الاثنين، 6 يوليو 2015

قصة الحضارة 30- عصر النهضة 2- ايطاليا فى عصر النهضة

اسم الكتاب: عصر النهضة 2- ايطاليا فى عصر النهضة - المجلد الثلاثون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
اصدارات: دار نوبليس
عدد الصفحات: 354 صفحة

فى المجلد الثانى من قصة عصر النهضة الايطالى و الثلاثون من عموم قصة حضارة العالم الذى اهدنا ديورانت بها مكافأة لخير لم نفعله بعد نترك فلورانس و نتطلق فى مدن ايطاليا المتنوعة نشاهد درجات نهضتنا و اختلافها العميق احيانا

عصر النهضة حالة فكرية اكثر منها فترة من الزمن الايطالى و نجد فى ذلك دليل ان ايطاليا كلها لم تكن فى نفس العصر ان صح التعبير فمثلا لنأخذ مدينة فيرونا فلانها لم تكن مختلطة الاهل و التجارة كما البندقية , او لم تكن ميلان قوة سياسية كما فلورانس مركز للمال او كما روما بيتا دوليا و لم تتوفر لها عنصر الميل الشرقى فتقلل من مسيحيتها الصامته فظلت فى عصورها الوسطى هادئة , مقتنعة بفن العصور الوسطى الرزين الجاف و حتى عندما انجبت الفنانين اكتفت باهداء هؤلاء الى مدن النهضة الاخرى التى تلألأت واحدة تلو الاخرى فى سماء ايطاليا و العالم

لم تكن الحياة الاقتصادية في الدول الإيطالية خلال القرن الخامس عشر أقل تنوعا من مناخ المدن، ولهجاتها، وأزيائها. فقد كان شمالي شبه الجزيرة ينتابه أحيانا شتاء قارس تتجمد فيه مياه نهر البو من منبعه إلى مصبه، بينما كان الإقليم الساحلي المحيط بجنوى والذي تحميه الألب الليجورية يستمتع بجو معتدل يكاد يدوم طول العام. وكان الضباب يلف قصور البندقية، وأبراجها، وشوارعها المائية، وكانت روما مشمسة ولكن العفن يتصاعد في سماءها، أما نابلي فهي الفردوس في مناخها. وكانت هذه المدائن أينما وجدت وما يتصل بها من أقاليم الريف تنتابها من حين إلى حين تلك الزوابع، والفيضانات، والحدب، والأعاصير، والمجاعات، والأوبئة، والحروب، التي لا تنفك الطبيعة تسيرها على العالم لتوازن بها إسراف بنى الإنسان في التناسل والإخصاب

لذا فالمجلد الثانى مرهق قليلا و مسرف احيانا فى تنقله بين مدينة لاخرى و من حكم لاخر و يتطلب من القارئ قليل من التركيز و يوعده بكثير من المتعة
********
و كما وصفنا ال ميدتشى قبلا انها مثال على عصور النهضة و كما سنتطلق التسمية نفسها على البابا ليو العاشر فيمكن ان نرى جيان جلياتسو فسكونت مثال رائع لسياسة و اداب هذا العصر الذى لم يعلم معاصروه انه ذهبى بعد

و قلما يمر بالتاريخ شخصية جذابة و رائعة و تصعب على التحليل ك لدوفيكو اسفوردسا رابع أبناء فرانتشسكو اسفوردسا ,وأصبح رغم أخطائه وآثامه من أعظم رجال التاريخ تحضراً

و غريب ان نعلم ان لدوفيكو هذا لم يكن الملك المتوج اصلا ظل ثلاثة عشر عاما (1481 - 1494) يحكم ميلان نائبا عن أبن أخيه. وكان جلياتسو اسفرودسا جبانا يميل إلى العزلة، يرهب تبعات الحكم، كثيرا ما تنتابه الأمراض، عاجزا عن القيام بالأعمال الجدية، يسميه جوتشيارديني العاجز، وكان يستسلم للهو أو المرض، يسره أن يترك تصريف شؤون الدولة إلى عمه الذي كان يعجب به إعجاباً ملؤه الحسد، ويثق به ثقة ممزوجة بالشك. وقد نزل له لدوفيكو عما في لقب الدوق ومنصبه من أبهة وفخامة، فكان جيان هو الذي يجلس على العرش، ويتقبل الولاء، ويعيش الترف الملكية،

و لا تكتمل قصة لدوفيكو دون ان نحكى عن زوجته الشابه التى منحها الحظ فرصة ان تتجمل بكل انتاجات عصر النهضة الفنية الظريفة , بيتريس دست الظريفة التى دخلت المدينة فى سن الرابعة عشر و صدمتها فى البداية حرية لدوفيكو الجنسية و علانية علاقاته مع المحظيات و العشيقات

