الأربعاء، 24 يونيو 2015

قصة الحضارة 29 -النهضة 1- عصر النهضة

اسم الكتاب:النهضة 1- عصر النهضة -المجلد التاسع و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
عدد الصفحات: 339 صفحة
اصدارات دار نوبليس
التقييم: 5/5

نعود الى ايطاليا مرة اخرى مركز للاحداث بعد غياب دام تسعة مجلدات -و قارئ قصة الحضارة الذى اتخذها عادة يقيس التاريخ بالمجلدات و الصفحات لا السنوات و القرون- لنجد ديورانت ينير لنا الضوء عن ايطاليا تنتفض بعد عقود طويلة لتأخذ الريادة و تضئ العالم مرة اخرى بعد ان قادته قديما.

ربما يجب ان ان نعد ثورة "ريندسو" فى روما بداية لا بأس بها لذلك العصر حين نزع "ابن صاحب الحان و الغسالة" الملك من اشراف روما و النبلاء "المتنازعين الناهبين" لتثير خيالات روما القديمة النفوس و يتذكر الجميع الاخوين جراكس و شيشرون و اعادة الجمهورية المجيدة خاصه مع اتفاق البابا و بعثه مرسل منه كشريك فى الحكم ...و يصدم الجميع من نجاح ارادة "ريندسو" و اعادة الامن المفقود و تجفيف المستقعنات و عودة العدل بعد غياب الى محاكم روما و وشك حلم لم الشمل القديم على التنفيذ.

و محب قراءة التاريخ يدرك نهاية تلك الثورة و ان لم يقرأ عنها ولا عن عصرها , ذلك ان التاريخ يعلم دروسه المتتالية لمن اراد و هم ليسوا بالكثرة على اى حال, فسكر "ريندسو" بنشوه انتصاره على الاشراف فامتطى صهوة جواد ابيض و يتقدمه الف حارس مسلح و يرتدى الثياب الحريرية البيض باهداب الذهب فى موكب تحت رايات الملكية و يهمل ممثل البابا , فيخير بين الخلع و بين القبول اقتصار حكم روما الدنيوية بمعنى التخلى عن حكم باقى ايطاليا لم الشمل من جانب و عن اخضاع الكنيسة للحكم الدنيوى من جانب اخر ...و عموما لم تمر فترة طويلة حتى صدر مرسوم بابوى يوصفه بالالحاد و الاجرام

حتى هنا تعد قصة تاريخية "كلاسيكية" للغاية غير ان تاريخ روما قلما يقدم لنا قصص عادية فكانت التكملة العجيبة, بعد هرب ريندسو الى براج و من ثم عودته للمحاكمة كنسيا شعر الرومان بالذل حتى ان بترارك فى خطبة شهيرة له يقول:

"ان زعيمكم السابق أسير الآن في أيدي الأجانب، وكأنه-ويا للهول حقاً!- لص من لصوص الليل أو خائن لبلاده، يعرض قضيته وهو مصفد في الأغلال، تأبى أعلى محكمة أرضية أن تمكنه من الدفاع المشروع عن نفسه... إن روما بلا ريب لا تستأهل هذه المعاملة. لقد كان أهلها من قبل غير خاضعين لقانون أجنبي... أما الآن فيساء إليهم بلا تمييز بينهم. ويلقون هذه المعاملة وهم براء من إثم الجريمة بل وهم جديرون بالثناء العظيم الذي يستحقه أهل الفضيلة ... وليست التهمة الموجهة إليه هي خيانة الحرية، بل هي الدفاع عنها، وليس ذنبه أنه سلم الكبتول بل ذنبه أنه حماه. وإن أعظم التهم الموجهة إليه، والتي يجب أن يكفر عنها فوق المشنقة هي أنه قد جرؤ على التوكيد بأن الإمبراطورية الرومانية لا تزال قائمة في روما، وأنها لا تزال مسيطرة على الشعب الروماني. ألا تباً لهذا الزمان! وتباً لتلك الغيرة الشنيعة، وذلك الحقد المنقطع النظير! أين أنت أيها المسيح! يا أعدل القضاة ويا أحكم الحاكمين؟ أين عيناك اللتان تعودت أن تبدد بهما سحب شقاء البشرية؟... لم لا تقضى ببرقك و صواعقك على هذه المحاكمة الدنسة؟"

و ربما نجحت الضغوط فاصدر الحكم بالسجن بدلا من الاعدام بل فى السجن فى السجن البابوى , لتقام ثورة اخرى رافضة تماما للكنيسة ليبعث ب ريندسو ك نائب لممثل الكنيسة "لاخضاع روما" لها و قبل مرور شهرين أشعل الغوغاء النار في الأبواب واقتحموها، ونهبوا الحجرات. وسيق أسيراً إلى سلم الكبتول، حيث كان هو من قبل قد حكم على الناس بالإعدام. وطلب إلى الشعب أن يستمع له، وحاول أن يستميل قلوب العامة بخطبته، ولكن أحد الصناع خشي أن يتأثر هؤلاء بفصاحته، فقطع عليه كلامه بضربة سيف في بطنه. وتبعه مائة من أشباه الأبطال فأنفذوا خناجرهم في جسده الميت. ثم سحبت جثته والدم يسيل منها في شوارع المدينة وعلقت في حانوت قصاب كما تعلق جيف البهائم. وبقيت على هذه الحال يومين تعرضت في خلالهما لإهانات الشعب وحجارة الغلمان

و خسر بترارك من تأيده ل ريندسو كما خسر دانتى سابقا من تأييد هنرى السابع و كما ييخسر لاحقا ميلتون من تأيده للثورة الانجليزية فى بيان اخر لفشل زواج المثقفين بالسلطات المتغيرة

لكن بترارك وبوكاتشيو رسموا قصدا كان او غير قصد خطوط النهضة القريبة بعد نضج دام على 10 قرون و ان اوان حصادها و ان كان المدخل الى المستقبل هو الرجوع المؤقت لاداب السابقين

و لأننا فى مجلدات عصر النهضة الايطالى فلابد ان يكثر الحديث عن المعمار و النحت و الفن المصور و هو ما يترك عبء البحث عن القارئ الذى يريد اكمال متعته بالاستعانة قدر الامكان بالصور لان -للاسف- تكلفة طباعه مجلدات قصة الحضارة الكثيرة تمنع الحاق صور ذات جودة عالية , لذا حين يحدثنا ديورانت عن "جيوتو" و انقلابه الفنى الذى سيطلق فنون النهضة من الجمود و الكآبة البيزنطى الى الحركة , نجد انفسنا مضطرين للجوء الى مصادر اخرى خارجية و مساعدة لاكمال الصورة و عدم الاقتصار على الخيال
****************
عصر الايمان شهد اقصى قوة للكنيسة التى كادت ان تكون اوروبا الموحدة التى حلم بها البابا تلو الاخر..خضعت لها ملوك اوروبا العظام واحد تلو الاخر فاستحقت العشرة قرون اسمها و عندما نتحول الى عصر النهضة نجد الكنيسة تنحدر و تبعد عن دائرة الضوء

و يبدأ الامر فليب الرابع ملك فرنسا الذي أثار دهشة العالم المسيحي بهزيمة البابا بنيفاس الثامن، وبعدم اكتفائه بهذه الهزيمة بل اضاف إليها القبض عليه، وإذلاله، ومنع الطعام عنه حتى كاد يميته جوعا...ليتحول البابا تلو الاخر الى لعبة فرنسية و ثم غلبه فرنسا على كل المناصب 113 كردنالا فرنسياً لمجمع الكرادلة المؤلف من 134 كردنالا...و يتحول مقر البابوية من روما الاصل الى أفنيون الواقعه على حدود ايطاليا و فرنسا فى ذلك الحين و الان هى فرنسية بالكامل

و بيبيع المناصب الكنيسة و صكوك الغفران تمتلأ الخزائن لنجد علامات جديدة للبزخ فى البابوية و هنا نستعين بامثلة ديورانت:

كان كلمنت السادس مثلا محوطاً بأقاربه من الذكور والإناث يرتدون أثمن الثياب والفراء، وبطائفة من الفرسان، والأتباع والجنود المسلحين، والقساوسة، والحجاب، ورجال التشريعات، والموسيقيين، والشعراء، والفنانين، والاطباء، والعلماء، والخياطين، والفلاسفة، والطباخين من كانوا موضع حسد الملوك. وكان هؤلاء جميعاً البالغ عددهم قرابة أربعمائة شخص يطعمون، ويكتسون، ويسكنون، ويتقاضون مرتبات من بابا مولع بالإسراف لم يعرف في يوم من الأيام ماذا يتطلبه جمع.

وكان كلمنت يرى نفسه حاكما من واجه أن يقذف الرعب في قلوب رعاياه، وأن يؤثر في نفوس السفراء بضروب "الاستهلاك البادي للعيان" كما يفعل الملوك. وكان لا بد للكرادلة أيضاً، وهم مجلس الدولة الملكي وأمراء الكنيسة في الوقت عينه، أن يكون لهم ما يليق بمكانتهم وسلطانهم من مظاهر، فكانت حاشيتهم، وبطانتهم، ومآدبهم حديث أهل المدينة. ولعل الكردنال برنارد الجرفيزي قد جاوز في التنعم والأبهة الحد المعقول حين أستأجر واحدا وخمسين مسكنا تقيم فيها حاشيته، وفعل فعله الكردنال بطرس البنها كي الذي كان في خمسة من اسطبلاته العشرة تسعة وثلاثون حصاناً من أحسن طراز منعمة مستريحة. ونهج هذا النهج عينه الأساقفة أنفسهم، وكانت لهم هم أيضاً قصور فخمة مليئة بالمهرجين، والبزاة، والكلاب، على الرغم من احتجاج المجالس المقدسة في الأقاليم.

و بين تنقل و قلق الكنيسة و مقارها بين روما و مرسيليا و حدود فرنسا-ايطالية كانت الدراما و الحرب و كثير من سفك الدماء لملأ الخزائن البابوية الفارغة و اجبار الولايات البابوية على العودة للكنيسة الام

وكان البابا في خلال ذلك قد سير إلى إيطاليا قوة من الجنود البريطانيين المرتزقين الجفاة بقيادة "الكردنال المندوب البابوي ربرت من أهل جنيفا". وخاض ربرت غمار الحرب بوحشية لا يكاد يصدقها عاقل، من ذلك أنه لما استولى على كازينا بعد أن قطع على نفسه عهدا بالعفو عن أهلها قتل بالسيف كل من كان فيها من رجال ونساء وأطفال. وكان جون هوكودك يقود جنود المرتزقة في خدمة الكنيسة، فذبح هو الآخر في فائندسا أربعة آلاف من أهلها لارتيابه في أن البلدة تريد الانضمام إلى الثورة.
***************
و من المال التجارى و ثروة الطبقة المتوسطة كانت بداية الاهتمام بالفنون و الاداب فاشترت مخطوطات الزمن الغابر و وضعت بين ايدى عقول تحررت من النزعة الزمنية ارتاب من قواعد الكنيسة التعسفية و لم يعد يرهبه الخوف من الجحيم خاصة حين انحدر مستوى افراد الكنيسة بحسد و غل معلن ظاهر ... و من قلب افعال اواخر العصور الوسطى ولدت النهضة فقيام الجامعات و زيادة حركة الترجمة و انتشار العلم و رجوع الفلسفة , فتحرر من قيود العقل محبا للجمال و للفن و ابدع فى تلك الفترة النهضاوية ... لكن اسس قيام النهضة كانت هى نفسها اسس انقضاءها حين سرت الفوضى الاخلاقية و النزعة الفردية , و لكن لم الاستعجال على النهايات؟ فلذلك قول اخر

اما البداية فكانت فلورانيس التى تملكت التجارة , تعرضها لجنسيات مختلفة و اديان مختلفة تعلمها ببطئ التسامح و قبول الاخر و البعد عن تزمت الكنيسة فيما عداها ...و تمدها بالمال اللازم ل"رفاهية" النهضة الفنية بل و رفاهية قليل من الديموقراطية و الانتخابات تصنع سلم اجتماعى مصحوب بتنافس و حركة و لعلها بعض المؤامرات مختلف تماما عن حال الاقطاع و رقيق الارض

و يبدو النظام ديموقراطى اذ ا قورن بسيطرة الباباوية على اوروبا و بالاقطاع الفرنسى الجاف و رقيق ارضه المسحوقين...لكنه يظهر كنظام الجيركى ضيق اذا قورن بالديموقراطية الاثينيه فعدد الناخبين لا يزيد عن 3200 ولا يشتمل على اى من مواطنين المدن الخاضعة للفلورانسا
***************
و هنا نحب ان ندون حركة شيوعية اخرى من حركات الثورة التى تمتلأ بيها سطور التاريخ قبل ماركس بقرون ..و تبدو باهتة على صفحات الكتب لكنها تثير الذهن و الحماس ان رأها الفرد رؤيا العين

حدثت فتنة ممشطي الصوف التي جعلت لطبقات العمال السيطرة على البلدية فترة قصيرة عصبية. وتفصيل ذلك أن عاملا حافي القدمين يدعى ميتشيلي دي لاندو قاد هؤلاء الممشطين واندفع بهم إلى البلاتسوفيتشيو وطردوا كبار الموظفين، واقاموا مكانهم دكتاتورية العمال عا 1378. والغيت حينئذ القوانين التي تحرم إنشاء الاتحادات، ومنحت الاتحادات الصغرى حق الانتخاب. وأجل أداء ما على الأجراء من ديون مدة اثنتي عشر سنة.

