الاثنين، 25 يونيو 2012

من الجانب الاخر

جلست فى سريرها الدافئ و تدثرت بين الاغطيه تعبث بكتاب  ...تضحك بينما تكتب تلك الكلمات التى توصف فى الحد الاقصى بالكذب و بحد الادنى بخداع النفس فلا هو سريرها ولا هو بدافئ و لا الاغطيه تستحق هذا اللقب.....فالسرير مجرد سرير عام فى نزل الشباب للاقصر و لعل استخدمه قبلها المئات ممن لا تثق فى درجه نظافتهم لكنه سرير مريح نوعا بمرتبه اسفنجيه تجعل القفز عليه ممتع....ليس بالدافئ بالتاكيد فدرجه حراره الصعيد نهارا حاره كجنهم و ليلا بارده كالقطب الشمالى فلا الملابس الخفيفه نفعت ولا الثقيله شفعت.....اما الاغطيه فحدث ولا حرج فهى خفيفه كالمناديل الورقيه .....هى قاهريه مولدا و سكننا فلم تتعود على طقس الاقصر خلال رحلتها الجامعيه القصيره

أمسكت كتاب مترجم لطه حسين حيث كان طه حسين هو الكاتب بالفرنسيه و غيره ترجمه..اسم الكتاب "طه حسين من الشاطئ الاخر" اعجبها الاسم فهى حرفيا فى هذا الجانب ....سعدت بالكتاب لندرته و جلست تستجلب الدفء لتستمتع برأى طه حسين فى وضع قواعد النحو عند العباسيين...همست لنفسها بكونه موضوع اكاديمى بحت لكنها على كل حال تحب ان ترى العالم من خارج ثقب الابره المعتاد......

رن هاتفها المحمول باهتزازته المعتاده و نغمتها الاثيره حين تشدو فيروز "بتمرق علي امرق ما بتمرق ما تمرق مش فارقة معاي ,بتعشق علي اعشق ما بتعشق ما تعشق مش فرقة معاي" ....كعادتها تركت الهاتف يرن أطول قليلا مما تسمع لتغنى بصوتها المحبب لها فقط مع فيروز لتؤكد لذاتها انها لا تهتم "ولا بشلن" كما تعبر......

تركت الهاتف يرن فالمتصل عائلتها التى تتصل روتينا من بدايه الرحله للاطئمنان لا اكثر....فالنهايه اجابت بألو المعتاده.....بعد السلام و التحيات و الطمأنه المعتاده جاء صوت اختها : شفتى اللى حصل فى الماتش؟؟.....فأجابت بسؤالها عن الماتش اصلا ففى النزل لا تليفزيون ولا راديو و لا اى عامل خارجى غير الشجر و النيل و الجبل ...اجابت اختها: صباح الفل ده الاهلى بيلعب فى بورسعيد بس بين الشوطين الجمهور مبهدل الدنيا شماريخ و صواريخ ..اجابتها بان ما يحدث عادى جدا و انها مبالغه كعادتها....سألت عن الفائز حتى نهايه الشوط الاول....فاجأبت ان الاهلى متقدم بهدف لللاعب البرازيلى جونيور....ضحكت موضحه ان طالما جونيور صاحب جون التقدم فالماتش سيلغى بالتاكيد فالنحس يجرى وراء هذا اللاعب كالقطار....سألت عن سبب عدم الغاء الماتش...فاجابت اختها ان كل ما يحدث بين الشوطين و لا يحق للحكم ذلك الا اذا حدث اثناء المباراه...اغلقت الهاتف بعد ان وصت باخبارها اول بأول بالاحداث

رجعت لكتابها الاثير ....قرأت مقال طه حسين "الاتجاهات الدينيه فى الادب المصرى المعاصر" ...دونت خواطرها عن المقال بانه مقال جميل بعنوان طويل مبالغ فيه 

سمعت صوت الرساله فهبت لقرأتها على امل ان يكون الخبر جون اخر للاهلى ....قرأت رساله من اختها :(اتنين واحد للمصرى ,ماتش زى الزفت).......زفرت و شتمت خطه جوزيه الجبانه فى اصراره على عدم الدفع بوليد سليمان فى الامام و حرق دمها كعادته بجونيور الفاشل و عدم الاخد بنصيحتها باللعب باحمد فتحى فى وسط الملعب و الاستعانه بشريف عبد الفضيل فى الجهه اليمنى....تمنت ان تحمل الرساله التاليه هدف تعادل على الاقل معبرا عن ان نقطه من المصرى فى بورسعيد انجاز فى حد ذاته......

