اسم الكتاب: روما 6: ظهور المسيحية ..المجلد التاسع عشر من قصة الحضارة
تأليف: وول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
عدد الصفحات: 263 صفحة
اصدارات: دار نوبليس
التقييم: 5/5
و اخيرا نصل الى المجلد النهائى لرحلة روما العظيمة التى سماها ديورانت بعصر قيصر و المسيح...فبعد كل ما مررنا به مع روما جاء وقتها لترحل كما رحل من قبلها و تسلم مشغل الحضارة لغيرها بعد ان أدت مهمتها
فى مجلد دسم يشمل تاريخ تلك البقعة لهامة من الكون بين عام 4 قبل الميلاد الى سنه 325 ميلادى و كل التغييرات التى حدثت بها و غيرت شكل التاريخ و فرضت نفسها الى عصرنا هذا
علما من المجلدات ال5 الاولى ان الحضارة الرومانية كانت حضارة دولة و سياسة و حرب تاخذ من الدين داعم لعناصرها تلك الاساسية .. لكن اى دين؟ احيانا كان الامر واضحا بالهة الرومان القديمة المملة خالية من الابهار و النشوة كالهة اولمب اليونان , قلنا و نكرر اين جوبتر الممل من زيوس الذهبى و اين الانياذة من الالياذة؟ ...و احيانا لم يعد الامر واضحا بعد فتح اليونان و ايران و العراق و الاهم مصر فصار الدين الرومانى خليط من ديانات شرق و غرب تختلط و تتصارع احيانا و تمتزج امتزاج لطيف احيانا
ربما ظلت اليهودية على حالها القديم فلم تشجعها ولا تضطهدها الحكومات المتتالية لخصائص اليهودية الشهيرة فى الانغلاق و عدم اهتمامها لا بالتبشير ولا بالاشتراك الفعال فى المجتمع الا تجاريا...و حداث كما قرأنا ان اضيفت عبادة الاباطرة نفسهم لسد خانة الدين المعاون للدولة ...و ظلت روما محل لحرية العبادات عموما طالما لم يتعارض الامر مع الاشكال الشكلية لالهة روما القديمة التى احيلت للمعاش قبلها بعصور و مع النظام الامبراطورى
لكن بطول "السلم الرومانى" و اضمحلال الوثنية و ردائة الاباطرة جيل بعد جيل كان لابد من ان يبنى على اطلال كل هذا عصر جديد ....و كان عيسى
****************
يروى لنا ديورانت قصة عيسى , يسوع , المسيح...ذلك الرجل البسيط الذى ولد فى مقاطعة بعيدة لامبراطورية عظمى لا يقدر الشخص -مهما كان متشككا مثل ديورانت- الا ليبتسم و هو يقرأها
نعم...يبدأ ديورانت بقنابله الفكرية و يطرح السؤال الاكبر: "هل وجد المسيح حقا؟" , هل يمكننا الايمان بتاريخية المسيح من اصله؟ ام ان الامر كان من الممكن ان تكون خدعة اخرى من خدع التاريخ الكثيرة؟...ديورانت مؤرخ عقلانى لا يعترف الا بالدلائل لذا فالقارئ العادى "مسيحى كان ام مسلم" قد يصعق حين يرى ديورانت يقلب بين كتبه باحثا عن دليل , نعم ان ذلك القارئ يرتاح -قليلا- حين يطلق ديورانت حكمه بانه فعلا يعتقد بوجود ذلك الرجل المؤثر فى عصره البعيد و ان لا احد يستطيع ان يكون قصة متكاملة الاركان فى جيل واحد ...ربما يجب التنويه هنا ان البحث عن "تاريخية" الشخصيات امر لا يقتصر على المسيح فالامر قد اثير على شخصية ك بوذا بل و سقراط نفسه