وخفضت فوائد هذه الديون ليخفف بذلك العبء على الطبقات المدينة. ورد زعماء العمال على هذا بأن اغلقوا حوانيتهم، وأغروا ملاك الأراضي بقطع الطعام عن المدينة. وضايق ذلك الثوار فانقسموا حزبين أحدهما يتألف ارستقراطية العمال وقوامه الصناع الحاذقون، وثانيهما »جناح يساري« تدفعه إلى العمل آراء شيوعية، وانتهى الأمر بأن جاء المحافظون برجال أشداء من الريف، وسلحوهم، وقلبوا الحكومة المنقسمة على نفسها، وأعادوا السلطة إلى طبقة أصحاب العمال سنه 1382

**************
و القراءة فى صفحات عصر النهضة ممتعة و التنقل بين مؤمرات الحكام و المدن و التنقلات المستمرة بين الديموقراطية و السلطوية و بين الاتحاد الايطالى و تشتت مدنه الصغيرة

و التنقل بين رجال متفردين ك كوزيمو لورندسو و تباديل الزمن على عائلة ميديتشي و احوالها شئ يثير العجب و يجعلنا نتسأل كيف عاش اهل ايطاليا هذا كله؟ ... لكن العالم استفاد من كل المؤامرات و التقلبات السياسة رسم عظيم و نحت مبهر نتج من كرم اهل الجمهورية و رئيسهم

و شخصية لورندسو هو مثال لرجل النهضة المحب للعلم و الفن و ال"حاوى" لاساليب السياسة و لم يكن يختلف عن افكار هذا العصر الخيالى الا فى نقطة العنف

و تفصيل ذلك ان واجه لورندسو بعد قليل من عودته من روما أولى أزماته الكبرى التي لم يفلح كل الفلاح في معالجتها. وتفصيل ذلك أن منجماً من مناجم الشب في ناحية فلتيرا - وهي جزء من أملاك فلورنس- قد أجر إلى بعض المتعهدين أكبر الظن أنهم كانوا ذوي صلة بآل ميديتشي. فلما تبين لأهل فلتيرا أن المنجم يدر ربحاً موفوراً طالبوا بأن يكون للبلدية قسط من هذا الربح. فأحتج المتعهدون على هذا الطلب، ورفعوا امرهم إلى مجلس فلورنس الأعلى. وزاد المجلس المشكلة تعقيداً حين أمر بأن يذهب الربح بأجمعه إلى بيت مال دولة فلورنس كلها. واعترضت فلتيرا على هذا الأمر، وأعلنت استقلالها، وقتلت عدداً من الأهلين الذين عارضوا في انفصالها عن فلورنس.وأشار توماسو سودير يني بتسوية الخلاف بالتوفيق بين الطرفين، ولكن لورندسو رفض ما عرض عليه من وسائل التوفيق، وكانت حجته أن ذلك يشجع الفتن وحركات الانفصال في أنحاء أخرى من الدولة، وأخذ بهذا الرأي، وأخمدت الفتنة بالقوة القاهرة، وأفلت زمام جنود فلورنس المرتزقين، ونهبوا المدينة الثائرة فلم يسمع لورندسو إلا أن يعجل بالذهاب إلا فلتيرا، ويبذل جهده لإعادة النظام وإصلاح ما فسد من الأمور، ولكن ذلك العمل بقي وصمة في سجل حكمه.

لكن حتى العنف ينسى سريعا فى زحام الانجازات و السلم الذى اشتاق له اهل فلورانس كثيرا
**************
ولا يمكنا الحديث عن عصر النهضة دون ان نذكر الكتاب الانسانيون من يعتبرهم الكثيرين البداية الحقيقية لتفكير رجل عصر النهضة خيل إلى هؤلاء أن روما الإمبراطورية أعظم نبلاً وكرامة من انزواء المسيحيين المؤمنين في صوامع الأديرة، كما أن الحرية التي اتسم بها تفكير اليونان في أيام بركليز والرومان في عهد أغسطس قد أفعمت عقول كثيرين من اٌلإنسانيين بالحسد الذي حطم في قلوبهم العقائد المسيحية التي تحث على التذلل، والإيمان بالدار الآخرة، والعفة، وأخذوا يتساءلون عما يدعوهم إلى إخضاع أجسامهم، وعقولهم، وأرواحهم إلى قواعد رجال الكنيسة الذين انقلبوا وقتئذ رجالا دنيويين، وأخذوا هم أنفسهم يمرحون ويطربون.

فتعلق هؤلاء باليونانية لغه و علوم و اداب و فن , و اصبحت روما عاصمتهم الروحية و الفكرية و وجدوا فى خرائبها مجدا يزيد عن مجد الكنائس , كرهوا المسيحية سرا كثيرا و جهرا نادرا , بل حاول بعضهم ان يجد توازن ما بينهم , وكانت العشرة القرون التي انقضت بين قسطنطين ودانتي في نظر هؤلاء الإنسانيين غلطة يؤسف لها أشد الأسف، و انتصر افلاطون بعد قرون من تسلط افكار ارسطو
***********
لكن وسط كل أبهة الفن و جمال الادب و الشعر تظهر شخصية تليق اكثر بالقرون العشرة التى سميت بالعصور الوسطى اكثر مما تليق وسط نهضة ايطاليا الخلابة

انطلق "سفنرولا" فى رحلة عجائبية مثيرة بين ما يشبه النبوة الى الحكم ثم الاستشهاد فاللعن فاختلاط هذا كله مكونا احد اغرب شخصيات سياسة النهضة على الاطلاق

بدأ سفنرولا ك راهب ثم انتقل الى ما يشبه الداعية ولا نعلم ان كان اعجبه الحديث الى الجمهور خاصه بعد اقناعهم ان حديثه وحى من الاله و ليس رأيى او توقع او لا لكن النتيجة كانت تفرغه للخطابة و للتنديد المستمر بالفساد الخلقى و ربما ان تفرغ لهذا ايضا لمر الامر لكن تخصصه فى الحديث عن الفساد السياسى قلب الموازين , ذلك أن سفنرولا لا يقول إن الآداب والفنون من أعمال الوثنيين؛ وإن قول الإنسانيين إنهم مسيحيون محض اختلاق، وإن أولئك المؤلفين الأقدمين الذين يجدُّون هم في الكشف عن آثارهم ونشرها والثناء عليها غرباء عن المسيح وعن الفضائل المسيحية، وليس فنهم إلا وثنية وعبادة لآلهة الكفار، أو إنها عرض فاجر للعرايا من النساء والرجال.

وقت الحكم القومى لا تنجح تلك الانواع من المقاومة الشفهية لكن بعد وفاة لورندسو و تولى ابنه بيرو الاضعف و الاقل سيطرة على احوال فلورانس السياسية المتشابكة اصبح سفنرولا اكبر قوة على الساحة , و بمقاومة البابا اسكندر السادس له و سحب البساط من تحته انطلق سفنرولا غير باكى على شئ فأخذ يندد بالثراء الدنيوي الذي يستمتع به رجال الدين، وبما يتجلى في الحفلات الكنسية من أبهة وفخامة، ويشنع على "الأحبار الكبار الذين يضعون على رؤوسهم تيجاناً فخمة من الذهب والحجارة الكريمة... وعلى ملابسهم الجميلة وأوشحتهم المنسوجة من الديباج المقصب". وأخذ يقارن هذا بما كان عليه رجال الكنيسة الأولون من بساطة، ويقول إن هؤلاء "لم تكن لهم تيجان ذهبية وأقداح قربان إلا أقل من القليل؛ وذلك لأن القليل الذي كانوا يملكونه منها قد تحطم ليسد حاجة الفقراء والمعوزين؛ أما أحبارنا فإنهم ينهبون من الفقراء ما لا يملكون سواء ليقيموا به أودهم، ليحصلوا به على أقداحهم". وكان يضيف إلى هذا التشهير نبوءات بسوء المصير.

و بعد حملة شارل الثامن على البابوية الشهيرة و بعد اخطاء بيرو المتعددة انقلب المنذر و الراهب حاكما شبه مطلق للمدينة الثرية التى انتقلت بسرعة الصاروخ من الدعة و المرح و الاحتفالات و الفن و الموسيقى و بدأ ما ظن انه ثورة اخلاقية و ترك النساء و الاثرياء لملابس الجاه كان دراميا

و ربما تجاوز سفنرولا الامر قليلا و اعجب بانتصاره اكثر من اللازم فنظم الغلمان من جماعته في شرطة أخلاقية مهمتها المساعدة على تنفيذ هذه الإصلاحيات. وتعهد هؤلاء الغلمان بأن يداوموا على الذهاب إلى الكنيسة بانتظام، ويتجنبوا مشاهدة السباق، والاستعراضات، والألعاب البهلوانية، وصحبة الأرذال الفاسدين، والإطلاع على الأدب البذيء، ومشاهدة الرقص، ومدارس الموسيقى، كما تعهدوا بتقصير شعر الرأس. وكانت "عصب الأمل" هذه تجوب الشوارع تطلب الصدقات للكنيسة؛ وتشتت الجماعات التي تحتشد للعب الميسر، وتنتزع أجسام النساء ما ترى أنه غير لائق من الثياب.

لكن الطبيعة البشرية لا تتبدل بتلك السرعه و سرعان ما اجتمعت الاسر الثرية و العامة المشتاقين لعصر ال ميتديشى الذهبى بانتخاب حاكم اخر كان اول اعماله محاكمة سفنرولا ذاته

و بخطاب غصب من البابوية فقد سفنرولا حتى غطاءه الدينى بعد فقدانه للغطاء السياسى , و بتسرعه بسب البابا على منبر الكنيسة الفلورانسية ذاتها و بترحابه بالحرمان الدينى كتب نهاية لقصته المعقدة

وكان مجلس السيادة يصر على إعدام سفنرولا، وذلك لاعتقاده أن حزبه سيبقى قائماً ما دام هو حياً؛ وأن موته هو الذي يرأب الصدع الذي قسم المدينة وجرى المحققون على الشريعة التي سنتها محكمة للتفتيش، فأخذوا يعذبون الرهبان , وتوترت أعصاب سفنرولا وخارت قوله فلم يلبث أن انهار تحت ضغط التعذيب فتحطمت روحه وأمضى اعترافا مهوشاً بأنه لم يتلق وحياً إلهياً، وأنه آثم في كبريائه وأطماعه، وأنه حث قوى أجنبية زمنية على أن تعقد مجلساً عاماً للكنيسة، وأنه دبر مؤامرة لخلع البابا.

مايو عام 1498 نفذ حكم الإعدام واقتيدوا حفاة مجردين من ثيابهم الكهنوتية إلى ميدان مجلس السيادة وشنق سفنرولا و اثنين من معاونية وتركوا معلقين، وسمح للصبيان أن يرشقوهم بالحجارة وهم في حشرجة الموت. وأوقدت تحتهم نار حامية أحالت جثثهم رماداً؛ ثم ألقي الرماد في نهر الأرنو لئلا يعبد الناس بوصفه بقايا القديسين. وجاء بعض الباكين يتحدون الإحراق بالنار فركعوا في الميدان وأخذوا ينتحبون ويصلون؛ وظلت الأزهار تنثر في صباح اليوم التالي للثالث والعشرين من مايو في كل عام حتى عام 1703 في البقعة التي سقطت فيها دماء الرهبان الساخنة. وترى اليوم لوحة في أرض الميدان المرصوفة تشير إلى أشنع جريمة وقعت في تاريخ فلورنس.
***********
و بين قصص سفنرولا و ال آل ميديتشي و تعقيدات و جمال قصص النهضة نتجه مستبشرين الى المجلد الثانى من قصة ايطاليا الممتعة و المجلد الثلاثون

دينا نبيل
يونيو 2015

رفـــايـــع

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

مدينة الغرباء ل جمال الغيطانى

اسم الكتاب:مدينة الغرباء,مطالع نيويوركية
تأليف:جمال الغيطانى
عدد الصفحات: 205 صفحة
اصدارات دار نهضة مصر
التقييم: 5/2

عندما ترى كتاب بغلاف انيق توحى بلوحة من الفن العالمى و يحمل عظيم من عظماء الادب المصرى كالعراب الغيطانى , و عندما تلمح الاشارة الى جائزة الشيخ زايد للكتاب ..و عندما تعرف ان الكتاب عن ادب الرحلات الممتع تنتزع الكتاب من الرف سريعا بصحوب بجرعة من الامل فى قضاء وقت ممتع

فى البداية يصدق القول و نرى فى الكتاب المدون عام 2008 متمم لما كتبه الغيطانى فى التجليات فى الثمانينات, و قارئ التجليات يعلم مقدار الالم الذى شعر به الغيطانى الابن حين فقد الاب و صعقته كم اللحظات الضائعة و الاوقات المهدورة حتى يكتب الغيطانى ما يزيد عن 800 صفحة و يستخدم الحسين و الاولياء جميعا فى سفر روحانى لعله يلتقى بالاب مرة اخرى فيشاهد بعد غفله ... هنا يبدأ الكتاب بمشهد سفر الابن "محمد" الى الولايات المتحدة ليفاجئ استاذنا جمال مرة اخرى من هول الفرص الضائعة في وضع معكوس