تدثرت اخيرا مع ابقاء الهاتف بجوارها حتى لا تتجمد من البرد فى الذهاب و العوده و كلها امل فى سماع رساله جديده و عدم انتهاء الماتش 2 صفر.....فتحت كتابها و قرأت مقال "مسيره الشاعر الكبرى" يتحدث فيها طه حسين عن المتنبى وحياته بالفرنسيه اختصارا و لاحظت ان رأى طه حسين غير رأيه قليلا عن شرحه المطول فى كتاب "عن المتنبى" لنفس الكاتب و بدا طه حسين اكثر تعاطفا مع الشاعر عن ذى قبل خاصه ان المقال كتب بعد الكتاب بعشر سنوات....

بينما تدون ملاحظتها عن المقال ....رن صوت الهاتف معلنا عن رساله....ابتسمت من الامل و فتحتها فكانت اختها بنص رساله :(ثلاثه واحد).. فقدت الامل و لعنت الخساره و حسام حسن بخططه الهجوميه و حظه المنطلق......فضلت النوم على ان تجلس مثلجه و حزينه

بينما تغمض عينها اتت الرساله الثالثه : (الماتش خلص و الجمهور نزل و ضرب اللعيبه بتاعتنا و ابوكى قفل التليفزيون و مش عارفين نتفرج).......غضبت اكتر و اهتم قلبها اكتر و اسلمت نفسها للنوم مبكرا على غير عادتها خاصه فى رحلاتها.....

سمعت الكثير اثناء نومها عن كون "احد" قد مات و ان الشباب فى النزل محتقنين......لم تنهض لتعرف التفاصيل فلعله ممثل او مطرب تافه هكذا برر لها عقلها بين جنبات النوم......

صحت مبكرا و بينما تهم لدخول الحمام المشترك تحمل فوطه و صابونه و نظارتها الطبيه .....سألت فتاه تغسل اسنانها عن احداث الامس....لم تستطع الفتاه بيان ما كانت تقول بسبب وجود المعجون فى فمها لكنها اشارت بموت العدد 7 و العدد 1....سألت بمرح هو كون سبع شخص  قد توفى ....غضبت البنت و كررت الاشاره....سألتها بجديه اكتر عن اذا قتل 17 فرد ....فبصقت الفتاه المعجون من فمها و قالت فى غضب : 71 واحد اتقتل امبارح ....سألتها عن الظروف....فأجابت ان المكان كانت مباراه الاهلى و المصرى ...صرخت فى وجهها بالكذب و ان ما حدث لم يتعدى الاعتداء على اللاعبين و غاردت المكان غاضبه من كون المكان المنعزل بيئه خصبه للاشاعات و التهويل.....

ما ان دخلت غرفتها حتى اتصلت هاتفيا بامها و سألتها عن ما حدث....اجابتها بتفاصيل المأساه و موت عشرات الاشخاص و اصابته المئات و الاهوال التى حدثت.....سألتها و الدموع ترقرق فى عينها عن دور الامن....فاجابت بانهم كانوا مشاهدين لا اكثر و اضافت الا تحزن و انها فى رحله لتسرى عن نفسها المرهقه....اجابتها بصوت مخنوق من الدموع ب "حاضر".....

نظرت لكتاب طه حسين و الغرفه....و فجأه اصبح الكتاب فى عينها نوع من العبث و رفاهيه المثقفين... و الرحله ضرب من ضروب الخيال و المتعه لها بينما مصر تنتحب.. و من بين جنبات الحزن هب خاطر مزعج ماذا حدث لذلك الشاب من التراس الاهلى الذى تعرفه؟؟...زميل جامعى و زميل لها فى اكثر من مشروع ...هل يكون هل ذهب الى المباراه هل تراه قتل هل جرح او تشوه؟؟ ....و فى لحظات كانت تجرى بين جنابات النزل تبحث عن اتصال بالانترنت....واجهت لائحه اسماء القتلى و المصابين ...زفرت زفره الخوف و بدأت تقرأ الاسماء....انه اسوء احساس فى الوجود ان تبحث عن صديق بين الموتى و المصابين لهذه الدرجه وصلنا؟؟...بعد تفقد اكثر من مره لم تجد اسمه..زفرت هذه المره زفره الارتياح لكن لحظات السعاده كانت اقصر من اللازم فهل لعدم وجود من تعرفه شخصيا تنمحى المأساه؟؟ هل يبعث للحياه من ضاعوا بلا ثمن؟

 قررت الحداد بعدم الخروج من الغرفه طوال اليوم....اغلقت فيروز و شغلت "فين الدبابه" و مسحت ملاحظات الكتاب و دونت بخط عريض "يسقط يسقط حكم العسكر"....

1 التعليقات:

Botendienst Wien يقول...

دوماً موفقين ... وبأنتظار الجديد ..

إرسال تعليق

حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....