اسم الكتاب: عصر الايمان 6 -الحروب الصليبية و نهضة اوروبا- المجلد الخامس و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
اصدارات: دار نوبليس
عدد الصفحات: 335 صفحة
تركنا ديورانت المجلد السابق على شفا الحملات الصليبية فكان لابد ان يلجأ الدينان العظيمان الى احتكام محكمة السيف ربما بعد فشل الجدال و النقاش الطويل
و يلخص لنا ديورانت الحملات الصليبية على الشرق الخمسة بايجاز و تركيز مدهش للقارئ غير المتخصص فنحظى فقط ب70 صفحة تكدس لنا تلك الحقبة المرهقة من تاريخ العصور الوسطى ... ربما تلك التى جذبت انتباهنا -و انتباة الغرب ايضا- هى الحملة الثالثة التى ضمت صفوة ملوك و اذهان هذا العصر بريتشارد و بربروسه و فيليب ضد صلاح الدين فى مشهد درامى لا يحتاج لكثير من اللمسات ليتميز
*****************
لكننا كالعادة تسرعنا و قفزنا الى الحملة الثالثة على الرغم من ان الحملة الأولى هى الاكثر تميزا بل و عجبا فى التاريخ
اثارة عاطفية من البابا للشعب المسيحى فى مختلف البلدان تشجع 12000 شخص للتحرك من فرنسا هادفين بلوغ القدس سيرا على الاقدام و قليل من المؤن و وسائل المواصلات .. اثنا عشر الف مسيحى بسيط متحمس من رقيق الارض و صغار الاحرار ينتقلون فى موكب قلما رأت البشرية مثله يحوى فقط على 8 فرسان
اشخاص وعدوا بغفران فى الاخرة من جميع الذنوب و باسقاط ديون الدنيا و كثير من المجد و الوهم ... موكب ضخم لا يعلم حتى جغرافية المكان الذاهب اليه .... يصل الى قرى المانيا ليسأل بلهفة ان كانت تلك اورشليم؟ ... يعض الجوع الجمع الغفير "المقدس" لتتركب تلك العصبة نهب للكنائس و سلب و نهب للاهالى و حالات اغتصاب ... لتنتهى تلك الطليعة المنهكة مع اول احتكاك مع قوات المسلمين
لكن الطليعة الثانية ترتكب كل جرائم الحرب مجتمعة ...و هنا نكتفى بسرد ديورانت:
عرض الخليفة الفاطمي على الصليبين أن يعقد معهم الصلح مشترطاً على نفسه أن يؤمن "الحجاج المسيحيين القادمين إلى أورشليم والذين يأتونها للعبادة. ولكن بوهمند وجدفري طلبا التسليم بغير قيد أو شرط، وقاومت حامية الفاطميين المكونة من ألف رجل الحصار مدة أربعين يوماً، فلما حل اليوم الخامس عشر من شهر يولية قاد جدفري وتانكرد رجالهما وتسلقوا أسوار المدينة، وتم للصليبيين الفوز بغرضهم بعد أن لاقوا في سبيله الأمرين. وفي هذا يقول القس ريمند الإجيلي شاهد العيان: وشاهدنا أشياء عجيبة، إذ قطعت رؤوس عدد كبير من المسلمين وقتل غيرهم رمياً بالسهام، أو أرغموا على أن يلقوا أنفسهم من فوق الأبراج، وظل بعضهم الآخر يعذبون عدة أيام، ثم أحرقوا في النار. وكنت ترى في الشوارع أكوام الرؤوس والأيدي والأقدام، وكان الإنسان أينما سار فوق جواده يسير بين جثث الرجال والخيل .