يحل التزاور و الضيافة بعد القرب و الانس , لا ننتبه الى اللحيظات التى تبدو عادية و ربما نضيق بها حينا , لا نلاحظ التغييرات البسيطة الا عندما نجد حياتنا قد اختلفت بقدر لم يعد الرجوع فيه اختيار اصلا

لكن بعد الجرعة الشعورية العالية نجد ان الكتاب قد تحول الى يوميات باهته احيانا و بارزة احيانا , عمومية كثيرا و خصوصية دقيقة نادرة , ندور معه بين متاحف و مكتبات نيويورك و مواصلاتها العامة و الجالية الحائرة

حتى لوحات ادوارد هوبر التى تزين الغلاف و كثير من الصفحات الداخلية لم تستطيع ان تنقذ الكتاب من الغرق فى بحر التفاصيل المملة ... و تكرار كثير من الجمل عبر الفصول المختلفه توحى ان المقالات كتبت كمقالات اكثر من كتاب يحوى تجربه شعورية متكاملة كعاداتنا مع استاذنا المبدع

الكتاب -على غير عادة الغيطانى ابدا- يفقتد الخصوصية و التميز و الاسلوب السردى المقتبس من تراث عمل فيه عقل الغيطانى فانتج شكل مغاير ,و باقترابه من الحاضر و بقضايا السياسة و الاجتماع المصرى المعاصر يفقد الغيطانى جزء من سحره و يحزنى -كثيرا- ان يكون للغيطانى كتاب للنسيان

دينا نبيل
يونيو 2015

معنى الحياة,مقدمة قصيرة جدا ل تيرى ايجلتون

اسم الكتاب: معنى الحياة,مقدمة قصيرة جدا
تأليف: تيرى ايجلتون
ترجمة: شيماء طه
عدد الصفحات: 104 صفحة
اصدارات:منشورات مؤسسة هنداوى بالتعاون مع سلسلة اكسفورد
التقييم: 5/3

ان كنت متوقع اجابة على سؤال عنوان الكتاب فابشرك بالخذلان..الكتاب لن يتضمن اجابة سؤال الابد عن فائدة و معنى الحياة و ربما ستكون قسوة منا ان توقعنا اجابة لسؤال بهذا الحجم فى كتاب لا يزيد عن المئه صفحة الا قليلا , لكنك فى المقابل ستقابلك وجبة دسمة على عادة سلسلة اكسفورد الشهيرة بالحديث "عن" السؤال و افكار من مروا به من قبلك

ربما ستجد مراحل البشرية عبر يونانيتها القديمة و التراجيديا ثم الى العصور الوسطى المؤمنة ثم الى قلق النهضة و الاصلاح الدينى و منه بالضرورة لتقلبات عصورنا الحديثه فى رحلتها الاطول على الاطلاق فى البحث عن اجابة السؤال او حتى التأكد و الجزم من صحة طرحه من الاصل

ربما بدلا من اجابة وافية ستجد من لم يدركوا الاجابة فتطول القائمة , الدين حين يحاول ان يجيب يتحول فى كل مرة تقريبا الى وجه اخر من الاصولية المتزمتة التى تخنق السؤال اكثر مما تجيب عليه , و حين تتحرر منه الروحانية تفرض نفسها كشئ دخيل و سرى لا عملى و مادى و فى استطاعة بنى البشر و هى لا تتعارض مع المادية الا اصطلاحا اما فى واقعها فتحتاج اليها و تدعمها حتى و ربما تستفاد منها , و الفلسفة جمدت الى خبرة تقنية فى اللغة و الاصطلاحات و انكب الفلاسفة يبحثون فى تراث الماضى بدل من انتاج اسئلة و اجابات احدث ,و الرياضة تتبنى موقف افيون الشعوب بعد تنحى الدين ,الفنانون يبحثون عن ذواتهم الضائعة اكثر مما ياخذون بايدينا و الفلاسفة تخلوا عن دور المرشد الهاد للحياة منذ عقود ,أصبح علم اللاهوت فاقدًا للثقة بفعل تسلل العلمانية إليه، وكذلك بفعل جرائم وحماقات الكنائس و المؤسسات الدينية الرسمية للاديان كلها

و نتجه دون ان ندرى الى لا ادرية جديدة فنتسأل ان كان السلطان عاريا و ان كان هنرى جيمس فى قصته اصاب كبد الحقيقة حين تساءل عن المقصد الخفى الذى يبحث عنه الجميع ان كان زائفا او ان كان اى مقصد يكفى الباحث الشغوف المتلهف و ان صنعته يداه , و توجهنا اللا ادرية الى السؤال عن جدوى السؤال عن الجدوى اصلا او ان كنا نحجم السؤال خشية فنبطق قول ماركس ان البشر لا يثيرون مثل هذه المسائل الا بالقدر الذى يستطيعون حله , او تثير فينا الرعب من السؤال نفسه كأنه قدر محتوم او حل لتعويذة سحرية ماذا لو كانت الحقيقة مدمرة للوجود الإنساني؟ ماذا لو كانت قوة ديونيسية مهلكة، كما كان يعتبرها نيتشه في بداياته؛ أو إرادة ضارية كما في تخمينات شوبنهاور الكئيبة؛ أو رغبة مجردة مفترسة عديمة الرحمة كما يرى فرويد؟

فكلما سُخِّرت العلوم الإنسانية لخدمة احتياجات الاقتصاد، ازداد تخليها عن دراسة وفحص القضايا والمسائل الجوهرية؛ ومن ثم هرع بائعو بطاقات التاروت، والعرافون، وأفاتارات أتلانتس، ومتخصصو تنقية الروح لشغل مكانها وهكذا أصبح معنى الحياة صناعة مربحة, فنجد انفسنا لم نقترب عبر 5 الاف عام من التاريخ المكتوب من اجابة السؤال و حل اللغز الاهم

فالحداثة هي الحقبة التي شهدت خلافًا بيننا فيما يتعلق بجميع القضايا الأخلاقية والسياسية الجوهرية. ومن ثم وجد في الحقبة الحديثة عدد كبير من المتنافسين والخصوم يتحاربون في حلبة معنى الحياة، دون أن يكون لدى أحدهم القدرة على توجيه ضربة قاضية للآخرين. وهذا يعني أن أي حل وحيد للمشكلة سوف يبدو حتمًا مثيرًا للريبة والشك، نظرًا لوجود عدد هائل من البدائل المغرية. وهكذا نجد أنفسنا هنا فيما يشبه الدائرة المفرغة.وما إن تبدأ المعتقدات التقليدية في الانهيار فى مواجهة أزمة تاريخية، يبدأ سؤال معنى الحياة في دفع نفسه إلى السطح.

و الحقيقة ان بالنسبة لكتاب مختصر فى سلسلة ترمى الى التكثيف فالكتاب يحوى صفحات طويلة فى اسهاب ممل احيانا و هو يخلط بشكل مؤلم للقارئ المتسرع على الاقل بين الفلسفة و عدم اللغة بشكل ينزع المتعة من الاثنين و هو يشير اكثر مما يتحدث و يقتبس اكثر مما يبدع و يتركنا فى منتصف الرحلة اكثر حيرة من حالنا فى البداية..هل تكون الحيرة عيبا؟ ام ميزة؟ حتى تلك سنختلف عليها ربما اقل قليلا من خلافنا الابدى عن معنى الحياة

دينا نبيل
يونيو 2015

سدنة هياكل الوهم ل دكتور عبد الرزاق عيد

اسم الكتاب: سدنة هياكل الوهم:نقد العقل الفقهى ,البوطى نموذجا
تأليف: دكتور عبد الرزاق عيد
عدد الصفحات: 185 صفحة
اصدارات: دار الطليعة
التقييم: 5/4

فى منهج ينعش الذاكرة و الذهن مشابه لطريقة تفكير اساتذنا "جورج طرابيشى" يقدم لنا الدكتور عبد الرازق عيد كتاب دسم يحاول هدم هياكل الوهم و رغم ان رأى دكتورنا فى طرابيشى موقف سلبى و هو اميل الى الجابرى صاحب النقد الاول لا جورج صاحب نقد النقد لكن ذلك لا يهمنا كثيرا على الاقل هنا... و ان كان العنوان يشير الى الشيخ "البوطى" لنموذج فقهى فذلك لا يمنع القارئ غير المتبحر او حتى غير العالم لذلك الشيخ بحكم المحلية ان يستمتع بالنقد المنظم المؤلدج من مفكر قدير

قد يبدو ان الحديث عن "فقهاء السلطان" قد اصبح معتاد او مستهلك , لكن واقعنا العربى و الاسلامى يحتم ان نعيد فتح مواضيعنا القديمة خاصة عندما تكون بيد مفكر باحث منظم ... شيوخنا الذين يخفون الدنيا براء دموع التقوى على شاشات التلفاز و امام سيدات البيوت قبيل العشاء ولا يملوا من تكرار و انعاش ما يتداوله الوعى الثقافى الاسلامى العامى من معلومات و قصص تلقاها منذ الطفولة فى ساحة المسجد و مقاعد المدرسة و يكرس كل مجهوده و ساعاته التليفزيونية و حتى ساعات خطبة الجمعة الغالية التى "يجبر" الشرع فيها المستمع على الانصات فى نفس القصص المستلهكة

و ان كان شيوخ عصرنا يرددون اسماء ماركس و هيجل و فرويد و يدحضوا افكارهم فهم تجسيد لوهم الحداثه ان نظرنا ان الامر و ان كان يحمل اسماء جديدة ما هو الا ترديد لنفس الافكار التى انتصرت للنقل على العقل من الف عام .. فتتغير اسماء "المتهمين" ولا تتغير الطريقة ولا راحة العقل فى ظل ركود النقل

و المؤلف مدرك للألم الذى سيحيق بعقل قارئه حين "يلامس حيزات النص الفقهى بسبب بشريته المغلقة بالمقدس الالهى" و يحاول تهيئة قارئه معه لرحلة طويلة مؤلمة لكن مهمة تغير كثير من القناعات خاصة للقارئ غير المعتاد على كتب التنوير

و يجعل الكاتب مهمته ان للوصول الى العقل الجمعى الذى صاغت وعيه خطب الجمعة الممهورة بختم السلطان و بنت عقله كتب فقهاء و وعاظ سلاطين الزمان و وجهت فكره خطاب مقيد برقيب سياسى و اجتماعى من الف عام

و السؤال الذى يثيره الفصل الاول فى تفكيرى هو اذا كان شيوخنا يجيبوا اجابات مغلوطة عندما نسألهم عن العلم , اهو خطأ الشيوخ ممن اعتقدوا انهم تملكوا الحق المطلق ام خطأنا نحن من اثارنا السلامة دائما و بحثنا عن نهضتنا و مستقبلنا و علمنا فى كتب قديمة مثقلة بالغبار و بعقول شيوخنا التى لا تقل عنها غبارا؟

نعم عشق شيوخنا ان يخبرونا عن اهمية العلم و التفكير و الاصرار انه واجب شرعى لكن نفس الشيوخ يضعون الشروط التعجيزية الكافية لتفريغ ذلك التفكير من محتواه تماما ...فليخص شيوخنا العلم بمبدأ : ان كنت ناقلا فالصحة و ان كنت مدعيا فالدليل

فتساق فنونا طويلة محيرة فى بيان مصطلح الحديث و الجرح و التعديل و تراجم الرجال و بيان الضعيف من القوى من المثبت فى السنة و بين الاجماع فى الفقة فينتقل حديثنا عن المستقبل لحديث اخر باهت و مكرر من البحث عن "الماضى" الاثبت

هكذا يكون العلم و البحث العلمى عن الحقيقة انما هو بحث عن حقيقة منجزة و اكتشفها السلف و سلف السلف و يتبقى لنا -فقط- ان نبحث فيما قيل و تواتر عن الذكرى و التذكير لا الفكر و التفكير ... فنعفى العقل من اسئلة الرأى و المغامرة فى مجاهل المغيوب و الاكتفاء بسطور مسطورة فقط نرددها الى ان نحفظها ولا مانع من نقل محتواها بقليل من التحوير فنضيف لها عناوين جديدة و ندعى لها الاصالة و الاضافة الى المحتوى

بعدها يطوف بنا المؤلف عبر كتب التراث لنبحث عن "التواتر" المزعوم الذى يبعث بالحقيقة المطلقة فى الاحاديث و الفتاوى فنرى اختلاف بين مؤرخين المسلمين عن اليوم الذى مات فيه النبى فى اى شهر و اى سنة حتى ,و نرى روايتين متضادتين عن ابن عباس-تتحقق فى كلاهما من الزاوية النظرية الصحة الاولى بحكم تواترها و الاخرى باتصال نسبها و سندها- الاولى تخبرنا ان النبى توفى عن سن ستون عام و الاخرى عن سن ثلاثة و ستون , و يمتد الامر الى فعل "جلل" مؤثر فى المسلمين و خلافهم هو فتح مكة فنرى خلافا و اختلاف...و يتساءل دكتور عبد الرزاق ونتسأل معه عن خطب النبى فى كل جمعة فى مدينته المنورة التى لم يصلنا منها سوى الاخيرة منهافى الحج و كم التناقض فى روايتها مروع و ليرجع من شاء الى كتاب جورج طرابيشى الاهم "النشأة المستأنفة" رغم وجود عدد ضخم من المصليين و بحث الرواة المتأخرين عن الاحاديث القصيرة المتدوالة فقط بين جلسات الصحابة

