اسم الكتاب:عصر الايمان ٨ -اوروبا ٢:الفنون -المجلد السابع و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
اصدارات دار نوبليس
عدد الصفحات: ١٤٢ صفحة
التقييم: 5/3
فى مجلد قصير و صغير الحجم على غير عادة ديورانت يروى لنا شكل الفنون و العمارة فى العصور الوسطى الاوروبية من عام ١٠٩٥ الى عام ١٣٠٠
يتسأل ديورانت و نتسأل معه عن السبب الذى جعل من فنون اوروبا حتى فى عصورها تلك علامة مهمة؟ كيف نتج عن عصر الايمان المظلم المثقل بالجهل و الظلام كل تلك الفنون الكنسية و مئات الكاتدرائيات المثقلة بالفنون و فن المنمات؟ و كيف انبعثت الموسيقى بعد سنين الركود الطويلة؟
و الاجابات كثيرة تتنوع و تتشارك فيما بينها لتنتج فنون ذلك العصر البعيد فاتصال اوروبا بيبزنطة من جانب و بالمسلمين من جانب اخر خلال الحملات الصليبية و كلتا الحضارتين برعوا فى فنون العمارة بشكل خاص ...و الامن و السلم الذى تلى القرن العاشر دفع مواطن القرون الوسطى المرهق لاحضان الفن...الاموال المتدفقة على الكنائس من الهباب و حتى صكوك الغفران ...و لاننا فى ظل عصر الايمان فكل ما نراه ينبع من الدين و دوافعه , و كعادته استخدمت الكنيسة اسلحة الوثنية لمصلحتها فاستخدمت نفس وسائل تعظيم اله اليونان و الرومان الفنية لتصنع منها مجدا ارضيا لاله مصلوب
وكان الرهبان هم الذين حافظوا على الأساليب الفنية في الفن الروماني، واليوناني، والشرقي، ونشروها، كما حافظو على )الآداب اليونانية والرومانية القديمة. ذلك أن الأديرة لحرصها على أن تستقل بذاتها دربت النازلين فيها على فنون الزخرفة كما دربتهم على الحرف العملية. فقد كانت كنيسة الدير تطلب مذبحاً، وأثاثاً للمحراب، وكأساً للقربان، وصندوقاً وعلباً لحفظ المخلفات، وأضرحة، وكتلاً للصلاة، وماثلات، وقد تتطلب نقوشاً من الفسيفساء، وصوراً على الجدران، وتماثيل وصوراً تبعث التقى في القلوب، وكان الرهبان يصنعون معظم هذا بايديهم، بل إنهم هم الذين يخططون الدير ويبنونه،)
و غارت الكنيسة من مجد و ترف قصور الملوك المدنين فتنقلت ذلك كله لخدمة الرب, فصنعت علب ذهبية مزينة بالجواهر للمخلفات المقدسة , و مذابح الكنيسة مزينة بالفضة , و ازدهرت صناعات الزجاج و الخزف و المنسوجات اليدوية المنمنمة الفاخرة , و عاد العاج يزين الخشب , و امتدت الفيسفياء من بيزنطة لتجتاح اوروبا
اما فن النحت فنأسف لان البلدين الاتى برعتا فيه تضافرت فيه فنون التحطيم و بقى اثر بعد عين و نستعين هنا بكلمات ديورانت:
خليق بكل من يدرس فن النحت في العصور الوسطى أن يستشعر الندم حين يبدأ هذه الدراسة. ذلك أن قسماً كبيراً من آثاره دمرها المتطهرون المتعصبون في إنجلترا، وكان البرلمان في بعض الأحيان هو الآمر بهذا التدمير، كما دمر الكثير من هذه الآثار في فرنسا أثناء الإرهاب الذي تعرض له الفن أيام الثورة. وكان ذلك العمل الرجعي في إنجلترا موجهاً إلى ما بدا لمحطمي الصور الجدد أنه زخرفة وثنية للأضرحة المسيحية، أما في فرنسا فكان يهدف إلى مهاجمة قبور الأسراف المكروهين وما لديهم من مجموعات فنية ودمى.
