اسم الكتاب: عصر الايمان 2 - الحضارة الاسلامية - المجلد الحادى و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: وول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
عدد الصفحات: 304 صفحة
اصدارات دار نوبليس
التقييم: 5/4
انتهت بنا قصة حضارة البشر فى المجلد السابق ال20 عن عالم يكاد يتهيأ لحضارة جديدة تقود العالم و تضيف للمحتوى الانسانى بعد سقوط روما و انحطاط بيزنطة و فوضى ايران و عدم جدوى البعث فى بلاد اليونان ... و بالفعل يحول ديورانت مجهوده فى المجلد الذى بيد ايدينا و ما يليه الى حضارة الاسلام , مجهود رائع موسع يجعلنا نقييم فعلا ثقل تلك الموسوعه و بحثها المضنى فى تفاصيل الحضارة و بعهدها عن الروايات المغالى فيها او الموجهة
*******************************
مجلد دسم , مكثف , بديع نرى فيه مجهود ديورانت العقلى ... يقابله حساسية مفرطة من محمد بدران المترجم افسد الامر او كاد
يطلب محمد بدران من ديورانت ان يكون مسلم اكثر من المسلمين , سنى اكثر من السنة ... يطالبه بأكثر ما يجب لكاتب غربى , فيكثر الهوامش و يطيل و -اكرر- يكاد يفسد المجلد برمته , و يصل الامر فى موقف غريب ان يستعين بخدمات دكتور محمد يوسف موسى ليعلق معه فيتضاعف عدد الهوامش و حجمها و بدلا من الاستعانة بالمقدمة او جمع تلك الاراء كتذييل يجعل مهمة القارئ شاقة و مشتته ...و السبب فى هذا الموقف فى رأيى هو اصرار المترجم على حمل رايه الدفاع عن الاسلام و لو بالتلميح او بالاشارة رغم موقف ديورانت المعروف و سابق التعليق عليه فى المسيحية و اليهودية الذى اطرب محمد بدران سابقا
لكن -و الحق يقال- ليست كل الهوامش مملة او دفاعا فيصحح بعض الاخطاء التى وقع بها كذكره ان ماريا كانت هدية النجاشى و هى فى الحقيقة هدية المقوقس , و كما مزج ديورانت بين بين ابيات المعرى و ابن عربى و بذل مجهود رائع فى البحث عن الابيات و استعان بكبار المؤلفين و المكتبات ... كما يجب ايضا التنويه ان تلك التعليقات مفرطة الطول تنتهى بعد الفصول القليلة الاولى
و اشارة اخيره فى هذا الموقع لاغلاق هذا الموضوع , أود التنبيه ان بعض اخطاء من المؤلف او بعض التجاوزات من المترجم لا تلغى ابدا اهمية التعاون الرائع بين محمد بدران و ديورانت و دار نوبليس فى ايصال احدى اجمل موسوعات التاريخ العام للقارئ العربى و ان انتقادنا نوع من طلب الكمال الذى لم يمنحه الله لاحد
******************************
يبدأ ديورانت برسم صورة عامة للجزيرة العربية تاريخا و جغرافيا ربما لاستخدمها كمرجع للمقارنة فيما بعد , ثم يبدأ فى رواية حياة النبى محمد بكثير من التبجيل و الاعجاب -كما قص قصة عيسى بنفس الحماس- لم يستخدم قصص المستشرقين المعتاد عن "النهم الجنسى" عند المسلمين بل و فند القصص المتداولة عن اصابة النبى بالصرع و هى من اشهر القصص عند مشككى النبوة من العرب و الغرب , و تشعر انه كتب القصة من مصادرها العربية اكثر من غيرها ... و فى هذا الموقف نشير ان ديورانت يقص عن النبى محمد بكثير من الحب و الاعتدال و هو ما لم يفعله بعض العرب انفسهم
و يتطور نفس الامر لقصة الخلفاء الراشدين فلا نجده شامتا فى مواقع ضعفنا كمواقع صفين و الخوارج و الجمل مثلا ... بل انه خفف كثيرا من واقع حروب الردة فى عصر ابو بكر و لم يذكر ما ذكره المؤرخين العرب انفسهم عن اهوال تلك الحرب و ما اثرته لاحقا من مشاكل فقية و نفسية عند المسلم الحديث , و موقف اعجابه من عمر بن الخطاب لا يوازيه الا اعجابه بالقديس بولس
و بنفس الاسلوب الهادئ المكثف يقدم لنا تاريخ الاموية و العباسية ... و يبتعد عن قصص المغالاه و لا ينظر ديورانت للامر نظرة الغربى لحكايات الشرق كاستبعاده لتبرير قصص الف ليلة و ليلة -قصة زواج العباسة و البرمكى المتوقف- للنكبة البرامكة الشهيرة
و نرى هنا حلقة أخرى من حلقات حركات الشيوعية عبر التاريخ
(كانت الصدقات كثيرة متعددة، وكان في وسع الفقير إذا ضاقت به السبل أن ينام في أحسن بناء في المدينة-وهو مسجدها، ومع هذا كله فإن حرب الطبقات الأبدية لم تخمد جمرتها قط، وكان لهيبها يندلع من آن إلى آن في البلاد الإسلامية (778، 769، 808، 838) في ثورات عنيفة. وكانت هذه الثورات تستتر أحياناً بستار الدين لأن الدين والدولة كانا في البلاد الإسلامية شيئاً واحداً, وكان منهم شيع كالحزمية والمحيدة تعتنق آراء مزدك الفارسي الشيوعية؛ ومنهم شيعة أطلقت على نفسها اسم سرخ علم أي "العلم الأحمر" وقام في عام 772 رجل في خراسان يدعى هاشم المقنع وقال إن الله قد حل في جسمه، وإنه بعث ليعيد شيوعية مزدك.