و العقل الفقهى يقف بالمرصاد لاى اصلاح او تجديد اساليب البحث و الفهم فيرد فورا و ربما بعنف فكرى حينا و جسديا احيانا المفكر و التفكير الى عالم البرزخ و السديم و عذاب القبر فينفرد بتفسير الغائب و يحجر على الاخريين التفكير فيه , و العقل ذلك المؤمن المطمئن بيقينه هو عقل سلطوى بامتياز يستند الى سلطة الغائب يحتكره فيؤدى الى تكوين حاكم طاغى و معارضة ظالمة

ففى الحالة الاولى ينتج فقيه سلطانيا لا يتوانى حتى على "تطويع" القرآن و الاضافة الى السنة لتحقيق هدف دنيوى ضيق و تاريخنا يمتلئ بامثلة يضيق بها حديثنا و يكفينا ان الباحث فى كتب التراث سيجد احاديث نبوية و تفسيرات قرآنية لحكم بنى امية و عباس و العثمانيين و كل من يدفع ...و فى الثانية يكون معارض ثورى سلطوى و لكن فى المعسكر المقابل فيكون من الخوارج الذين لا يستعظمون سبى السيدة عائشة نفسها ان حاربت على , فيمتلك نفس المقومات التى تمكنه باستباحة المجتمع كله باسم الحاكمية الالهية

و ابمتلاكهم لسلاح صكوك الغفران و اراض الجنة لمن يشاؤون و مالكين لمفاتيح الفردوس سيذبحون -ضمنيا حينا و فعليا احيانا- من فى المعسكر المقابل اى كانوا

و هم حين يعلنوا الحرب و المعركة ليسوا بقواهم الذاتية انما يحتمون بالتراث يخوض لهم حروبهم بسبب تأصله ك تدين راسخ فى نفوس الملايين عبر القرون فيتولى المواجهة بدلا عن شيوخنا المنعمين راكنين الى فقة القدماء , لا نعدل الا ما عدلة الفقهاء الاقدمون و استقروا على جرحه و تعديله ...كل ذلك لنتقبل باكثر من خمسة الاف حديث يرسمون حياتنا دون ان نعمل عقولنا او عقول شيوخ فضائيتنا قدر حبة من الخردل

و شيوخ كل ذلك التيار يرى فى التيار المتنور من محمد عبده الى شلتوت الى طه حسين الى العقاد -فقط- كمؤامرة اجنبية و يستخدموا كالعادة سلاح التكفير و الخروج عن الدين و هل يمتلك هؤلاء غيره؟!
*************
و الكتاب المقسم الى ثلاثة اقسام لا يقل احداها عن الاخرى صدما للافكار و تجديد لها , فان كان الاول عن المنهج العلمى للبحث عن الحقيقة عند علماء الاسلام ... يشككنا فى قدرة حاضرنا على التعامل مع تحديات عصرنا , فالاجزاء اللاحقة تجبرنا على دخول احراش الماضى الصعبه

عنوان الفصل الثانى "ابن عباس" و قد يبدو فصل تقليدى عن سيرة الرجل الذى مول شق غير يسير من السيرة النبوية و الاحاديث كانت من الكثرة ان تعاملت تعامل فقهى مختلف و اسس لها فتوى خصيصا بجواز اخد الاحاديث عن الاطفال لان ابن عباس لم يكد يبلغ الحلم وقت حياة النبى ... و بتجاوز عدد ضخم من احاديث الدعاء له و المدح فيه و ان كان طفلا و طبعا التنبوء بعظيم المستقبل و هى بطبعها احاديث تمتلأ بها كتب تراثنا لنصف شخصيات التاريخ الاسلامى

و لن نتوقف ايضا تنقله بين الاحزاب الهاشمية و العلوية و الاموية فى حياته و ما سيتأسس له من مكانة لاحقة فى حياة العباسيين , عن الصفحات الكثيرة التى رغب فيها عبد الرازق فى بيان خلاف ابن عباس من جهه و عمر بن الخطاب الذى لسبب ما سيكون فى وضع الضعف فى اغلب ما روى عن ابن عباس , و ربما لن نتوقف طويلا عن حادثة "اختلاس" اموال بيت المال الشهيرة التى اتهمه فيها على بن طالب ابن عمومته لكثرة ما قيل فيها و لشهرتها لكننا نفكر قليلا عن سبب تجاوز علم الجرح و التعديل عنها ....لكن ما يثيرنا فكريا فعلا هو دور ابن عباس كمؤسس حقيقى للميثودلوجى فى التفكير الاسلامى و باعتباره واضح حجر اساس الخارق و العجائبى الذى ستهتدى به الامة من بعده

تمتاز روايات ابن عباس و تفسيراته بالبعد الاسطورى للاشياء , و سنتهدى هنا بافكار ابن خلدون صاحب العقل النقدر النادر فى الاسلام و القرون الوسطى عموما الذى سيربط بين افكار ابن عباس العجائبية و بين افكار كعب الاحبار فنرى حركة تعريب و أسلمة لتراث اليهودية الخصب بالغرائب و ادخاله على مهل الى التراث الاسلامى و للاسف الصاقه باصول الدين

و هو حين يحدثنا عن خلق الشمس و القمر فيحدثنا ان كلاهما على عجلتين لكل عجلة ثلاث مئة و ستون عروة يجرها بعددها من الملائكة و انهما يسقطان عن العجلتين فيغوصان فى بحر بين السماء و الارض فيكون الكسوف ثم يخرجها الملائكة من ذلك البحر فيكون نهاية الكسوف... و هو حين يحدثنا عن ادم و حواء يضع كاهل "الكتاب"كل المسؤولية الاخلاقية على عنق حواء ولا مانع من اضافه ان حواء اسقت ادم خمرا لتغويه..و حين يفسر ايات المطر يجزم ان مع كل قطرة من المطر ملاك يسير معها و يسلمها للارض لتنبت و ان مطر قادم من بحر السماء و يحدثنا عن الازمنة التى كانت تمطر فيها سمك و ضفادع من ذلك البحر ...و حين يكون موضع الحديث الرعد فيكون فعل ملاك يسوق السحاب بمقلاع من الفضة...و اذا اجتمع اهل التفسير ان "قل اعوذ برب الفلق" اى نستعيذ بمن افلق الصبح و فيكون تفسير ابن عباس ان الفلق هو سجن فى جهنم و يضيف ابو هريرة انه جب فى جهنم مغطى و يزيد بن كعب حافظ الاسرار التوراتية حسب تعبير ابن خالدون انه بيت فى جهنم اذا فتح صاح اهل النار من حره...و الامثلة اكثر من يحصيها كتاب دكتور عبد الرازق و قطعا يضيق بيه حديثنا هذا

و هنا يجدر الاشارة الى رفض ابن الاثير لكثير من تلك الروايات و منها رواية يأجوج و مأجوج ذاتها وعلاقتها بقيام الساعة ل"منافاتها العقل" و هو عذر نادر فى الادبيات التراثية و شئ جدير بالاهتمام خاصة لعدم شهرة ابن الاثير بعقل نقدى حاد ك ابن خالدون مثلا ...و هو يفعل ذلك دون النظر الى العنعنة او السند و ينظر مباشرة الى المتن فى حدث نادر و مهم , و الاعجب هو رد الشيخ البوطى المعاصر و كثير من معاصريه حين يجزمون اناء الليل و اطراف النهار فى كتيباتهم و امام شاشات التلفاز الفاضية ان الشك فى تلك الافكار كفر بين لا يحتاج لايضاح

فهل كانت السيدة عائشة هى الوسيط العقلى المانع للتدهور فى دوامات الميثادولوجى كما يصر الكاتب و يعدد الادله؟ و هل دورها الفعال و الجرئ فى تصحيح ما تراه خطأ كافى لسد فيضان العجائبية؟ ربما ذلك يحتاج بحثا اطول منا ...و خلاصة الامر ان المؤلف رأى ان موقف الاسراء و المعراج مهم كافية لان يفرد له ثلث الكتاب المتبقى
*************
يميل المؤلف الى الاهتمام بالجانب الروحى و بالروايات النفسية عن حادث الاسراء و يميل الى ان العقل الفقهى بحرفيته و عجزه عن مجاوزة السطح و اعتماد الظاهر فى مسائل الغيب تجنب فهم المعراج بوصفه استعادة مجازية للاسراء نحو الداخل و الاعماق و هتك حجب الملكوت و الجبروت نحو الحضرة الالهية فيكون مدخلنا الى الوجدانية هى الفرادنية لا غيرها

و الحق ان الثلث الاخير هذا من الكتاب هو اكثرهم غرابه و اقلهم امتاعا فى رأيى و هو متسرع فى الحكم على موضوع معقد ك الاسراء و الاثار الميثدولوجية فيه و عوامل الاسرائيليات و ادب الشرق الادنى و اضافات الصوفية فى قرن الاسلام الخامس للقصة و نتمنى ان يهدينا نذير العظمة كتاب اكثر اتقانا للشق المعقد و المحطة الاهم فى خلق غرائبية قصص الاسلام

و يتبقى لنا اخيرا ان نذكر جزء من اسماء ما اورده المؤلف من كتب و مراجع تفيد فى الراغب فى البحث اكثر:

افكار من اجل تحديث النظرة الى الاسلام...محمد سعيد العشماوى
بدائع الزهور .. ابن اياس
الاسلام دين العلم و المدنية ل محمد عبده
الاسراء و المعراج ل ابن عباس
حضارة الاسلام فى القرن الرابع الهجرى ل ادم ميتز
المعراج و الرمز الصوفى ل نذير العظمة

دينا نبيل
يونيو 2015

الحب و الحرب و الحضارة و الموت ل سيجموند فرويد

اسم الكتاب: الحب و الحرب و الحضارة و الموت
تأليف: سيجموند فرويد
ترجمة: عبد المنعم الحفنى
عدد الصفحات: 114 صفحة
اصدارات: دار الرشاد
التقييم: 5/3 (بسبب الترجمة)

الكتاب من اعمال فرويد المتأخرة التى يميل فيها الى التأمل و الفلسفة اكثر مما يعتمد على نظريات التحليل النفسى المشهور بها المعتادة , و هى اعمال اميل الى التصنيف الفكرى منها الى علم النفس و هى بطبعها ممتعة للقارئ غير المتخصص ...لكن...دكتور عبد المنعم الحفنى يضع على عاتقه افساد تلك المتعة بكل ما يمتلك من ادوات و حقوق للمترجم

فيبدأ بمقدمة نارية يجمع فيها بين هجومة على ماركس و على فرويد فى ان واحد و يصمم -رغم نفى فرويد نفسه- ان يجمعهم قسرا فى قالب مشروع "يهودى" واحد ضخم يقدم ما يراه نسخة جديدة من التوارة للعالم

و هو فى هامش لاحق فى فصل "الموت" يحاول ان يلبس فرويد عباءة الالحاد و اليهودية فى ان واحد و ان يوفق بينهم و فى هامش لاحق يذهب شططا ان يصف الديانة اليهودية نفسها بانها ديانة الحادية , و الحفنى لا يرى وجها للتناقض فى حديثه ...و يضيف رأى -غريب- ان سبب الانفصال الاشهر بين نظريات يونج و فرويد سببها ان يونج مسيحى الديانة

و يحتاط مقدما لامكانية تجاوز القارئ لمقدمته فيضع هامش متكرر فى معظم فواصل الكتاب للاشارة الى "العنصر اليهود الثقافى و البشرى" لافكار و تحليلات فرويد بجانب هوامش اخرى طويلة فى شرح مفاهيم اظنها معروفة متوقعه لدى قارئ فرويد فلا اظن ان هناك قيمة مضافة لشرح لهذا النوع من القراء معانى السادية و الماسوشية او شرح مطول لمعنى النرجسية
*************
يتعجب فرويد و نتعجب معه بفعل و تأثير الحرب حتى على القرون النابه فتبارى العلماء بالتخلى عن حيادهم و صنع الاسلحة و ينبرى خبراء الانثربولوجى فى بيان انحطاط اصل العدو و علماء النفس الى بيان الخلل الفكرى فى افكار الخصم فيما يطلق عليه فرويد ان الحرب تحررنا من الوهم ...فنرى الدول نفسها تنبذ حقوق الانسان و المصابين و الاسرى التى طالت التشدق بهم وقت السلم و تكبت مواطنيها ذاتهم و تعاملهم معاملة الاطفال خاصة فى حجب المعلومات

و حين اراد فرويد ان يبحث عن تفسير لتغيير كل التصرفات و الافكار وقت الحرب و رغم تصنيف الكتاب ككتاب فلسفى فانه يلجأ الى سلاحه الاثير : التحليل النفسى

فيحدثنا فرويد عن "التكيف الثقافى" و كيف يكبت المجتمع الدوافع العريزية و الشبقية فاما يحدث تحول حقيقى غى الغريزة و يدفعها للخير و هنا يحدث الفعل تلقائيا و قد يجبر نظام الثواب و العقاب فى التربية ان يسلك الفرد المسلك الحسن من وجه نظر المجتمع رغم ان غرائزه لم يجر لها اى تسام و لم يحدث لميوله اى تبدل من حال الانانية الى الغيرية

و الفرق بين النوعين لا يظهر بالعين المجردة ولا حتى بالمعاشرة السطحية لكن الحرب مثلا تكشف الحقيقة و تحررنا من وهم "تحضر" اغلبية المجتمع
*************
و حين يفرد فرويد فصل قصير مكثف عن الموت و علاقته بالحرب يرجع لاستخدام منطقه المفضل