ولهذا نجد في جميع أنحاء البلدين تماثيل بلا رؤوس، وأنوفاً مكسورة، وتوابيت مهشمة، ونقوشاً بارزة، وطنفاً، وتيجان عمد محطمة. ذلك أن ثورة جامحة من الحقد الدفين الذي ظل يغلي زمناً طويلاً في الصدور على الاستبداد الكنسي والإقطاعي قد انفجر مرجلها آخر الأمر في صورة تخريب شيطاني لهذه الآثار - وكأن الزمن وأتباعه من العناصر الجوية قد أجمعت أمرها في ثورة من التدمير، فاكتسحت ظاهر التماثيل، وأذابت الحجارة، ومحت النقوش، وشنت على أعمال الإنسان حرباً باردة صامتة، لم تتخللها قط هدنة، وشن الإنسان نفسه على هذه الآثار ألف حرب وسعى فيها إل النصر بالتنافس في التدمير، فكان من أثر ذلك أننا لا نعرف النحت في العصور الوسطى إلا من حطامه.
****************
يتبع ذلك الفصل الشيق فصل طويل ممل لغير المتخصصين يتبع فيه ديورانت انظمة المعمار و الاختلافات الضيقة بين فن العمارة الرومانسى و النورماندى ...و مدارس الطراز القوطى الفرنسية و الانجليزية و الايطالية و الاسبانية
و هنا ننصح القارئ لهذا الجزء -و أحب ان اصدق ان هنالك من يقرأ تلك المجلدات بانتظام كمثلنا و اننا لسه وحدنا فى عالم ديورانت الرائع و المرهق- بمصاحبة بملف صور دقيق عن تلك الاماكن التى يوصفها لنا ديورانت و التى ستكون خير معين ان شاء لنا القدر ان نزورها يوما
فيشوقنا ديورانت لزيارة كاتدرائية سيينا ...و الاستمتاع بكنيسة سانتا كروشي...و يجعلنا نحلم بتذوق معمار كنيسة سانتا ماريا لا مايور الاسبانية ..و نتغزل فى دقة واجهة كاتدرائية نتردام
ولكن لم اضمحلت العمارة القوطية؟ لقد كان من أسباب اضمحلالها أن كل فن يقضي على نفسه بتعبيره الكامل عن نفسه، ويدعو إلى رد الفعل أو التغيير. ثم إن تطور الفن القوطي إلى العمودي في إنجلترا، وإلى كثرة الألوان والزخارف في فرنسا، لم يترك للشكل مستقبلاً سوى المغالاة ثم الاضمحلال. يضاف إلى هذا أن إخفاق الحملات الصليبية، وضعف العقيدة الدينية، وتحول الأموال من مريم العذراء إلى رب المال، ومن الكنيسة إلى الدولة، قد حطم روح العصر القوطي.
وفوق هذا وذاك فإن فرض الضرائب على رجال الدين بعد أيام لويس التاسع قد أفرغ من المال خزائن الكاتدرائات، وفقدت المدن المستقلة ونقابات الحرق الطائفية، التي كانت تسهم في مجد العمارة القوطية ونفقاتها، واستقلالها، وثروتها، واعتزازها بنفسها، وأنهك الموت الأسود، وحرب المائة السنين فرنسا وإنجلترا كليهما، فكانت النتيجة أن المباني الجديدة في القرن الرابع عشر لم تقل فحسب، بل إن الكثرة الغالبة من الكثدرائيات العظيمة التي بدأت في القرنين الثاني عشر قد تركت ناقصة.
***************
و لكن المسيحية التى دخلت قرنها الثالث على استيحاء خرجت منه قوية متطورة فى القرن الثالث عشر ...و طال التطور من اللاهوت الى شكل العبادة نفسها و اضافة القرون الوسطى الاهم على الدين المسيحى كانت اضافة الموسيقى و تحول هذا الفن من مازمير للشيطان الى تغريد للملائكة , وما أكثر النفوس الجامدة القوية، المتشككة في العقيدة الدينية، التي أذابتها الموسيقى فخرت راكعة أمام ذلك السر الذي تعجز الألفاظ عنه.