وأضحى بلاط ميلان وقتئذ، وفيه بيتريس تتزعم الرقص، ولدوفيكو الكادج يؤدي نفقات الحفلات أضخم بلاط للأمراء لا في إيطاليا وحدها، بل في أوربا بأجمعها، وأتسع قصر اسفورديسكو حتى بلغ ذروة مجده، ببرجه الأوسط الشامخ، ومتاهة حجراته المترفة التي لا تعرف بدايتها من نهايتها، وأرضه المطعمة، ونوافذه الزجاجية الملونة، وأرائكه المطرزة، وطنافسه العجمية؛ وسجفه التي نقشت عليها مرة أخرى قصص طروادة وروما، هنا سقف من صنع ليوناردو، وهناك تمثال أخرجته يد كروستوفورو سولاري أو كروستوفور روماني، ولا يكاد يخلو مكان فيه من أثر بالغ الجمال من آثار الفن اليوناني، أو الروماني، أو الإيطالي. في هذه البيئة المتألقة أختلط العلماء بالمحاربين، والشعراء بالفلاسفة، والفنانون بالقواد، وأختلط هؤلاء جميعا بالنساء اللاتي أضفن إلى مفاتنهن الطبيعية كل ما يمكن أن تسبعه عليهن من رقة مستحضرات التجميل، والجواهر، والثياب، وكان الرجال حتى الجنود منهم يعنون بتصفيف شعرهم وبأثوابهم. وكانت الفرق الموسيقية تعزف على مجموعة الآلات المختلفة، والأغاني تتردد في جنبات الأبهاء. وبينما كانت فلورنس ترتعد فرقا أمام سفنرولا وتحرق أباطيل الحب، والفن، كانت الموسيقى والآداب الخليعة تسود عاصمة لدوفيكو.

و بولادة مكسميليان الابن الاهم ل لدوفيكو و براتيس ظهرت مشكلة صورية الحكم و مدى ضبابية مستقبل الوليد فى ظل عدم شرعية الملك فى يد الاب ...و بدأت الالعاب السياسة و الرشوى لضمان مستقبل الطفل

و سقط لدوفيكو فى حبال السياسة المتأرجحة حين وافق على دعم شارل الثامن الفرنسى على غزو نابلى فاكتسب عداوة البابا و كثير من سياسين ايطاليا خاصة بعد فشل حملة شارل و ترك ميلان تواجه مصير مقامرتها وتبين لدوفيكو وقتئذ انه أرتكب خطأ موبقاً حين رحب بشارل، فأسرع يقلب سياسته رأسا على عقب، وسعى إلى عقد "حلف مقدس" من البندقية، وأسبانيا، وإسكندر السادس، ومكسميليان ليطرد الفرنسيين من شبه الجزيرة. فما كان من شارل إلا أن رجع على أعقابه مسرعا، ومنى بهزيمة غير حاسمة عند فرنوف

و يأتى موت بيتريس فى الثانية و العشرون عقب الولادة السبب الحقيقى فى كسر لدوفيكو التى لم تستطيع ان تهزمه مدن ايطاليا و فرنسا متحدة وغلب على لدوفيكو الأسى والندم فكان يقضي أياما طوالا في العزلة والصلاة، ولم يكن هذا الرجل القوي الذي قلما فكر من قبل في الدين يرجو إلا مرحمة واحدة - هي أن يلقى منيته، ويرى بيتريس مرة أخرى، وينال منها المغفرة، ويستعيد حبها

و ربما لم يكن اسر لدوفيكو و هزيمته على يد لويس الثانى عشر هو سبب موته قدر المه بعد موت رفيقته التى هجرها كثيرا و لم يكن يدرك انها حياته نفسها
*************
و يدور بنا ديورانت فى مدن ايطاليا المختلفة بدرجات الاستقلال المختلفة منها بستويا التى فضلت فلورنس على الحرية، ذلك أن الصراع بين البيض والسود قد أشاع الاضطراب في المدينة، فلجأت الحكومة إلى مجلس السيادة في فلورنس أن يتولى هو شئونها وشرعت بستويا من ذلك الحين تأخذ فنها كما تأخذ شرائعها من فلورنس سنه 1306 م ... وكانت بيزا قد بلغت من قبل درجة من الثراء استطاعت معها أن تحول جبال الرخام إلى كنيسة كبرى، وموضعا للتعميد، وبرجاً مائلاً. وكانت تدين بهذا الثروة لى موقعها المنيع على مصب الآرنو، ومن أجل هذا أخضعتها فلورنس إلى سلطانها قوة واقتداراً عام 1405، لكن بيزا لم تقبل لنفسها هذا الإذلال، فكانت تثور المرة بعد المرة...كادت سيينا في القرن الرابع عشر تلاحق فلورنس في التجارة والحكم والفن. أما في القرن الخامس عشر فقد أنهكت قواها في أعمال العنف والتعصب الحزبي إلى حد لم تصل إليه أي مدينة أخرى في أوربا، فقد تناوبت على حكم المدينة خمسة أحزاب أسقطت كلا منها ثورة جامحة