و يقارن فرويد بين مواقف القتل عند الحروب بين الشعوب البدائية و بين نحن من نحتفظ لعصرنا بلقب المتحضرين ... فنرى محاربين العصور الحديثة ينتهى من حربه المروعة فيتوجه لزوجته و اطفاله منتشيا بلا ابطاء لا يعكر ذهنه من قتلهم او سفك دماءهم بينما ان الشعوب البدائية ترفض دخول المحارب الا بعد سلسلة طويلة مرهقة من الكفارات و التطهر ...يعزو علماء الانثربولوجى التصرف الثانى كنوع من الايمان بالخرافات بينما يرى فيه فرويد خيط رفيع من الحس الخلقى اضاعته الحضارة فاصبح القتل شئ تقليدى

و ان جاز لنا ان نقطع من السياق جملة ستكون قول فرويد:

"اذن فلو شئنا ان نحكم على انفسنا بما فى لا شعورنا من امانى و رغبات لقضينا باننا كالبدائيين لسنا سوى عصابة من القتلة مع ملاحظة ان امانينا تعوزها الطاقة على التحقيق التى كان البدائيون يزحمونها بها , و لو كانت الامانى كلها قابلة للتحقيق لكانت البشرية قد انحمت و انمحى معها من الوجود اطيب و احكم الرجال و انظف و ارق النساء"
*************
الحضارة و دورها فى تكوين و كبت الانسان هو موضوع فرويد الاهم و لعله نابع كثير من افكاره

و ان كانت الحضارة تدع لنا المجال ان نبحث عن سبب الحياة و غايتها فالانسان عاجز عن ايجاد حل لمعضلته الاهم و الاقدم لذا يكون البحث عن دوافع "البشر" للحياة نفسها فلا نجد الا حروف لفظ "السعادة" يتجلى امام عيوننا ...فيبدأ فرويد فى رحلة طويلة بحثا عنها بين تقدير الجمال و بين الدين و الحياة الاخرى و بين الرغبات الجنسية و النسك و الهروب من البشر و الخضوع لهم و المخدرات و الاوهام الجميلة و محاولات تجنب الألم

بل ان فى رحلة فرويد فى البحث عن السعادة نجد لمحة نادرة من فرويد عاشقا ... يرى فى الحب خطة موضوعة لا قدرا ولا فجأة ولا "وقوع" فى الحب , يراه طريق لا يكتفى بالابتعاد عن الالم كوسيلة للسعادة بل يتوجه بكل حواسه و عواطفه و بكل ما يمتلك من عمق لتحقيق سعادة ايجابية و يتوقع السعادة فى كل ركن

و يكاد يصل الى المثالية لولا عيب لا يراه فرويد وحده لولاه لما هجر الانسان تلك الطريقة ابدا .. فليس من هو اضعف مننا الا حين نحب ولا من اشقى حالا منا الا عندما نفقد الحب او المحبوب

و الشقاء كحال مضاد من تحلل اجسادنا السريعة و هواجس نهايتنا الوشيكة , قوة الطبيعة و الاقدار تهدم خططنا فى لحظة , و ضغط مجتمعى يكبت افكارنا متمثل فى اسرة و مجتمع صغير و كبير يكفل لنا موارد مادية للعيش لكنها تنتزع منها من لا يعجبها بوسائل المنح و العقاب
************
و الفصول الاخيرة مطولة جميلة فى اراء فرويد الكلاسيكية عن الانا و الانا العليا و نظريات التدمير الذاتى و الطبيعة المزدوجة لكن يفسدها -كما افسد معظم الكتاب- تعليقات عبد المنعم الحنفى التى تطغى على رأى و ذهن القارئ و تثقله و تفصل المسافة بين القارئ و المؤلف

دينا نبيل
يونيو 2015

المعجزة او سبات العقل فى الاسلام ل جورج طرابيشى

اسم الكتاب: المعجزة او سبات العقل فى الاسلام
تأليف: جورج طرابيشى
عدد الصفحات: 191 صفحة
اصدارات رابطة العقلانيين العرب
التقييم: 5/4.5

اهتم طرابيشى سابقا بالاحاديث ذات المدلول السياسى فى كتابه الاكبر و الاهم "النشأة المستأنفة" ...لكن ها هنا يتداول مفهوم الاعجاز فيها من حيث الاتيان بنبأ الغيب ، و يشير طرابيشى -و نشير معه- الى الجانب السياسى فى الاحاديث النبوية المتأخرة التى نراها وضعت كنوع من التبرير لحوادث صفين و الجمل بل و الحرة و كربلاء بوضعها بقالب نبؤة عن قدر واقع لا محالة ك بديل عن الاشارة لضعف الدين و فساد الحكم و الحاكمين ناهيك عن تكريسها لنصرة افراد دون افراد و جماعات دون جماعات و ذو العقل يدرك تلك الاحاديث الموضوعة بسهولة من متنها و دون النظر حتى الى سندها فى رأينا

و رغم اشارات القرآن الكثيرة عن الغيب و حكره تماما لله وحده مع عدم استثناء لنبى ولا ولى فان السنة قد كرست بمنظومة الحديث المتضخمة قرب القرن السادس الهجرى ففصلت الاحاديث لتأيد و ذم معاوية ، و على كلا حسب فريقه...و احاديث اعجازية اخرى توصى بالحياد ....بل و امتد الامر الى استغلال لمفهوم المعجزة فى الحديث النبوى كذريعة لتأيد اتفاق معاوية/الحسن الذى سرعان ما فشل بعدها بسنين قليلة بواسطة "العسل" لتكتمل التجربة بثنائية يزيد/الحسين

و رغم ترديد القرآن الدائم لانسانيةالنبى و رغم استدلال الفقهاء انفسهم ببشرية الرسول دليل على نسب القرآن الالهى و رغم اشارة القرآن الى ضعف و احتياج الرسول قبل النبوة و تدعو لعدم طلب المعجزة الحسية و احيانا عدم جدواها بدليل كفر اليهود رغم عنها , نذكر منها:
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ

ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين

وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ

وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين

فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل
*************
لكن الامر لم يمنع من تكريس طفولة "على نهج عيسى" فنرى فى السير حديث عن ولادة النبى مختونا ، نظيف من تلوث الولادة ، متحدثا فى المهد بل و اشارات الى بعث عبد الله بن عبد المطلب ليؤمن به ، و يروى لنا الحلبى عن امنه ان النبى تحدث بسن ثمانية شهور و تحدث الفصحى فى تسعة و رمى السهم فى العاشرة و نكرر ان وحدة القياس هنا الشهور لا السنين

و حتى رفض النبى لخسوف الشمس لموت ابنه -حتى و ان كان تعاطفا لا بالادارة و الاعجاز- الذى يعترف به السنة و يكثرون من ترديده لم يمنع الحاق نفس الفعل الى النبى فى حوادث اخرى من كتب التراث

فنرى "تحولا" للشخصية المحمدية التى يرسمها القرآن كبشر يلمع -فقط- بتكريم من الله و يحمل شرف و عبء الرسالة و يرهق حينا ...لا يقوى حتى على اختيار زوجاته دون تدخل الارادة الالهية , لانسان "مقدس" مبارك مخاطه و دمائه و سوائله الجسدية و يمنح حذاءه بركة و معجزات
****************
مطلع القرن الثالث الهجرى دونت سيرة ابن هشام فضمت ١٠ معجزات حسية للنبى ، اما فى القرن الخامس فيدون لنا المارودى ٤٠ معجزة مختلفة و متنوعه بينها ما يتشابه مع ابن هشام و منها الجديد علينا ، و بالضرورة عندما نصل للقرن السادس تضاعف عن صورة ابن هشام الاقدم اثنى عشر مره فنقرأ فى "الشفا فى تعريف حقوق المصطفى" ل القاضى عياض تلميذ انس ابن مالك لتصل الى ما يقرب ١٢٠ معجزة رغم ان مالك نفسه فى الموطأ لم يدون الا عن ٣ معجزات و لم يفرد لها باب خاص بها ، لنصل الى ابن كثير فى القرن الثامن الذى سيحافظ على العدد و يجدد فى طريقة العرض فيكثر الروايات و يفصل و يوضح فيما يزيد عن مائتين صفحة و نعود لنقارن ذلك ب موطأ مالك الذى لم يكلف فصلا خاص حتى لها ، و تصل فى "السيرة الحلبية" الى الاشارة الى ثلاثةالآف معجزة
****************
و كما فعل طرابيشى فى النشأة المستأنفة و هرطقات بجزئيه لا يتحدث عن الاسلام وتراثه و سنته و الفقه -كما عودنا مؤلفينا- حديث السنة فقط بل يتبعه بالمقارنة دائما بنظيرها الشيعى ... و هنا ندرك الاستخدام الشيعى الكلاسيكى او السلفى للتكريس لوصية على كما استخدم فقهاء السنة نفس المسلك ، فنجد نفس المعجزة ذاتها باختلاف اسم الصحابى المرافق للاعجاز...فيهتز الجبل بالنبى و عثمان و عمر و ابو بكر فيضرب النبى الجبل بقدميه و يخبره ان يثبت "فعليه نبى و صديق و شهدين " فى كتب السنة ، بينما يتهز نفس الجبل بصحبه على فينطق النبى "اثبت فعليك نبى و وصى" كما فى كتب فقه الشيعة...

و كما استخدم فقة السنة التابع للسلطة الزمنية معجزات علم الغيب النبوية ل"شرعنة" حكم الاموية و العباسية , استخدم فقهاء الشيعة المعارضين احاديث مضادة لتأكيد امامية نسل الحسين ...و يلفت انتباهنا احد تلك الاحاديث على لسان سلمان الحلبى انتهت ان خلق النبى و على و فاطمة و الحسن و الحسين و النقباء التسعة كان من "نور" الله لا من طين ولا من لحم و دماء فى الاصل
***************
و لم يرد طرابيشى ان يغلق هذا الباب العجائبى دون ان يورد لنا دليل من الاضافات التى اضافها الفقة الشيعى لمعجزات الأمام تلو الاخر و اولهم على ... و المدقق المتأمل يرى جانب -ربما اقل سطوعا- حين اضيف الى الفقه السنى عدد ضخم من المعجزات للصحابة منها احياء الموتى و المشى على الماء

و يتوقف طرابيشى و نتوقف معه على تلك الرواية التى رواها محمد بن جرير الشيعى -تميز له عن نفس المسمى السنى الشهير- لتلك لن تكتفى بكسر تابوه اسلامى قرآنى بمنع المعجزات الدنيوية عن النبى بل ستضيف كسر للتابوه النبوى ذاته حين يروى ان على بعث بالرسول محمد حيا ليشهد له بالخلافة امام ابى بكر ...و الذى وفقا للمعتقد الشيعى الاعم "سارقى" الخلافة هو و عمر بن الخطاب

و التوقف هنا ليس للدلالة على "هوس" الشيعة كما يبدو و كما يحب ان يردد فقهاء الكلاسيك.. بل علامة على التمادى فى ذلك الباب الذى فتحه فقهاء السنة ذاتهم و بفعل عام الزمن الذى وسع من القاعدة حتى وصلنا لتلك المرحلة

و الامر لا يخلو من بعض المعجزات للتسلية فنرى عليا يمسخ شخص يصرخ فى وجهه كلب , او ان يروى عن سهم قوس العلى ينقلب ثعبان عند انطلاقه و ركوب للسحاب احيانا...و لا مانع من اضافة معجزات "اتوماتكيه" لرجل من النواصب -لفظ شيعى شهير يوصف به اهل السنة المتشددين و مقابل للفظ الرفاضى عند المعسكر المقابل- فيتحول دون تدخل من احد الى كلب برأسه و وبره و يصلى متمنيا من الله العودة

و لم يمنع كل هذا قليل من التفكير عن سبب عدم استخدام "على" او غيره لخصائص العجائب تلك على قاتله او على المشركين ايام الذلة او حتى فى النصر على معاوية و كان يكفيه ان يمسخه حيوان لتحسم الحرب التى قتل فيها الالالف من عامة المسلمين و الصحابة على السواء....و بالفعل يسأل السؤال فتضاف جمل جمه من اقوال على "اذا اراد" ان يكسب الحرب تلك ..و لكن تلك ال"اذا" و ال"لو" تبقى فى حيز الامانى و سطور فى كتب الشيعة المنسحقة تحت دوالايب السلطة الزمنية
*************
يرى احمد امين ان الشيعية طائفة تشل العقل و تميت الفكر و برر ذلك بزيادة سقف الغرائبية و العجائبية فى قصصهم , و يرى طرابيشى ان تلك نتيجة لا سبب و يبرر ان الضغط الدينى و السياسى لفترات طويلة و نزول الطائفة "تحت الارض" اسهم فى الشطط فى قصصهم..و اى كان التبرير الذى تفضله تبقى حقيقة غلو الشيعية فى المعجزات و توسع رقعتها الضخم لجميع الأمامة , و صحيح ان للصوفية الاسلامية كما للقديسين المسيحين فى العصور الوسطى معجزات و كرامات لكن فى حالة الصوفية ظلت تلك دائما خارجة عن الدين الرسمى و محفوظة فى صدور و عقول البسطاء فقط

