اسم الكتاب: اليونان ٥ - انتشار الهلنستية - المجلد الثالث عشر من مجلدات قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
عدد الصفحات: ٢٥٥ صفحة
المترجم: محمد بدران
اصدارات دار نوبليس- بيروت
اذا كان المجلد السابق هو "انتحار اليونان" فهذا المجلد يستحق لقب احتضار اليونان ...و به تنتهى سيطرة بلاد الاغريق بكل مدنها اللامعة : أثينا ، اسبرطة ، رودس ، مقدونيا و مدن البلويونيز الاخرى بعد ان تناوب الجميع على القيادة حينا و التعارك أحيان أكثر
و بقبلة الحياة -او ربما الخنجر الاخير- الذى اهداه لهم فيليب المقدونى و اسكندر مالك نص العالم تحولت اثينا من قيادة العالم سياسيا الى كونها مدينة أسيرة نعم لكن المهيمنة الاولى ثقافيا على العالم الاوسع القديم
و مصطلح " الهلنستية" كما وضح لنا بدران سابقا يعنى انتشار الثقافة اليونانية خارج اليونان
فبعد موت اسكندر و تقسيم الامبراطورية بين الاصدقاء سادت الثقافة الاثينية فى عوالم فارس و الشام و العراق و ربما الاهم مصر ....لكن يبدو ان اطلاق اللفظ على عواهلة خطأ فى حد ذاته و هو الشئ الذى يحاول ديورانت تجنبه طيلة الكتاب
نعم سادت ثقافة أثينا و عاداتها بل و لغتها لفترة لكن بدون تغيير؟ يثبت لنا التاريخ اولا و ديورانت ثانيا ان لا شئ يدخل مصر و يخرج منها على حاله .... فعالم الشرق الادنى الخصب الاقدم فى سلم الحضارة فى الدين و اللغة خاصة لم يكن ليتخلى بسرعه و سهولة عن اصله حتى و ان طليت سريعا و دون اتقان طبقة من "الأثينية" فوق كل شئ
فتتبع مجرى الامور و لا نموذج اوضح من البطالمة فى مصر القديمة التى نراها سرعان ما تبنت النظام الاقتصاد ذاته للفراعنة مع الفلاحين و ارض مصر الزراعية الشاسعة ....فعاد تأجير الاراضى للفلاح و المعدات و توريد اغلب الحصاد و رجع اشراف الحكومة المركزية على التجارة بوكلاء معينين من قبل الدولة لتوزيع بضائع الدولة....بل تحول بطليموس و ابنائه من بعده فرعون-ملك-محسن-منقذ كعادته المصريين فى كل عهد ، ربما تحدثت الطبقة العليا اليونانية لكن كون الوسيط بينهما الاسكندر و من بعده بطليموس ابناء مقدونيا الملكية منع وصول الديموقراطية اليونانية بدورها ربما لان اثينا ذاتها كانت قد اجبرت فى هذا العصر على تركها هى الاخرى
و بنموذج الاسكندرية مركز التنوع الثقافى بين المصريين و البطالمة و اليونان و اليهود و الزنج فى مجتمع لم يتوفر حتى فى عز أثينا ان تكون طبقاته بهذا القرب و الاختلاط خاصة مع الصعود الاجتماعى الباهر للنساء فى الادب و السياسة و هو ما حرمت منه كثير حتى فى ظل الديموقراطية الاثينية
ينتهى الامر اذن بالنهاية المتوقعة فلم تنجح الهة اليونان مهما تم دعمها من نظام الحكم او رجال الدين مدفوعى الأجر ...فرجعت عبادة ايزيس و تحول سرابس الاله الى اصله الاول فصار مرة أخرى اوزريس ...و هو ما يراه ديورانت مقدمة لتحول الاولى الى مريم و الثانى الى مسيح بعد عهد لم يعد بعيد
*****************
اكثر من فصل خصصه ديورانت لليهود فى هذا الكتاب -بعد تخصيص جزء لهم فى المجلد الثانى و هو ما سيتكرر فى مجلدات لاحقة فضرب عليهم ديورانت الشتات و لم يجمع قصتهم فى كتاب واحد قط- خاصة ان تلك الحقبة موضع الكتاب هى الحقبة المفترضة فى "كتابة" كثير من اسفار العهد القديم
قامت عملية الأغرقة ان صح التعبير على اليهود كذلك و كما لم ينجح مع المصريين لم يفلح مع اليهود و لسبب لجؤ أنتيوخوس الرابع الى العنف معهم و كثير من القتل و الرشو لزعمائهم ادى ذلك الى النهاية الاكثر توقعا ، غلبة التشدد و التقوقع أكثر فاكثر و تطورت فئة (المتقين) المتزمتة ..الامر الذى ادى بعد حروب و تطورات كثيرة الى اللجؤ فى النهاية الى روما للتخلص من اليونان بشرط معنى فضفاض اقرب للحكم الذاتى
و بتعاون متبادل بين يهود مصر -المنعمين نسبيا و متحدثى اليونانية- و بين يهود فلسطين بما مروا به من شدائد كانت كتابة العهد القديم ، فترى برؤيا العين الفارق الحسى بين نشيد الانشاد الذى دون بقلم يهود اسكندرية و بين سفر دانيال المدون فى فترة و مكان الاضطهاد بقلم فئة المتقين فى فلسطين.....و تسرب -فى رأى ديورانت- مفاهيم البعث و الخلود و الثواب و العقاب الابديين من ديانات الشرق الادنى فتكون "دين جديد اقوى من دين اليهود" نفسه
**********
و يتبقى لنا حديث ديورانت المطول عن فن عصر التشتت بنهضته و غزارته المفاجأة و ما اسماه استسلام الفلسفة ليرجع مرة أخرى الدين الى الساحة بعد عصر سقراط و رفاقه و بحث الانسان عن الانضباط الدنيوى الذى ربما اثبت فشله
ليمهد لنا بفصل قصير عن روما ، تلك التى ينتابع قصتها بدءا من المجلد القادم ....المجلد الرابع عشر فى رحلة ديورانت ، انا ، و الحضارة الطويلة
دينا نبيل
١١ يناير ٢٠١٥
0 التعليقات:
إرسال تعليق
حلو؟؟ وحش؟؟ طب ساكت ليه ما تقول....