و نابلى التى حازت الحضارة فى مدينتها و نزعتها فيما خارجها و واجهت كل اطماع فرنسا , وكانت وحدها المدينة العظيمة في المملكة. وكان الإقليم في خارجها وخارج الثغور إقليماً زراعياً، إقطاعياً، منطبعاً بطابع العصور الوسطى: فكانت التربة يفلحها أرقاق الأرض أو العبيد، أو فلاحون ((أحرار))في أن يموتوا جوعاً أو يعملوا ليحصلوا على الكفاف من العيش تحت سيطرة بارونات يحكمون ضياعهم حكماً قاسياً مجرداً من الرحمة متحدين سلطان العرش. وقلما كان الملك يحصل على إيراد له من هذه الأراضي، ولكن كان عليه أن يدبر المال اللازم لحكومته وبلاطه من إيراد أملاكه الإقطاعية الخاصة، أو باستغلال سيطرته الملكية على التجارة إلى أقصى حد مستطاع.

و ربما لا يعلم احد بمدينة إيمليا الصغيرة المستقلة لكن لا احد يجهل رسومات كريجيو ... و رسومات عبادة الرعاة او الليل و رسمه الممتع للقديس جروم فى الرسومات الدينية او جمال اللعب بتأثير الضوء فى دانائى
*************
اما البندقية العظيمة التى عانت كثيرا لكن صدمت فى خلافات فرنسا-ايطاليا , و طمع البابوية ربما بنظام حكمها المحكم

سجلت في عام 1315 أسماء جميع المرشحين لهذا المجلس في كتاب ذهبي، وكان على المجلس أن يختار من بينهم ستين صاروا فيما بعد مائة وعشرين مدعوا يعملون في فترات تدوم عاماً كاملاً بوصفهم مجلس شيوخ تشريعي؛ ويعين المجلس رؤساء المصالح الحكومية الكثيرة العدد الذين تتكون منهم الهيئة الإدارية؛ ويختار رئيس الهيئة التنفيذية الخاضع على الدوام لهذا المجلس وهو الدوج أو الزعيم الذي يتولى رياسته ورياسة مجلس الشيوخ، ويحتفظ بمنصبه مدى الحياة إلا رأى المجلس أن يخلعه. ويعاون الدوج في عمله ستة مستشارين يؤلفون معه مجلس السيادة

وكان الدوج في العادة وكيل المجلس الأكبر ومجلس الشيوخ، ولم يكن هو سيد المجلسين إلا في الأحوال الاستثنائية المحضة؛ وكانت الأبهة التي تحيط به تعلو كثيراً على سلطانه؛ فقد كان إذا ظهر أمام الجماهير ارتدى أفخم الثياب، وأثقل الجواهر، وكانت قلنسوته الرسمية من الجواهر ؛ ولربما كانت حلله التي علمت المصورين البنادقة الألوان الفخمة التي جرت بها أقلامهم، وشاهد ذلك أن عدداً من أعظم صورهم لآلاء يمثل الدوج في حلله الرسمية. وكان مصدر هذه الفخامة أن البندقية تؤمن بالاحتفالات والمظاهر تؤثر بها في نفوس السفراء والزوار، ترهب بها الأهلين، وتخلع من الأبهة ما تستعيض به عن السلطان. وحتى الدوقة نفسها كان يحتفل بتتويجها أعظم احتفال وأفخمه. وكان الدوق هو الذي يستقبل كبار الوافدين عليه من الأجانب، ويوقع جميع الوثائق الهامة المتصلة بأعمال الدولة، وكان له نفوذ شامل واسع متصل يضمنه له بقاؤه في منصبه مدى الحياة بين أشخاص يختارون لعام واحد لا أكثر؛ أما من الوجهة النظرية فلم يكن أكثر من خادم الحكومة والناطق بلسانها.

وكانوا يعظمون الدوج تعظيماً لا يعلوا إلا تعظيمهم الله وحده...فجمعوا بين استقرار الملكية و تطور الديموقراطية

و فى رحاب جيورجيوني و تيشيان و الفصل المطول عن ليوناردو دافنشى عالما و رياضيا و راساما نقضى اوقات ممتعة فى رحاب تاريخ ايطاليا الممتع بشرح ديورانت المخفف و نتوجه الى المجلد الثالث ننتقل به من المدن الى روما قلب ايطاليا النابض دائما

دينا نبيل
يونيو 2015

0 التعليقات:

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....