تعدد الاسباب و النتائج و ان كانت تلك نواتج الاضطهاد ام من احساس ب"النعرة" و الفخر فالمحقق يرى فعلا مبالغة و فى قصة "الخيط" يروى عن خيط جلبه جبرائيل من عهد موسى للنبى و يحمله ابناء على و فاطمة من الجيل الثالث يؤدى حركته الهينة الى الزلزال و الكبيرة منها الى فناء البشرية...و تنتهى تلك العجائبية الكبيرة الى قول على لسان محمد بن الباقر يقول فيها ما معناه ان "عترة بيت النبى" سبب خلق الله للارض و السماء و الناس و الدواب ولا قمر ولا شموسا

و نرى فى رواية قرآنية النبى ابراهيم يطلب من الله التأكد فيكون التأكيد على ربوبية الرب و الوهية الاله هى احياء الطير بعد قتلها و توزيع لحومها ...و نفاجئ براوية فى كتب الشيعة عن سلمان الفارسى يريد التأكد من امامية على فيطلب منه تقطيع لحوم طيور مختلفة ليحيها عليا بنظره من عينيه

و ذكر عجائب الأمامة الشيعة يضيق به كتاب طرابيشى ذاته علاوة على حديثتا هذا ...لكن محاولات التوفيق بين علم الامام "الكلى"و الشامل و الجامع لعلوم الغيب و بين عموم قتلهم بالسم الذى يشتهر بالغدر و عدم المعرفة الذى حصد ارواح أئمة الشيعة واحد تلو الاخر...و فى تخريج كتبه الشيعة لذلك الامر أمر طويل يتقضى غالبا رواية علم الامام بالمكيدة و استسلامه لها و بذلك يتحول موت الامام -براوية سابق علمه لها-دليل فى حد ذاته على قوته لا برهانا طبيعى عن كذبه

و لا ندرى سبب تفضيل الشيعة لفكرة الامام المهدى المنتظر بدلا من قتله كسابقيه و يبرر طرابيشى ان فى ظل الشدة زادت الحاجة الى المعجزة لدرجة تفضيل الشيعة ل"اخفاء" امامهم بدلا من قتله كما قتل من قبله

و عموما فالمعجزات الامامية تماما كالمعجزات النبوية تتبنى منحنى تصاعدى ففى كتب الشيعة الاوائل تكون المعجزات قرب الخمسين لترتفع فى عهد الطبرى الشيعى الكبير 250 ثم تتضخم الى 300 فى كتب الطبرى الصغير و من ثم ترتفع فى كتاب "دليل المعاجز" للبحرينى الى قرابه الالفين معجزة موزعة فى اربعة الف من الصفحات المكدسة و التضخم هنا ليس كما فقط بل كيفا و تصاعدا حقيقيا فى كسر الواقع و قواعد الناموس فنرى دائما المعجزات المتأخرة اكثر عجائبية من زميلتها الاقدم... ذلك دون معجزات فاطمة التى لم يحصيها طرابيشى عددا و لم يحيطنا بفحواها
**************
و قرب النهاية نتسأل عن سبب اعادة تأسيس الاسلام على اساس نبى مثقل بالمعجزات المادية رغم تفاخره الاول بمعجزته القرآنية الاثيرة و الاعجاز اللغوى الذى نكاد نراه يتوارى وراء سحابة كثيفة من الاعجازات التى اخذت تتوسع كما و كيفا و امتدادها خارج عصر النبوة ذاته؟

يرجح طرابيشى ان ما اسماه "دين الفتوحات" ما كان ليستمر بمعجزة حسية عقلية كالقرآن تحتاج الى لغة قوية و عروبة ظاهرة لسبر اغواره و لبيان قوته و اعجازه, فى ظل مسيحية تطورت فى ذلك العصر الى ديانة مادية تزدحم بالمعجزات ليس لليسوع فقط ولا لحواريه فقط بل بامتداد طبيعى الى القديسين و ما اكثرهم فى ذلك العصر ...

بمنظور التركيبة السكانية لبلدان الفتوحات المقصودة بالدخول فى دين الله افواجا نستطيع ان نرى التحول من اعجاز الرسالة و القرآن الذى يتطلب اعمال للعقل حتى ان كان نسبيا محدودا بحدود الممنوعات , الى دين المعجزات الحسية التى تشل العقل حسب تعبير احمد أمين حين تحدث على معجزات أئمة الشيعة

و بما تداخل العنصر الاجنبى بشده فجلب معه تقاليده "السحرية" فيؤثر العموم الضعيف فى الخاص القوى فى مثال مشابه لقول ديورانت عن اجبار الرجل العادى فى العصور الوسطى الكنيسة ذاتها على ادخال افكاره البدائية فى الدين الرسمى

و الحقيقة ان تأثر و تأثير الاديان ببعضها البعض واقعا ملموسا شاء من شاء و أبى من أبى فنرى لمحات من "الحمل بلا دنس" للائمة و للنبى نفسه كما نراها جلية فى المسيحية و ربما البوذية نفسها ...و تأثير الاسلام فى مسيحية القرون الوسطى واضحا خاصة فى وضوح مفاهيم الحساب و العقاب و ليرى ذلك أولى الالباب ان ارادوا

فاستعملت المعجزة كتخريج لمشاكل النصر و الهزيمة , قيام و سقوط الدول , الخلافات الداخلية , تنفيس عن ضغط فئة مظلومة احيانا , و لتوطيد حكم قائم غالبا,

و لأن المعجزة الحسية فعل لاحق على الاسلام -ان اعترفنا بقليل من اعمال العقل بوضعية تلك الاحداث- فنقدها لا يقوض اساس الاسلام ذاته ولا عقيدته بل فقط يشككنا فى صحة الفعل التاريخ التالى لحجر التأسيس الالهى الاول على عكس المسيحية التى يقبع الاعجاز فيها محل التأسيس نفسه فى النص المقدس...و ربما يجب ان نسعد لهذا اذا اخذنا الخطوة النقدية بعد كل تلك السنين فنحطم "هياكل الوهم" التى اشار لها محمد عبده قديما لكننا لم ننتبه بعد

دينا نبيل
مايو 2015
رفـــايـــع

اوديب و ثيسيوس ل اندريه جيد

مسرحية: اوديب و ثيسيوس
تأليف: اندريه جيد
ترجمة: طه حسين
عدد الصفحات: ٢٠٢ صفحة
اصدارات دار العلم بالملايين
التقييم: ٥/٣.٥

كيف اختلف اوديب اندريه جيد عن اوديب اليونانى الكلاسيكى؟ بل و لماذا تميزت النسخة الصغيرة تلك عن اعادة الانتاج الاخرى الكثيرة؟

سؤال يصعب الاجابة عليه دون الرجوع للمقدمة طه حسين البديعة ... فى العادى اتجنب مقدمات المترجمين ، لانها اما تكشف احداث العمل و تحرمك من متعة المفاجأة او يطول حديث المترجم فيها عن الصعوبات و المشاق التى مر بها و لتلك القاعدة استثناءات كثيرة منهم مقدمة عتمان فى ترجمة الفردوس المفقود ، جبرا ابراهيم جبرا فى العنف و السخرية و نضيف لها على الرحب و السعه مقدمة طه حسين البديعة لمسرحيتى جيد و التى لولاها لفات القارئ ما اراد جيد ايصاله و لافتقد وجه المقارنة و سبب اهمية العمل

نجلس امام العملاق طه حسين كمريد امام شيخه و ندعه يحكى لنا من معينه الذى لا ينضب عن محاولات محاكاة اوديب فى انجلترا فى القرن السابع عشر و محاولات ايطالية فى القرن الثامن عشر و العدد الضخم من المحاولات الفرنسية ... و يروى لنا الفروق الفنية بينهم ، فمنهم من يضيف لها قصة حب ليرضى الجمهور ، و منهم من يهمل الشق الفلسفى ، و منهم من يضخمه ، و منهم من يبقى على جانبها التاريخى و منهم من يحدثها

فيجمع جيد شتات قصتى اوديب ملكا و اوديب فى كولونيا فى مسرحيته القصيرة و يضع فيها تركيز خاص على معضلة الانسان و الاله ... القدر و الارادة ... الكهنوت و الانسانية

اوديب جيد يهنأ بسعادته لكنه لا يعبأ ان يلقى بها اذا كانت تبنى على جهل و ضعف....يسخر من الالهة و يعلو من قيمة البشر فيصدم فى الهة تلعب بالقدر و به و ببشر منافقين لا يبحثون الا على مجدهم و لو على جثث الاخريين ... ابناؤه على شفا الالحاد يتسألون ان كان كانت الطيبة تنتج عن الالهة ام ان الطيبة تصنع الالهة...اوديب يفضل ان يعاقب نفسه و الالهة على ان يندم للحظة ... اوديب جيد تجسيد لبشرية ظنت كعادتها انها كفاية لنفسها لكنها -كعادتها مرة اخرى- تكتشف انها مخطئة بالطريقة الصعبة
***********************
و يضئ لنا طه حسين نورا لمعرفة الفرق بين العملين و لما اختلفت الروح فيهم فيقول ان اوديب كتبها جيد فى الستين من عمره وسط نجاحه و اصدقائه فنقرأها مليئة بالتحدى و بالعزة بينما ثيسيوس كتبها بعد ان تجاوز السبعين و بعد فقدانه زوجته و كثير من اصدقائه فنجد فيها بؤس رقيق و كفاية من العالم

فاذا كان اوديب رغم كل شئ ينظر للامام متحديا ، فسيثوس ينظر الى الخلف متنهدا و هو يروى لنا حال من قضى عمره فى الترحال و المغامرة و لم يجد فى الراحة راحة فتفرض عليه فرضا

"لقد جبت طرق المنطق كلها افقيا حتى تعبت من الاسفار ، انى لازحف ، انى اريد ان اصعد ، ان اتخلص من ظلى ، من مادتى القذرة ، ان اتخفف من ثقل الماضى ... ان افق السماء ينادينى"

دينا نبيل
١٤ مايو ٢٠١٥

أسباب تجعلنى راغبا فى الموت ل شيشرون

كتاب: أسباب تجعلنى راغبا فى الموت
تأليف: شيشرون
ترجمة: غادة الحلوانى
عدد الصفحات: ١٢٣ صفحة
اصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة
التقييم: ٥/٤

من هو اذن ماركوس تولليوس شيشرون المولود عام ١٠٦ ق م ؟ و لما نهتم بقراءة رسائله الشخصية لاصدقائه رغم مرور ٢٢ قرن؟!

فاما الاولى فبسيطة ، فشيشرون خطيب و محام و و مفكر رومانى قديم ، ترقى فى المناصب الى ان وصلت لان يكون قنصل و هو اعلى منصب فى روما الجمهورية ليقضى فيها مدته و يرجع لمجلس الشيوخ مؤثرا فى غيره يستشار قبل اى حدث او هكذا كانت القواعد فى جمهورية روما التى طورت مفهوم الديموقراطية الاثينية القديمة

لكن روما تغيرت و اختلف عليها رجلان عظيمان كلا بجيش جرار ، و علم شيشرون بسقوط الجمهورية و قيام ديكتوراية ما فاختار ما رأى انه الاقل خطرا پومپى ...ليهزم هزيمة ساحقة و يعاقب شيشرون باثر رجعى على احد اخطائه ابان حكمه كقنصل بالعقاب الاخطر من القتل عند الرومانيين النفى و مصادرة الاموال ...

لحكم قيصر روما و يسمح لشيشرون بالعودة بشرط التخلى عن السياسة ... ليقتل قيصر بعد حين ... و يختلف ورثته على كل شئ لكن يتفقوا على قتل شيشرون الذى مد رقبته لقاتله

لكن لما نبحث فى رسائل الرجل بعد كل السنين تلك ؟ التاريخ هنا هنا ليس ورق و مدادا بل دروس و عبر لمن اراد الاعتبار و العبره ... .و لتقارن ذلك بما حدث لدانتى عندما وثق فى هنرى الرابع ليلقى نفس المصير و ليعيد اثبات ان المثقف يحترق دائما بنور السلطة

لم يحب شيشرون الا نفسه و الجمهورية ، و لم يصفو تجاه قيصر ابدا ، و هزمه قيصر بحياته فسلب منه حريته و بموته سلب منه حياته ، حارب شيشرون من اجل نظام لم يكن يعلم انه انتهى بيولوجيا للابد ، و لم يصدق قط ان الامر انتهى

و شب شيشرون بلاتنية طفلة مازالت تعتمد على اليونانية و وورثها لمن بعده متقنة كاملة تحمل الفصاحة و الايجاز لتقود لوربا ١٥ قرن كامل الى ان تظهر اللغات الرومانسية
****************
و الرسائل التى بين ايدينا تبدأ عام ٦٢ ق م وقت النزاع فنجد فيها ثقة فى النصر و عزما ثم لاعوام ٥٨ و هى تقطر انكسار و حنين لوطن تمزق و خوف من الا يراه ثانية ، فاعوام العودة الى روما عندما سلبت منه حريته ، و اعوام بعد موت قيصر و ما تبعه من امل قصير و خيبة طويلة

و اختارت لنا غادة الحلوانى ٢٤ رسالة من اصل ٨٠٠ ، تمتاز بالترتيب و الاهمية و هى الجرعة المثالية فمن قرأ عن شيشرون سابقا و رغب فى التقرب من ذلك الفذ المحروم

فهو يظهر الكمد لزوجته من منفاه و يطلب منها ان تترك روما لتبقى بجانبه -و هو ما يظهر انها رفضته لاحقا- فيقول لها

"هل استطيع التضرع لك لتكونى شريكة منفاى و رفقتى؟! والا هل يجب على انئذ ان احيا بدونك؟