ويروي غيره من المعاصرين تفاصيل أدق من هذه وأوفى؛ يقولون إن النساء كن يقتلن طعناً بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم ويقذف بهم من فوق الأسوار، أو تهشم رؤوسهم بدقها بالعمد، وذبح السبعون ألفاً من المسلمين الذين بقوا في المدينة، أما اليهود الذين بقوا أحياء فقد سيقوا إلى كنيس لهم، وأشعلت فيهم النار وهم أحياء. واحتشد المنتصرون في كنيسة الضريح المقدس، وكانوا يعتقدون أن مغارة فيها احتوت في يوم ما المسيح المصلوب. وفيها أخذ كل منهم يعانق الآخر ابتهاجاً بالنصر، وبتحرير المدينة، ويحمدون الرحمن الرحيم على ما نالوا من فوز!. "
***********************
فى قصص منسية فى التاريخ تحس انها ممكن تتقطع و تتعمل رواية فى حد ذاتها ، منها مثلا قصة اطفال فرنسا و حملتهم الصليبية المجهضدة سنة ١٢١٢ م ...و نسيب نص الكلام ل ول ديورانت:
(في فرنسا فقد قدم إلى فليب أغسطس في ذلك العالم نفسه راع في الثانية عشرة من عمره يدعى استيفن، وقال إن المسيح ظهر له وهو يرعى غنمه، وأمره أن يقود حملة من الأطفال إلى فلسطين، فأمره الملك أن يعود إلى غنمه، ولكن عشرين ألفاً من الغلمان اجتمعوا رغم هذا وساروا وراء استيفن؛ واجتازوا فرنسا إلى مرسيليا، وكان استيفن قد وعدهم أن البحر سيشنق عند هذه المدينة ليمكنهم من الوصول إلى فلسطين راجلين، ولم يشنق لهم البحر، ولكن اثنين من أصحاب السفن عرضا عليهم أن ينقلاهم إلى حيث يقصدون دون أن يتقاضوا منهم أجراً. فازدحم الأطفال في سبع سفن أقلعت بهم وهم ينشدون أناشيد النصر. وتحطمت اثنتان من هذه السفن بالقرب من سردانية وغرق كل من كانوا فيها، وجيء بالباقين من الأطفال إلى تونس أو مصر حيث بيعوا في أسواق الرقيق، وشنق صاحبا السفن التي أقلتهم بأمر فردريك الثانى )
***********************
لكن بغض النظر عن الحملات الشهيرة الموجهة نجو الغرب من الحملة الاولى الى حملة لويس الذى انتهى به الامر فى دار لقمان .... لفت انتباهى ديورانت و ان لم يقوم بتجميع الامر الى الحملات الصليبية الاخرى التى شنت بتحضير من البابا تلو الاخر لكن فى وجه غير المسلمين بل المسيحين انفسهم
نذكر منهم مثالا لا جمعا :
رغبة البابا جريجوري التاسع أن يخرج الروسيا من المذهب المسيحي اليوناني إلى المذهب اللاتيني، ودعا إلى حرب صليبية على روسيا بقيادة المانية
دعوة البابا إنوسنت الثالث إلى شن حرب صليبية على دول التخوم البدائية انذاك المعروفة حاليا ب فنلندا و هولندا و لاتونيا ... نتج عنها تحويل اهلها من الوثنية الى المسيحية و من الحرية الى رقيق الارض
ثلاث حروب "صليبية" ضد صقالبة البحر البطلطي "تكريماً للعذراء المباركة" لتتصبح الدانمارك
حملة صليبية للاستيلاء على القسطنطينه من اشقاءها الغربيين
حرب صليبية على "فريدريك الثانى" ملك المانيا و ايطاليا لخلافه مع البابا
حرب صليبيه على صقلية عام 1282
شن البابا إسكندر الرابع (1254-1256) حرباً صليبية على إزلينو
*********************
لكن الثورة الاقتصادية و انتعاش التجارة و الصناعة بعد رقاد طويل هو من دفع القارة العجوز كلها للامام و جهزها لحقبة النهضة , فالتأثر من الحضارات الاسلامية فى التعاون اباء الحملات الصليبية
و التوسع التجارى يتبعه بالضرورة تكوين نقابات و هيئات فى احياء لسنة قديمة و اهمها تاريخيا العصبة الهانسية التى كادت تكون دولة خارج الدولة و نسعين هنا بوصف ديورانت:
ظلت العصبة الهانزية قرناً من الزمان عاملاً الحضارة، فقد ظهرت البحر البلطي وبحر الشمال من القراصنة، ونظفت المجاري المائية؛ وعدلتها فجعلتها مستقيمة، ورسمت خرائط للتيارات البحرية والمد والجزر، وأبانت عليها موضع القنوات، وأنشأت المنارات البحرية، والثغور، والقنوات، وسنت القوانين البحرية وجمعتها في كتب؛ وجملة القول أنها أحلت النظام مكان الفوضى في تجارة أوربا الشمالية. ولقد ضمت هذه العصبة طبقة التجار، وألفت منهم هيئة قوية فحمت بذلك الطبقة الوسطى من الأشراف، وعملت على تحرير المدن من سادة الإقطاع؛ وليس أدل على قوتها من أنها قاضت ملك فرنسا لأن جنوده أتلفوا بضائع العصبة، وأرغمت ملك إنجلترا على أن يؤدي ما يلزم من النفقات لإقامة الصلوات طلباً لنجاة أرواح تجار العصبة الهانسية الذين أغرقهم الإنجليز .
