد للبحث بين طيات الكتب الجديدة و اجد عشرات الترشيحات للكتب التالية و ها انا فى تلك السلسلة حتى الان

و دائما يسلمك الكتاب الاول للكتاب التالى فى سلاسة و يسر....و يرجع الفضل لذلك الذى اوصى بالكتاب الاول و اطلعك على صفحات التاريخ التى لا يعلم عنها مدرس تاريخ مدارس الحكومة

حسنا لماذا اتذكر تلك المرحلة الان؟؟ ربما كل شئ او بعض الشئ او اللاشى على الاطلاق...لكن اشعر بدوامات التدين يدخلنى فى جولة جديدة من كتب التاريخ
****************************
هى مقالات مجمعه انا اعلم...و اشكر الله انى لم اقرأها مجزئة و استمتعت بيها دفعه واحدة

عموما لا اعتقد على الاطلاق انه كتاب واحد بل على الاقل 5 كتب ...و انصح به بقوة لمحبى التاريخ عموما و محبى يوسف زيدان خصوصا...لكن تذكر دائما ان الاستاذ احيانا يكون مقنع "زيادة عن اللزوم" فيجب كبح سيل الافتتان و لنحكم نحن و لو مرة...و لكنى اشكره على الاستعانه باكثر من رواية لنفس الحدث قى كثير من الاوقات

و عموما التاريخ يكتبه المنتصرون الا قليلا



يبدأ دكتور يوسف بما اسماه المزيج السكندرى البديع ...وهو ك"عزازيل" يضم مجتمع اسكندرية الممتع من عبادات الوثنية القديمة المستمده من تراثنا الفرعونى طويل الامد و تجاورها المسيحية الوليدة ...و ما يموج فى ذلك المجتمع المتوازن من تجاور ليس فقط للاديان بل و تجاوز بين العلم و الفلسفة و النهضة "ليس الفانكوش" ...فى ظل هذا التجاور نجد ان فى دستور اسكندرية الغير مكتوب ما يفوق من الحريات ما نجده فيما دونت ايدينا لتقييد حريتنا

كما نشاهد ذلك المزيج المصرى فى مسيحية مميزة عن اى دولة فى العالم...و نتتبع ذلك التدهور حين يلعن كل طرف انه الاقوى و الاكثر مما يتيح له  ليس فقط الانفراد بالرأى بل و احتكار الحق له و له فقط

و بين الافلاطونية الجديدة و مدارس فيثاغورث و الهرمسية نستمتع بالرحلة
*****************************

و فى الفصل الثانى كما يقول التقسيم الرسمى او فى الكتاب التانى كما قررت انا ان اسميه يأخذك المؤلف الى قلب اليهودية النابض

اتذكر صدمة أمى حين شاهدتنى اقلب فى "العهد القديم" الذى كنت اشتريته خصيصا...اتذكر تلك الصفرة اللى علت وجهها...كما اتذكر علو ضحكاتى على رد فعلها...لذا قررت الا اخبرها بان يوسف زيدان قد اعطى لى ملخص رائع للتلمود ربما تجنبا ليس فقط لمزيد من الصفرة فى وجهها الناضر بل لتجاوز شرح طويل بين التلمود و العهد القديم

اعتقد ان قله فعلا من قاموا بقراءة التلمود ليس فقط لندرة ترجمته بل لعدم رغبه على ما اعتقد فى فهم الاخر كما ندعى طيله الوقت...و فى هذا الفصل الشيق يلخص لك يوسف زيدان و يشرح لك اعماق هذا الكتاب الغريب على أذهاننا و يعطى لك بعض اللمحات عن اليهودية عموما و تلك العادات التى لم نفهمها قط

لكنى رأيت ايضا وسط عجب العجاب لمحات لدين عادى ينصح بالمعروف و الالتزام و حب الاخر لكن الكارثة هى ندرة تلك اللمحات على ما اعتقد...و عموما اى نص دينى يحمل دائما اشارات للتشدد و اخرى للتسامح و يقف الامر على من يقرأ و يختار
***************************


اما فى "الكتاب" الثالث البديع...فيخفف عندى يوسف زيدان قليلا ما صدمت فيه فى الحاضر و يحضر لنا دواء الماضى ليشهدنا على اننا: لسنا وحدنا

فى فصل خاص يوضح لك يوسف زيدان تاريخ "التكفير" فى التاريخ الاسلامى و العربى...عندما ترى هامات الرجال تنحنى امام عصف الحسبة لتحاسب حتى على افكارك

عندما تسمع البخارى يدعو الله "اللهم انى قد ضاقت على الارض بما رحبت فأقبضنى اليك" و تشاهد موته كمدا على من كفروه و الاذى بالباطل من دهماء الناس...و عندما ترى ان الامام "مسلم" قد لحق بيه يوما...و من قبله محنه ابن حنبل الذى اجتمع عليه فقهاء السلطان ليقضى عمره مريض مذموم من مجتمع جاهل...و لترى عجائب القدر حين يأتى تلاميذ ابن حنبل المظلوم ليقيموا ظلم اخر على شيخ جليل اخر هو الطبرى...ثم تقفز عصور لترى ماذا حاق بطه حسين عميد الادب العربى

لا نتعجب من اضطهاد نصر حامد ابو زيد...و قتل فرج فودة فى عصرنا الحديث

و لا تتعجب حين تضطهد انت نفسك من صديق يتخيل انه يقيم دعائم الاسلام
***********************

نخجل عندما نكتشف ان معلوماتنا عن "الشيعة" لا تزيد قيراط عن معلوماتنا عن اليهود...نكتفى بتكفيرهم او قراءة كتب مشايخ السنه فى الرد عن ما لم نقرأه اصلا

و يفوق جهلنا عن "الاختلافات الفقهية" جهلنا عن تاريخ الشيعة و طوائفهم الذى يمثل جزء ضخم من تاريخ مصر السنية نفسها قبل غيرها

و فى هذا القسم يفتح لى يوسف زيدان باب قديم جديد لاعيد قراءة ما اطلعت عليه فى صغر سنى....لكنى ارشح هذا الفصل بقوة لمن يجهل تاريخ هؤلاء و اقسامهم و يود كتاب يفتح له المجال ليستكشف

فى فصل شديد الامتاع نتجول بين: النيصرية و القرامطة و الاسماعيلية و الاثنى عشرية و اليزيدية و الزيدية و الفاطميين و الحشاشون و المستعلية و الحافظية و النزاريون و الدورز
************************


و يختم يوسف زيدان دوامته بثلاث فصول متتالية عن التصوف و الصوفية او أهل الحب كما ان احب ان ادعوهم...و فيه يروى شذرات عن ذلك العالم الذى يفوق ذهنى بالتأكيد و يحكى لك عن احوال اهل الحب من المشهورين و كتبهم و هو شرح و تكثيف لحلقات "الاولياء" الذى انبهرت به رمضان السابق

و يمد الخط على استقامته ليضم لاهل الحب من يرسم و من عبر بحبه فى الكلمات و من حارب من أجل القضية و من ذاب فى عشق بلا سبب

و هو جزء من كثرة تأثرى به فشلت فى كتابه حرف واحد عنه...فليعذرنى القارئ
**********************
عموما دوامات التدين كتاب ابهرنى و جاء فى موعده الصحيح بلا ادنى شك

و بعد قراءتى له بى دى اف قررت ان اشترى النسخة الورقية لاعود اليه مجددا بالتأكيد
</B>

للتحميل بأكثر من لينك
http://suchasmallaffairs.blogspot.com/2013/05/pdf_16.html
:)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....