اما بالنسبة لابنى فدعونى على الاقل لا احرم من سلوان احتضانه للابد ...لكن يجب ان اضع قلمى جانبا لحظات فدموعى تنهمر بسرعة فائقة بحيث لا تسمح لى بمتابعة الكتابة"
*****************
لكنه فى المقابل يظهر جلدا و قوة عندما يحدث صديقة لنتولوس:

"من ناحية اخرة ارضانى ان اخيب امال اعدائى فقد تخيلوا ان عقابى سيلحق بى نفس تأثير عند كوينتس متللوس ، فقد صورونى حتى اكثر يأسا منه

غير ان العكس تماما هو حالتى و قد ولد فى القلق الذى عبرت فيه الجمهورية فى غيابى روحا اقوى من اى مرة"
*************
و هو فى حياة قيصر يخشاه ، يتجنب غضبه فى رسالة مع بايتوس:

"اننى لم اعطه فى اى موقف اى داع ليأخذه على محمل الاساءة و قد كنت حذرا على وجه خاص بصدد الذى اشرت اليه، حقيقة لقد مضى الوقت الذى اعتقدت انه يتسير لى بيسر ان ابدذ ارائى بحرية لان روما نفسها كانت حرة ، لكن الان و قد ماتت حرياتنا ارى انه من المناسب الا اقول شئ قد يثير قيصر او حاشيته على السواء"
***********
و هو يغضب على قيصر اكثر بعد موته و يغضب لاقامة "مغتصب العرش" تماثيل و الابقاء على قوانينه ...و لم يفقد ثقته فى نفسه ولا فى جمهوريته حتى قضى السيف على كلاهما عمرا و ما استطاع ان يحذفهما من كتب التاريخ و ذاكرة البشر

دينا نبيل
١٣ مايو ٢٠١٥

النص القرآنى و أفاق الكتابة تأليف: أدونيس

اسم الكتاب: النص القرآنى و أفاق الكتابة
تأليف: أدونيس
عدد الصفحات: 202 صفحة
اصدارات: دار الاداب
التقييم: 5/3

يمتلك أدونيس لغة ساحرة و تعبيرات خلابة تجبر القارئ على الانتباه لما يقوله و يمتلك الافكار المصقولة و المبتكرة الكافية ... لكن أيكفى هذا كله لانتاج كتاب قدير ؟

نعم تعبيرات ادونيس الساحرة ك : "ايتها الشمس الطالعة من الدم , ألن تضيئى قلوب البشر فى بلادى؟!" تسحر قلوبنا ....و تصريحه الموجع بانه يكتب بلغه تنفيه يثير فيها الشجن و الافكار ... لكن أيكفى؟

تقديرى الشخصى ان طريقة "تجميع" الكتاب اضرت به و بنا

الكتاب مجموعة من الابحاث و المقالات و الاقاقيص لا يجمعها فى الغالب الا الشتات ذاته ... نعم نقدر غاية أدونيس فى تخليد افكاره الصغيرة المتفرقة لكن حقا و صدقا الافكار الصغيرة تلك اذا بذل فيها قليل من تفكيره الثرى لوهب لنا كتاب ساحر متكامل هام و مهم
**************
فى البداية كان المنفى , لغة عربية نشأت قرب هاجر و اسماعيل فى احضان الغربة و العطش و كثير من الحيرة , لغة توجب على شاعرها ان يحن لوطن ما قديم ... جاء الاسلام ليهب الغرباء موطن ليس على الارض بل بصله مباشرة بالسماء .... لتتحول فى لحظة فارقة لغة المنفى الى اللغة المقدسة

لكن القداسة تجمد الاشياء , تكلسها ... و تكلس المؤمنين بيها احيانا , فتتحول لغة المنفى المقدسى الى مؤسسة تغمر المبدع و تجبره على الانضباط و على النظام التى تخنق الحلم و تحول بالضرورة كل ابداع الى هدف مجتمعى و رسالة وعى ما

مؤسسة ترى ان الامر اصبح محددا نهائيا ترى فى الابداع اما ضياع للوقت او تحدى للاستقرار ... مؤسسة ترى ان اعادة النص و حفظه و تكريره اهم من اى ابداع او تجديد او حتى البحث عن معنى و دالاله فيه ... تقزم الفنان او تكفره
**************
و يكتب لنا ادونيس عن سجن اللغة و خرس المفردات , بلاغة القرآن و تفصيله فيسحرنا ... ثم يتوه بنا فى دوامات الاقاصيص و الافكار المتناثرة فيبعد بنا عن الهدف و المتعة

لكن المقالات الاولى كافية لتأسيس طريقة تفكير جديدة فى حد ذاتها و مقطع واحد منها قد يغير لك قناعات مسبقة كثيرة

دينا نبيل
ابريل 2015

الغليان ل لاورا اسكيبيل

رواية: الغليان
تأليف: لاورا اسكيبيل
ترجمة: نادية جمال الدين محمد
اصدارات المشروع القومى للترجمه
التقييم: ٥/٥

تظل تبحث عن عمل يخطفك من واقعك ليدفعك الى عالم موازى شديد الثراء ، تتنقل من مجموعة قصصية الى قصيدة شعرية الى نوفيلا او رواية مطولة ، تسافر ذهنيا بين اداب نازية المانيا و عصور جاز امريكا و تفرقة جنوب افريقيا و حرافيش نجيب محفوظ ، تفتح ملفاتك الاليكترونية و مكتبتك الصغيرة التى امتلكتها بعد عناء ، و وسط بحثك تجد رواية لروائية لم تسمع اسمها قبلا و من بلد لا يمكن وصفها بالرائدة فى الادب فاذا بها تفعل بك الافاعيل و تسحرك

لاورا إسكيبيل المكسيكية تقدم مزيج مبهر بين النسوية و الواقعية السحرية فى رواية محكمة ممتعه تختار لها اسم محلى و مبتكر : "كالماء للشيكولاته" لكن استاذتنا نادية جمال الدين محمد التى نقلت لنا النص فى ترجمة المشروع القومى للترجمه تختار الاسم البديل "الغليان" لتقدمه للقارئ العربى مخالفه فى ذلك استاذنا صالح علمانى الذى فضل فى ترجمته لدار بلومزبري و هو من فضل الاحتفاظ باسمها الاصلى .....كالماء للشيكولاته او الغليان او حتى "شيكولاته مرة" كما فى ترجمتها الفرنسية تظل الرواية ملفته للانتباه حتى فى تنوع اشكال اغلافتها بين الطبعة و الاخرى

رواية لا تهتم بخارج البيت ، فلا الحروب او الثورات او السياسة او حتى الطقس يثير اهتمام لاورا اسكيبيل او تيتا بطلتنا الصغيرة و لا حتى نحن الا فيما يؤثر ذلك فى شخصيات منزل روايتنا .... تفضيل ذوبان الشيكولاته بالماء على اللبن عند تيتا اهم من حرب عالمية اخرى ، و نظرة واحدة من بيدرو المحب الممنوع يوازى صعود الانسان الى القمر

عائلة صغيرة محكومة بالحديد و النار لا تحيد عن تقليدها العتيق ، الا تتزوج الابنة الصغرى قط لتتفرغ للعناية بشيخوخة الام ... لم نعلم بعد ان كان التقليد حقيقى فى الريف المكسيكى ام انها لعبة ادبية من المؤلفة و ربما لا نهتم كثيرا فتسارع الاحداث و عمقها يجذبنا من تساؤلاتنا الى واقع شخصيات تتطبق قواعد الواقعية السحرية كافه فقدميها فى باطن الارض و رأسها بين السحاب

حالة القهر التى عبرت عنها لاورا -حتى فى قالبها الخيالى العاطفى- تكسب الرواية طعم نسوى بالتاكيد ... ارتباط شرطى بين الطعام و الطبخ و بين اطفاء نيران الوحدة و الشوق و الخذلان

و كما بدأت تنتهى بسعادة غامرة و حزن دفين ... فى امتزاج حميمى تماما كالفلفل بالرمان المكسيكى الشهير

فى عمل يجمع بين وصفات الطعام الشهرية و العلاجات المنزلية و الغراميات الملتهبة و ارضاع الطفل من ثدى عذراء و كثير من فن الحكايات قدمت لى المكسيكية لاورا اسكيبيل قصتى المفضلة الجديدة

للتحميل
http://www.4shared.com/office/ylChbo9-/alghlean-ar_PTIFF.htm?locale=ar

دينا نبيل
فجر ٢٠ ابريل ٢٠١٥

مستوطنة العقاب ل كافكا

قصة : مستوطنة العقاب
تأليف: كافكا
ترجمة: كامل يوسف حسين
عدد الصفحات: 84 صفحة
اصدارات : دار شرقيات للنشر
التقييم : 5/4

يبرع كافكا كعادته ان يضعنا فى حالة الكابوس ... لم يكتب قط من استطاع اتقان فن الكابوسية ك كافكا ... شخصيات اميل للاشباح و جو خانق عام يمتلك قوانينه الخاصة و طريقة تفكيره الموازية ... يستخدم كل ادوات التمثيل و التكثيف ليخلق لنا تلك القصة الصغيرة الخالدة

يبدأ كافكا سريعا بلا مقدمات , يضع القارئ فى قلب المعمعة دون تجهيز مسبق و يتبقى للقارئ النابه -و هو القارئ الوحيد الذى يهتم بكافكا و ادابه- ان يدرك سريعا شخصيات العمل و مكان وقوع الاحداث و الاهم ان يبنى فى ذهنه الخاص تصور دقيق لتلك الالة العجيبة .... و اذا حدث فى يوم ان نظمت مسابقة بين قراء العمل لرسم تلك الاله فالتنوع بين الصور سيكون جد مثير للاهتمام ... لكن العجيب هو دقة وصف كافكا للالة ما يشعرك انه يلمسها قبل ان يصف , شارحا اجزاءها الميكانيكية بدقة , يسقط عليها بعد فى حركتها , يصف على لسان الضابط تفاصيل عملية الاعدام بوصفية خالية من الانفعال او التأثر , يصنع لها ماضى عريق و حاضر قلق و مستقبل محجوب , يجسد شخصية صانعها الاول و ايام مجدها حين تقاطر الاطفال و الكبار متحلقين بعيون يملأها الدهشة و الاعجاب , و بانتقال سريع لحاضر الألة الاقل عراقة و اكثر تفككا

يقابل تلك الحيادية فى وصف خطوات الاعدام عامل اخر لا يقل اهمية ...تصميم كافكا لشخصية المحكوم , هدوء و لا مبالاة و استسلام وصفه ب "الكلب الخاضع" و فى حالة الاستسلام تلك كتب علم النفس مجلدات ضخمة محاوله التفسير و الايضاح ... و علاقة الجندى و المحكوم غريبة الاطوار

"لم يكن ذلك تعذيبا بديعا على نحو ما رغب الضابط ...و انما كان قتلا صريحا"

تلك كانت نقطة التحول النفسية فى العمل , بعد فقرات طويلة من الشرح البارد يضعنا كافكا فجأة فى الماء الساخن .... كان قتلا , ببساطة قتلا ...مهما اعجب الضابط به او قائده السابق يظل قتلا صريحا

مستوطنة كابوسية حقيقية ... كابوسية لدرجة ان ان الحل الوحيد لها ان تفيق او ببساطة تهرب منها ولا تنظر ورائك ابدا

دينا نبيل
ابريل 2015

مرحباً، هل من أحد هناك؟ ل جوستاين غاردر

رواية: مرحباً، هل من أحد هناك؟
تأليف: جوستاين غاردر
ترجمة: أمانى العشماوى
عدد الصفحات: 116 صفحة
اصدارات: دار الشروق
التقييم: 5/3

يكتب لنا جاردر بعد ان عرفه القارئ الغير نيروجى برائعته الخالدة: عالم صوفى ...و تقوم "بالتعريب" امانى العشماوى و لا اعلم سبب انجذابى لهذا التوصيب القديم المحبب بدل من لفظ "الترجمة" الاوسع استخداما فى ايامنا ... و يرسم لنا وليد طاهر غلاف ممتع و رسومات داخلية طفولية رائعة ... و بالثلاثى العجيب هذا نستمتع بقصة كبيرة متنكرة فى صورة قصة للاطفال

كما فعلت بنا رواية الأمير الصغير للعبقرى أنطوان دو سانت-أكزوبيرى بنا قديما , قدمت لنا المتعه و الخيال و الانبهار بعيون طفولية .... ينبهنا جوستاين كما حذرنا انطوان اننا نفقد الانبهار حين نقرر انه ننضم لعالم الكبار , نفقد استمتاعنا بالوهلة الاولى , نفقد قدراتنا على الاستكشاف , تماما كبيتر بان نفقد قدرتنا على الطيران

بقصة صغيرة مليئة بالفلسفة المغلفه بالطفولة يزيل عنا المؤلف قناعاتنا التى حبسنا انفسنا فيها ... "عندما يلتقى شخصان و يكون احدهما مقلوبا .. ليس من السهل معرفة ايهما المقلوب و ايهما المعتدل" هكذا اخبرنا .... نكبر فنضع قناعات راسخة تحجب ضوء الاكتشاف و نضع بايدنا حواجز و فواصل بين الانا و الاخر ...و العلاج الناجح هو العودة للبدايات

طفل يقابل طفل من الفضاء...انحنائة طويلة مكافأة ... ولادة ام خروج من بيضة .... ارنب ابيض يسافر رحلة طويلة ... عندما يتقابل صديقين فى عالم الاحلام من يضمن لنا من النائم و من فى عالم الصحو ... رحلة تطور طويلة ... من يفقد الايمان بالخالق يفقد احد حواسه .... ربما يجب فقد ان نتقابل عند قمة الجبل الطويل