يتشكك ديورانت فى مصادر الاناجيل و يكد فى البحث عن مصدر اخر لكنه كغيره من المؤرخين يجد شح واضح يدفعه دفعا الى القبول بالاناجيل احيانا كمصدر محاط بعلامات الاستفهام و خاضعا لقواعد التحليل و النقد
لكنه وسط كل ذلك يروى لنا -بكثير من التأثر- روعة ذلك الرجل الناصرى و تفاصيل حياته القصيرة التى لم يختلف عليها كثيرا , و موته الذى قسم العالم الى الان الى شيع يصعب حصرها
*************
لكن برنارد شو ذو اللسان الحاد قد اعلنها من قبل بان "المسيح لم يكن مسيحيا" ... لذا فحين يكون محور الحديث المسيحية نفسها يكون مركز الحديث هم الرسل فى المقام الاول...فنجد ان تفاصيل حياة يوحنا , بطرس و -قطعا- بولس اكثر اهمية فى تحليل كيف وصلت لنا تلك المسيحية هنا فى عصرنا
لذا فنحن لا نتعجب ان يفرد ديورانت 4 فصول كاملة لشرح حياة بولس و شخصيته مثيرة للاهتمام و مراحلها ك: مضطهد لغيره , مبشر , عالم دينى و اخيرا ك شهيد...و ب بولس يتكمل تحول اليرقة الى فراشة و انفصال شبه تام للمسيحية عن اليهودية
لكن تلك البساطة لم تعد متاحة بعدد عام 96 لتظهر -بالضرورة- التشيع و الطوائف و الفصائل التى لم تكتفى بالعزلة عن غيرها بل تطور الامر الى "تكفير" الطرف الاخر...فنسمع عن الارديه و المانوية و المرسيونية و المتخيلة و اتبع بولس السموساتى و الظاهرية و السابلية غيرها , و تشعب المسيحين حين تكلموا عن طبيعة المسيح و عن الثالوث و عن القيامة و عن التعميد و عن تقريبا كل شئ...تشعب دفع ديورانت لكن يعلن ان المسيحين فى القرون الثلاثة الاولى قد انقسموا الى مائة عقيدة و عقيدة تجعل حتى ذكر اسماء تلك العقائد التى اجهضتها الكنيسة الاساسية واحدة بعد الاخرى امر يجعل منه -اى ديورانت- جاهل بالغرض من كتابة التاريخ نفسه
و عاشت المسيحية و ازدهرت فى السلم الرومانى و فى ظل امبراطور يعبد بعل و حتى وسط اضطهاد دقلديوس ...و عاش الدين بينما كانت تحتضر الدولة
*************
انتهى المجلد الرابع بانتهاء حكم "الاباطرة الخمسة الجيدين" و تولى و موت كادموس قبل ان يتوقف ديورانت المجلد الخامس كله و نصف السادس يهيأ لنا الموقف و يوصف لنا روما الفن و الدين و الادب و القانون لنرجع بعد تلك الجملة الاعتراضية الضخمة الى لحظة موت كادموس...
لم تعد روما جمهورية ، ولا قيصرية ، ولا الجريكية، ولا حتى ارستوقراطية بل ولا حتى ملكية ...ضاعت الديموقراطية على يد اغسطس ليكون زعامة متينة تزعزعت حينا و صمدت حينا الى ان وصلت روما العظيمة الى ذلك اليوم الذى يباع فيه كرسى الامبراطور لمن يشترى و من يدفع اكثر..