واجتمعت له حوله عدة طوائف، وهزم كثيراً من الجيوش التي أرسلت للقبض عليه، وظل ثلاثة عشر عاماً حاكماً على بلاد فارس، ثم قُبض عليه أخيراً (786) وأعدم. وأثار بابك الخزاني الفتنة نفسها في عام 838 وجمع حوله طائفة سميت المحمرة، واستولى بها على آزربيجان، وظلت قبضته اثنتين وعشرين سنة، وهزم عدة جيوش، وقتل (على يد قول الطبري) 225.500 جندي وأسر قبل أن يهزم. وأمر الخليفة نفسه جلاد بابك نفسه أن يقطع أطرافه طرفاً طرفاً، ثم خزق أمام قصر الخليفة، وحملوا رأسه إلى خراسان وطافوا به في مدنها ليذكر كل من يراه أن الناس كلهم يولدون غير أحرار وغير أكفاء.)
********************************
لكن بالفعل الجزء الذى توسع فيه ديورانت هو ذكر تفاصيل المدن و العمارة و التفاصيل الحضارية فى مدن الاسلام الكثيرة المضيئة وسط ظلام العصور الوسطى الشهير ... و لعل هذا متوافق تماما مع سبب كتابة ديورانت للموسوعه فى المقام الاول فبيان كيف اخدت الحضارة الاسلامية فن العمارة و الحضارة اضافوا عليها و عدلوها و منحوها للحامل التالى لشعلة الحضارة الانسانية
و فى هذا المقطع بذات يتضح ما بلغه الفنان المسلم رغم عقبات التحريم
وأكبر الظن أننا مدينون بما بلغه فن الزخرفة من عظمة وفخامة إلى تحريم الساميين تمثيل صور الإنسان والحيوان في الفن.. فكأن الفنانين المسلمين أرادوا أن يعوضوا هذا التحريم فاخترعوا هذا الفيض الغامر من الأشكال غير البشرية أو الحيوانية، وأخذوا ما كان منها موجوداً عند غيرهم. فبحث الفنان في أول الأمر عن منفذ لمواهبهِ الفنية في الأشكال الهندسية-الخط، والزاوية، والمربع، والمكعب، والكثير الأضلاع، والمخروط، والشكل اللولبي، والقطع الناقص، والدائرة، والكرة؛ وكرر هذه الأشكال كلها وركب منها مئات التراكيب، وأنشأ منها الدوامات، والأربطة، والخطوط المتشابكة المتداخلة، والنجوم. ولما انتقل إلى الأشكال النباتية عمد إلى المواد المختلفة، فصور من مختلف المواد، تيجاناً، وكروماً، وأزهار البشنين، والكُنْكُر، وخوص النخل وجريده. فلما جاء القرن العاشر مزج هذه كلها فأنشأ منها الزخرف العربي الذائع الصيت، وأضاف إليها كلها حلية فذة كبرى هي الكتابة العربية. ذلك أنه عمد في العادة إلى الحروف الكوفية فأطالها إلى أعلى أو مدها على الجانبين، أو نمقها بالذيول والنقاط، حتى استحالت الحروف الهجائية على يديه تحفة فنية ذات روعة وجمال.
*****************************
و ينبهر ديورانت ب ابن سينا , الفاربى , و خاصة ابو العلاء المعرى الذى اطال فى الاستشهاد به و بشعره....و خلاصة القول ان ديورانت استطاع فى مجلد محدود الصفحات ان يكثف ما اضافته المنطقة الشرقية من الاسلام لحضارة الانسان....و لكن الشق الغربى منه فلذلك قول اخر فى المجلد ال22 من قصة الحضارة الطويلة
دينا نبيل
٢١ مارس ٢٠١٥
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....