فاضيفت الموسيقى الى الصلاة ذاتها فاستفادت الموسيقى من الدين و دأب الرهبان و صبرهم فنمت و صنعت لها نغماتها و كتبت و اخترعت علامات ترقيمها للتسهيل
و انتشرت -كعادة عصر الايمان- نسخة شعبية من الفن , فازدهرت الموسيقى الشعبية و عبر عن الحب و الاشواق و ربما الفحش بعد ساعات العمل الطويلة المرهقة لعامة الشعب
و لم يبقى فى مجلدات عصر الايمان الا مجلد واحد يختتم رحلة المجلدات التسعة الطويلة لكنها لا تختم الرحلة الاطول لقصة الحضارة ولا الرحلة الاكثر طولا فى قراءتنا للتاريخ
مايو 2015
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
اصدارات دار نوبليس
عدد الصفحات: ١٤٢ صفحة
التقييم: 5/3
فى مجلد قصير و صغير الحجم على غير عادة ديورانت يروى لنا شكل الفنون و العمارة فى العصور الوسطى الاوروبية من عام ١٠٩٥ الى عام ١٣٠٠
يتسأل ديورانت و نتسأل معه عن السبب الذى جعل من فنون اوروبا حتى فى عصورها تلك علامة مهمة؟ كيف نتج عن عصر الايمان المظلم المثقل بالجهل و الظلام كل تلك الفنون الكنسية و مئات الكاتدرائيات المثقلة بالفنون و فن المنمات؟ و كيف انبعثت الموسيقى بعد سنين الركود الطويلة؟
و الاجابات كثيرة تتنوع و تتشارك فيما بينها لتنتج فنون ذلك العصر البعيد فاتصال اوروبا بيبزنطة من جانب و بالمسلمين من جانب اخر خلال الحملات الصليبية و كلتا الحضارتين برعوا فى فنون العمارة بشكل خاص ...و الامن و السلم الذى تلى القرن العاشر دفع مواطن القرون الوسطى المرهق لاحضان الفن...الاموال المتدفقة على الكنائس من الهباب و حتى صكوك الغفران ...و لاننا فى ظل عصر الايمان فكل ما نراه ينبع من الدين و دوافعه , و كعادته استخدمت الكنيسة اسلحة الوثنية لمصلحتها فاستخدمت نفس وسائل تعظيم اله اليونان و الرومان الفنية لتصنع منها مجدا ارضيا لاله مصلوب
وكان الرهبان هم الذين حافظوا على الأساليب الفنية في الفن الروماني، واليوناني، والشرقي، ونشروها، كما حافظو على )الآداب اليونانية والرومانية القديمة. ذلك أن الأديرة لحرصها على أن تستقل بذاتها دربت النازلين فيها على فنون الزخرفة كما دربتهم على الحرف العملية. فقد كانت كنيسة الدير تطلب مذبحاً، وأثاثاً للمحراب، وكأساً للقربان، وصندوقاً وعلباً لحفظ المخلفات، وأضرحة، وكتلاً للصلاة، وماثلات، وقد تتطلب نقوشاً من الفسيفساء، وصوراً على الجدران، وتماثيل وصوراً تبعث التقى في القلوب، وكان الرهبان يصنعون معظم هذا بايديهم، بل إنهم هم الذين يخططون الدير ويبنونه،)
و غارت الكنيسة من مجد و ترف قصور الملوك المدنين فتنقلت ذلك كله لخدمة الرب, فصنعت علب ذهبية مزينة بالجواهر للمخلفات المقدسة , و مذابح الكنيسة مزينة بالفضة , و ازدهرت صناعات الزجاج و الخزف و المنسوجات اليدوية المنمنمة الفاخرة , و عاد العاج يزين الخشب , و امتدت الفيسفياء من بيزنطة لتجتاح اوروبا
اما فن النحت فنأسف لان البلدين الاتى برعتا فيه تضافرت فيه فنون التحطيم و بقى اثر بعد عين و نستعين هنا بكلمات ديورانت:
خليق بكل من يدرس فن النحت في العصور الوسطى أن يستشعر الندم حين يبدأ هذه الدراسة. ذلك أن قسماً كبيراً من آثاره دمرها المتطهرون المتعصبون في إنجلترا، وكان البرلمان في بعض الأحيان هو الآمر بهذا التدمير، كما دمر الكثير من هذه الآثار في فرنسا أثناء الإرهاب الذي تعرض له الفن أيام الثورة. وكان ذلك العمل الرجعي في إنجلترا موجهاً إلى ما بدا لمحطمي الصور الجدد أنه زخرفة وثنية للأضرحة المسيحية، أما في فرنسا فكان يهدف إلى مهاجمة قبور الأسراف المكروهين وما لديهم من مجموعات فنية ودمى.