يجتمع مجلس الشيوخ فاقد الاهمية و السلطات عام ١٩٣ م ليختار خليفة الامبراطور المقتول ليعين "برتناكس" الصالح ليقلل الانفاق و يخفض الضرائب ...ليقتله بعد ٣ شهور على يد حرسه و تحمل رأسه على طرف الرمح و يعلن قواد الحرس ان التاج لمن يمنحهم اكبر عطاء...ليبدأ المزاد ب٣٠٠٠ درخمة لكل جندى ليصل جليانس بالعطاء الى ٦٢٥٠ درخمة للجندى الواحد ، ليحدث لاول مرة ان يثور اهل روما و يناشدوا فيالق روما فى اطراف الامبراطورية لخلع جليانس و بالفعل يستجيب الجيش او لنقل الجيوش
لكن الامر لم يكن بتلك البساطة فالاستجابة لم تكن لاسباب وطنية بل لغضب هؤلاء من حرمانهم من المال و قصر تلك الرشوى على قواد جيش روما العاصمة دون غيرها ..ليتعقد الموقف حين يصر كل جيش من الجيوش على تولى قائده الامبراطورية ليضاف الى ذلة اهل روما : حرب اهلية...و كما بدأت بالرشوى انتهت بالرشوى ليقتل جليانس باكيا مذعورا و يتولى "لوسيوس سيتميوس سڤيرس جيتا" قائد جيش بنونيا بعهد ان يدفع ١٢.٠٠٠ درخمة للجندى الواحد
و فى خضم الحرب الاهلية يختار مجلس الشيوخ الجانب الخاطئ فأيد خصم و منافس لوسيوس ، ليكون مصيره اعدام عشرات من اعضاءه و مصادره املاك الباقى و ملأ الفراغ باعضاء من اقاليم امبراطورية لتتجاهل العاصمة لاول مرة و بذلك يختفى مجلس الشيوخ الذى اصابه الوهن اصلا من خريطة تاريخ الديموقراطية
و يضرب ب لوسيوس ، كركلا ، ألجابالس...الاباطرة ال٣ المتتالية المثل بفشل منظومة فرض الدين من السلطة على الشعب ، فينما كانت المسيحية تنتشر عبر قاعدة الجماهير و بحلم بالوصول الى الاغنياء و الحكام ، حلم الحكام ال٣ بفرض عبادة بعل الشرقى على روما و اقامة المعابد له و محاولة استبدال جوبيتر و الهة الرومان التقليدية
و حاول ألجابالس متأخرا جدا ان يكون معبد تعبد فيه كل الاديان فتوضع صور جوبيتر و ارفيوس و ابراهيم و المسيح فيه ، و اعادة مجلس الشيوخ...فاستغل الفرس و الالمان الامبراطور الفيلسوف القديس و هجموا على الاطراف المنهكة ليحاول رأس الدولة الهادئ ان يتجه للسلم فما كان من جنوده الا ان قتلوه فى خيمته
لكن الوقت لم يكن عصر الوثنية عموما لا بعل ولا غيره...و لم يكن وقت فلسفة ولا عصر الديموقراطية ، كانت الاعوام بعد ٢٣٥ م هى عصور الفوضى
*************
عصر الفوضى الذى ان اردنا تلخيصه فى جمله من جمل ديورانت ستكون تلك:
( ولسنا نريد أن نذكر بالتفصيل الممل أسماء الأباطرة الذين جلسوا على العرش في هذا العصر الدموي الذي سادته الفوضى، ولا أن نذكر وقائعهم الحربية وقتلهم ومماتهم. وحسبنا أن نقول إن سبعة وثلاثين رجلاً نودي بهم أباطرة في الخمسة والثلاثين عاماً الواقعة بين حكم الاسكندر سفيرس وأورليان )
لتتهاوى الامم على الرومان و اطراف الامبراطورية المنهكة من جانب و تمزق روما الخلافات من داخلها لتتكون حكومة رباعية الاطراف تتنازع كثيرا و تتقاتل اكثر فيؤدى الامر ان تنقسم السفينة الغارقة اخيرا...فتتكون الامبراطورية الشرقية و الغرببة تحت قيادة قسطنين المسيحى تاركا عاصمته القديمة و يكون له مدينة يكون لها شأن فى زمن أخر او بوصف ديورانت نفسه :
"اضطر قسطنين ان يكون اكثر تصميما من ذى قبل على التحالف مع المسيحية ، و هكذا بدأت حضارة جديدة ، مؤسسة على دين جديد ، تقوم على أنقاض ثقافة مضعضعة و عقيدة محتضرة....لقد بدأت العصور الوسطى"
و بعد اعلان ديورانت لدخولنا العصور الوسطى ينهى كتابه القيم الثرى بشكر للقارئ الصبور الى وصل لهذا الحد...انتهت قصة روما لكن لم تنتهى الحضارة ولا قصتها ، اذا فلا محالة من الانطلاق للمجلد ال٢٠ لتبدأ العصور الوسطى او عصر الايمان كما اسماه ديورانت
دينا نبيل
٥ مارس ٢٠١٥
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....