ويفضل هذه العصبة انتشرت تجارة الألمان ولغتهم وثقافتهم نحو الشرق إلى بروسيا، وليفونيا ، وإستونيا ، ورفعت بلدان كونجزبرج وليباو وميمل ، وريجا إلى مصاف المدن الكبرى. وكانت العصبة تتحكم في أثمان البضائع التي يتجر فيها أعضاؤها وأوصافها، وبلغ اشتهار أعضائها بالاستقامة أن استخدم الإنجليز لفظ أي (رجال الشرق) بمعنى "نقي أوصاف" وأن أضيف بهذا المعنى إلى لفظي فضة أو ذهب بمعنى موثوق به أو صادق.
ولكن العصبة الهانزية أضحت على مر الزمن عاملاً من عوامل الاستبداد والحماية معاً؛ فقد أسرفت في فرض القيود الاستبدادية على استقلال أعضائها، وأرغمت المدن على الانضمام إليها باستخدام سلاح المقاطعة تارة وبالعنف تارة أخرى، وقاومت المدن والأحلاف المنافسة لها بجميع الوسائل الطيبة منها والخبيثة، ولم تتورع عن استئجار القراصنة للإضرار بتجارة أولئك المنافسين؛ وبلغ من أمرها أن نظمت لها جيوشاً خاصة، وأقامت من نفسها دولة داخل كثير من الدول؛ وبذلت كل ما في وسعها للضغط على طبقة الصناع التي تستمد منها بضائعها وظلم هذه الطبقة، ولهذا أصبح الكثيرون من العمال وغيرهم من الناس يخشونها ويحقدون عليها، ويرون أنها أقوى وسيلة من وسائل الاحتكار قيدت بها التجارة في أي وقت من الأوقات. ولما أن ثار العمال في إنجلترا عام 1381 طاردوا كل المنضمين إلى العصبة الهانسية، واقتفوا آثارهم في أماكن العبادة داخل الكنائس، وقتلوا كل من لم يستطيعوا النطق بلفظي Cheese Bread (الخبز والجبن) بلهجة إنجليزية
*******************
يتبع ذلك فصول متتابعة مطولة عن بداية تطور اوروبا ...و هنا نستمع الى اسماء ملوك عظام و قصصهم المتتالية و يتجسد تاريخ أمم و بلدان فى بعض السير الذاتية لملوك
فحين نفكر فى فى انجلترا نتذكر وليم الفاتح و قوته فى حكم البلد الصغير الممزق , على الطريقة الفرنسية يقسم الدولة الزراعية لاقطاعيات واسعه يبدأ فيها عهد اقطاعى جديد....نتذكر هنرى الثانى و خلافه التاريخى مع توماس ابكت الذى بدأ كوزير له ثم كبير للاساقفة ثم عدو للدولة مطرود ثم قتيل ثم قديس يهزم عدوده فى موته كما لم يستطيع فى حياته...نتذكر ريتشارد الاول الملقب بقلب الاسد و حروبه الصليبية و بهاءه ثم انكساره السريع .... نتذكر الملك جون الذى اهدى العالم دون ان يدرى او يعلم و بدون نية او رغبة فصل دائم بين الملكية و الحكم و ما يشبه الدستور يفتح باب صغير للديموقراطية الناشئة
و عندما نتذكر فرنسا نتذكر فيليب اغسطس العنصر الفرنسى فى الحملة الصليبية الاشهر الذى رفع فرنسا من كونها بلد صغير مشتت الى دولة استعمارية تسيطر و تكتب تاريخ جديد للقارة و ينزل المانيا عن عرش الزعامة ..... و نتذكر لويس التاسع الذى تحول الى لويس القديس ليجمع بين الدين و الملك فى ظاهرة غير طبيعية لم تتكرر الا فى عهد الانبياء.... و فيليب الجميل الملك الاول الذى سيخضع الكنيسة للدولة منذ عصر قسطنين ليتحول البابا نفسه الى لعبة فرنسية
و عندما نتذكر المانيا نذكر فردريك الاول قوى الحكم الحالم باعادة مجد الدولة الرومانية .... و فريدريك الثانى المشاكس الاهم و الاكبر مع البابوية الذى لم يكون احتلاله لبيت المقدس نفسه كافى لرضاء البابا عنه...و هنرى السابع الذى كاد ان يعيد توحيد المانيا و ايطاليا و الذى كسرت هزيمته قلب دانتى و ربما كانت السبب فى ان نستمتع الان ب الكوميديا الالهية
و يختم ديورانت مجلده الدسم الضخم بلمحة عن ايطاليا ما قبل عصر النهضة التى لن نتذوق طعمها حتى المجلد التاسع و العشرين و لكن لذلك حديث اخر
دينا نبيل
مايو 2015
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....