ولهذا نجد في جميع أنحاء البلدين تماثيل بلا رؤوس، وأنوفاً مكسورة، وتوابيت مهشمة، ونقوشاً بارزة، وطنفاً، وتيجان عمد محطمة. ذلك أن ثورة جامحة من الحقد الدفين الذي ظل يغلي زمناً طويلاً في الصدور على الاستبداد الكنسي والإقطاعي قد انفجر مرجلها آخر الأمر في صورة تخريب شيطاني لهذه الآثار - وكأن الزمن وأتباعه من العناصر الجوية قد أجمعت أمرها في ثورة من التدمير، فاكتسحت ظاهر التماثيل، وأذابت الحجارة، ومحت النقوش، وشنت على أعمال الإنسان حرباً باردة صامتة، لم تتخللها قط هدنة، وشن الإنسان نفسه على هذه الآثار ألف حرب وسعى فيها إل النصر بالتنافس في التدمير، فكان من أثر ذلك أننا لا نعرف النحت في العصور الوسطى إلا من حطامه.
****************
يتبع ذلك الفصل الشيق فصل طويل ممل لغير المتخصصين يتبع فيه ديورانت انظمة المعمار و الاختلافات الضيقة بين فن العمارة الرومانسى و النورماندى ...و مدارس الطراز القوطى الفرنسية و الانجليزية و الايطالية و الاسبانية
و هنا ننصح القارئ لهذا الجزء -و أحب ان اصدق ان هنالك من يقرأ تلك المجلدات بانتظام كمثلنا و اننا لسه وحدنا فى عالم ديورانت الرائع و المرهق- بمصاحبة بملف صور دقيق عن تلك الاماكن التى يوصفها لنا ديورانت و التى ستكون خير معين ان شاء لنا القدر ان نزورها يوما
فيشوقنا ديورانت لزيارة كاتدرائية سيينا ...و الاستمتاع بكنيسة سانتا كروشي...و يجعلنا نحلم بتذوق معمار كنيسة سانتا ماريا لا مايور الاسبانية ..و نتغزل فى دقة واجهة كاتدرائية نتردام
ولكن لم اضمحلت العمارة القوطية؟ لقد كان من أسباب اضمحلالها أن كل فن يقضي على نفسه بتعبيره الكامل عن نفسه، ويدعو إلى رد الفعل أو التغيير. ثم إن تطور الفن القوطي إلى العمودي في إنجلترا، وإلى كثرة الألوان والزخارف في فرنسا، لم يترك للشكل مستقبلاً سوى المغالاة ثم الاضمحلال. يضاف إلى هذا أن إخفاق الحملات الصليبية، وضعف العقيدة الدينية، وتحول الأموال من مريم العذراء إلى رب المال، ومن الكنيسة إلى الدولة، قد حطم روح العصر القوطي.
وفوق هذا وذاك فإن فرض الضرائب على رجال الدين بعد أيام لويس التاسع قد أفرغ من المال خزائن الكاتدرائات، وفقدت المدن المستقلة ونقابات الحرق الطائفية، التي كانت تسهم في مجد العمارة القوطية ونفقاتها، واستقلالها، وثروتها، واعتزازها بنفسها، وأنهك الموت الأسود، وحرب المائة السنين فرنسا وإنجلترا كليهما، فكانت النتيجة أن المباني الجديدة في القرن الرابع عشر لم تقل فحسب، بل إن الكثرة الغالبة من الكثدرائيات العظيمة التي بدأت في القرنين الثاني عشر قد تركت ناقصة.
***************
و لكن المسيحية التى دخلت قرنها الثالث على استيحاء خرجت منه قوية متطورة فى القرن الثالث عشر ...و طال التطور من اللاهوت الى شكل العبادة نفسها و اضافة القرون الوسطى الاهم على الدين المسيحى كانت اضافة الموسيقى و تحول هذا الفن من مازمير للشيطان الى تغريد للملائكة , وما أكثر النفوس الجامدة القوية، المتشككة في العقيدة الدينية، التي أذابتها الموسيقى فخرت راكعة أمام ذلك السر الذي تعجز الألفاظ عنه.
فاضيفت الموسيقى الى الصلاة ذاتها فاستفادت الموسيقى من الدين و دأب الرهبان و صبرهم فنمت و صنعت لها نغماتها و كتبت و اخترعت علامات ترقيمها للتسهيل
و انتشرت -كعادة عصر الايمان- نسخة شعبية من الفن , فازدهرت الموسيقى الشعبية و عبر عن الحب و الاشواق و ربما الفحش بعد ساعات العمل الطويلة المرهقة لعامة الشعب
و لم يبقى فى مجلدات عصر الايمان الا مجلد واحد يختتم رحلة المجلدات التسعة الطويلة لكنها لا تختم الرحلة الاطول لقصة الحضارة ولا الرحلة الاكثر طولا فى قراءتنا للتاريخ
مايو 2015
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....