يعلمنا جوستاين ان الميزة الكبرى فى زيارة كوكب جديد انه يعلمك عن كوكبك الام

دينا نبيل
ابريل 2015

خلسات الكرى ل جمال الغيطانى

اسم الكتاب: خلسات الكرى , الدفتر الاول من دفاتر التدوين
تأليف: جمال الغيطانى
عدد الصفحات: 174 صفحة
اصدارات دار الشروق
التقييم: 3.5 / 5

يقدم لنا العزيز على القلب و العين جمال الغيطانى دفاتر تدوينه الواحد تلو الاخر ... فلنغوص بدورنا فى دفتره الاولى الذى اعطى له اسم ساحر : خلسات الكرى

القارئ المتعاد على الغيطانى و كتبه يعلم ان البنيان و السفر و التاريخ و النساء هم قلب مؤلفاته النابض.... و باللعب على تلك العناصر و تغيير نسبها تتنوع كتبه و تستطيع -فى كل مرة- ان تبهر القارئ

بلغة ساحرة و اسلوب بلاغى يصعب مقاومته يقدم لنا الغيطانى قصص نساؤه التى ارتبطت كل منهن بحال و بلد و لغة و أمر ... بين برودة روسيا و اعتدال تركيا و اعاجيب المغرب و عراقة سمرقند و تراث قاهرة المعز الخلابة...كان الانتقال السلس بين الاحوال و النساء

المرأة فى ادب الغيطانى ملامح يستحق الدراسة فى حد ذاته , كل امرأة كون خاص متفرد متنوع يختلف فى الصفات و الروح و التكوين ... يعامل كل منهن ك الهة قديمة سلب قدسيتها الزمان ... الجنس فى ادب الغيطانى فعل روحى فى المقام الاول , التقاء نصفى التعويذة تمنح قوة تكفى لهدم العمران او عمران الهدم .... مقدرة الغيطانى فى منح الفعل الجسدى البحت المعنى الابد و الاطول و تلك القدسية لعناصر الانثى تعطى ادبه صفة مميزة عن جيله و من جاء قبله او بعده

يلمح اكثر مما يصرح ... فاذا كانت "رسالة فى الصبابة و الوجد" هو الشرارة و التمع ....و "دفتر العشق و الغربة" هو اللقاء و الامتزاج... ف "خلسات الكرى" هو الانشاد المتناغم , المتوافق , الساعى الى الكمال تماما كوصف الغيطانى لذلك اللقاء الكونى العجيب

فلا يتبقى عندها الا التوجه بكامل انتباهنا الى الدفتر الثانى من دفاتر الغيطانى الكثيرة

دينا نبيل
ابريل - 2015


فئران امى حصة ل سعود السنعوسى

رواية: فئران امى حصة
تأليف: سعود السنعوسى
عدد الصفحات: ٤٤٢ صفحة
اصدارات: الدار العربية للعلوم ناشرون
التقييم: ٥/٤

ماذا تقدم لنا الروايات؟ اجابتى المعتادة هى انها تقدم قطعة من الحياة بزاوية مؤلفها ... انها "الذاتية" التى تمنح الاشياء طعما ، فلتذهب الحيادية الى الجحيم ان ارادت ، او تلتزم بغرف العمليات الجراحية الباردة ذات الجدران البيضاء ... لا يهم اختلاف السنه و الشيعة ، العرب و العجم ، المواطن و الزائر ، المهم هو فقط كيف ينظر الروائى/المبدع عن هذا كله

ماذا قدم سعود لنا اذن؟ فقط قطعة من عالمه مجسدة على وريقات .... رواية لا يمكن وصفها ابدا انها "بانوراما خرساء" بل هى المقابل تماما لها

هنا نسأل مرة اخرى ، لم تتميز رواية عن غيرها؟ نجيب انها المحلية التى ترفع للعالمية .... مشاكلنا الصغيرة ، حروب اهلنا الطويلة ، سلسلة الخذلان المستمرة ، تمزقنا الضغوط و نكبت افكارنا .... و بصب كل ذلك فى قالب قصصى واحد تتميز رواية بينما يقتل الضجر و النسيان الاخريات موت بطيئا
****************
وطن تمزقه الطائفية ، العرق ، الافكار ... نختلف على نسب الزكاة و رؤية القمر و نتفق على قتل بعضنا البعض و نضيف عليها تكفير من يرفض الانضمام لحربنا البائسة

غزو عراقى للكويت يحول العش الهادئ و المنطقة المسالمة الى حقل الغام فكرى .... و نصر بائس بديل عن هزيمة اشد بؤسا

احتفظ فى ذاكرتى بقصص امى عن الغزو ... تم فى عام ولادتى ....قلق امى المستمر لوجود اخين لها فى الكويت ... المتابعة لنشرات الاخبار ..موقف الفلسطنين الذى لم يخزى الا هم..... احتراف الحزن و الانتظار بجوار هاتف لا يطلق رنين ... عودة الخال الشاب سائرا على اقدام الحزن و خالى الوفاض من "تحويشة العمر"

لكن سعود يتجاوز قصص امى و رؤيتها المصرية للحدث ...سعود يخطفنا لنسمع مخاوف و فئران و اشكاليات "حصة" تملأ قدور الماء خوفا من العطش و الدعاء سرا و جهرا بالسلامة
****************
ما القالب الذى اختاره ليضم كل تلك المشاعر و الافكار و القصص الصغيرة؟ ... اختار سعود تكنيك (تيار الوعى) ، احد قوالبى الاثيرة ربما لانه يحتاج لضبط مرهق للتوازن بين الحاضر و ماضيه .. انتقال سلس من ال "فلاش باك" الى احداث الواقع يرهق لكل تلك الخيوط فى يده لكنه يفتح شهية القارئ و ينزع عناصر الملل

السير على خطين متوازيين بنموذج رواية داخل رواية متعب للجميع لكنها تنعش الاذهان

هل الرواية اطول من اللازم؟ بالتاكيد ... هل كانت تحتاج لعنصر التركيز قليلا؟ نعم ... هل حانت اوقات تسرب الملل الينا رغم كل محاولات المؤلف و كان من الممكن حذف بعض الفصول ؟ نؤكد ذلك ... هل عاوت سعود غلطته فى "ساق البامبو" عندما فشل فى المحافظة على الايقاع القوى قرب النهاية ؟ بالتاكيد ..........لكن رواية ملحمية تطل علينا من مشرقنا العربى تستحق الاشادة و القراءة و التأمل
*****************
و اخيرا....دعونا نتوقف لحظة تسجيل اعجاب لحكومتنا العربية التى منعت رواية موضوعها عن منع الروايات...حكومتنا العزيزة ، شكرا

دينا نبيل
١٣ ابريل ٢٠١٥


قصة الحضارة 28- عصر الايمان ٩ -اوروبا ٣:المعارف و العلوم


اسم الكتاب : عصر الايمان ٩ -اوروبا ٣:المعارف و العلوم - المجلد الثامن و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
عدد الصفحات: ٣٨٤ صفحة
اصدارات دار نوبليس
التقييم: 5/5
عندما تبدأ فى السطور الاولى من مجلدات عصر الايمان لا تدرك السرعة التى ستصل بها للسطور الاخيرة من المجلد التاسع و الاخير منها ...و فيه نشتم نسمات ما سيسمى لاحقا عصر النهضة و فيه نرى الحياة الادبية و العلمية فى نهايات العصور الوسطى الطويلة من قسطنطين الى دانتى
و اولى علامات المخاض الصعب هو اشتقاق اللغات الاوروبية عن اصلها اللاتينى الصلب التى حافظت عليه الكنيسة و ادابها طوال عشرة قرون بعد احتضار حضارة روما العريقة ... و الغريب ان "موت الادب" كان هو سبب هذا الانفصال العجائبى , فبانقراض الاداب و الفنون و انفصال علوم الكنيسة الرسمية الدينية المتصلبة عن الفن الشعبى الذى صار البديل جعل الانسان العادى القروى يملك سلطات واسعة فى استخدام لغته البسيطة التى صارت هى بذاتها بعد ذلك لغة راقية
وبيننا كانت اللغة اللاتينية تنقسم وتتولد منها اللغات الرومنسية، كانت اللغة الألمانية القديمة تتفتت هي الأخرى إلى اللغة الألمانية الوسطى، واللغة الفريزية، والهولندية، والفلمنكية، والإنجليزية، والدنمرقية، والسويدية، والنرويجية، والأيسلندية...وكونت إيطاليا لغتها القومية ببطء أكثر مما تكونت به لغتنا أسبانيا وإيطاليا. ذلك أن اللاتينية كانت لغتها الوطنية، وأن رجال الدين، وهم الذين كانوا يتكلمون اللغة اللاتينية، كانوا كثيري العدد في إيطاليا، وأن استمرار ثقافتها ومدارسها منع اللغة أن تتغير بنفس اليسر والتحرر اللذين تغيرت بهما في بلاد ذات تقاليد منقطعة غير متصلة.
************
و عملت حركة الترجمة النشطة الى رجوع الفلسفة اليونانية مرتدية حلتها العربية الى روما و اوروبا التى تناسوا علوم العقل فى زحام الكر و الفر و الحرب الصليبية منها و الاهلية
فانشئت المدارس المدنية بعد كثير من المقاومة الكنسية فاحدث هذا الحدث العارض الثورة الفكرية مقترن بحركة الترجمة العربية .. ليهز قواعد الكنيسة الراسخة بافكار التحرر و التشكك و الفكر المنطلق الذى لا يهتم بالارهاب او الارغام كثيرا , خاصة بنظام تلك المدارس الذى كان فيه المدرس مجرد موظف لدى رابطة الطلاب المسيطرين ماديا و فكريا
لم تكن سن طالب العصور الوسطى محددة، فقد يكون في أي سن، وقد يكون قساً او راهباً ممتازاً، أو رئيس دير، أو تاجراً، وقد يكون متزوجاً أو غلاماً في الثالثة عشر من عمره، يثقله عبء الكرامة المفاجئة التي ألقيت عليه في هذه السن. وكان هذا الطالب يذهب إلى بولونيا، أو أورليان، أو منبلييه ليصبح محامياً، أو طبيباً، أو يذهب إلى غير هذه من الجامعات في بعض الأحوال لكي يأهل نفسه لخدمة الحكومة، أو يجد لنفسه في العادة مجالاً في الكنيسة. ولم يكن يؤدي امتحاناً للدخول في الجامعة؛ بل كل ما كان يطلب إليه أن يعرف اللغة اللاتينية، وان يكون قادراً على أداء أجراً زهيد لكل مدرس يدرس منهجه عليه.
_______________________
و وسط كل تلك الحركة الفكرية المستجدة بعد قرون طويلة من طغيان السلاح على الدماغ و الذراع على الذهن..كان ظهور أبلار حتميا
أبلار فيلسوف عصر حرم من نور الفلسفة,مدرس له تأثيره فى الجامعات الوليدة, راهب و قس مختلف عن ابناء جيله,و محب قاسى الكثير بسبب افكاره و سوء المنقلب و مثال حى لقصص الحب المجهضة فى عصر الايمان
و الجدال بتفاصيله تلك اذا نظر لها مواطن القرن الحادى و العشرين نجده سفسطئى او غير ذى بال , لكنه حمل اهمية قصوى و شارف على تغيير وجه قارة تخطبت كثيرا و هى مساءلة الجزء و الكل و دور الكلية و الجزئية ..و هنا نستعين بكلمات ديورانت كاقتباس:
"الوجود الموضوعي (للكليات). وكان (الكلي) في الفلسفة اليونانية وفلسفة العصور الوسطى هو الفكرة العامة التي" تدل على صنف من الأشياء (كالكتاب، والحجر، والكوكب، والرجل، والنوع الإنساني، والشعب الفرنسي، والكنيسة الكاثوليكية)؛ أو الأعمال (كالقسوة، والعدالة)؛ أو الصفات (كالجمال، والصدق).
وكان إفلاطون، وهو العليم بسرعة زوال الكائنات والأشياء الفردية، قد قال بأن الكلي اكثر بقاء، وأنه لذلك اكثر حقيقة، من أي فرد من الصنف الذي يصفه: فالجمال اكثر حقيقة من فريني، والعدالة اكثر حقيقة من أرستيديز والرجل اكثر حقيقة من سقراط؛ وهذا هو الذي كانت العصور الوسطى تعبر عنه (بالواقعية).
وخالف أرسطو هذا الرأي وقال أن (الكلي) ليس إلا فكرة يكونها العقل لتمثل صنفاً من الأشياء المتماثلة؛ فهو يرى أن الصنف نفسه لا يرى إلا فيصوره أعضائه التي يتركب هو منها. والناس في وقتنا هذا يتجادلون: هل يوجد (عقل جماعة) منفصلاً عن رغبات الأفراد الذين تتكون منهم هذه الجماعة وأفكارهم ومشاعرهم؟ فأما هيوم فقد قال أن (العقل) الفردي نفسه ليس إلا اسماً مجرداً من سلسلة الأحاسيس والأفكار، والإرادات التي في كائن حي ولمجموعها.
ولم يكن اليونان يهتمون اهتماما كبيراً بهذه المسألة، لكن العصور الوسطى كانت تراها مأساة حيوية. فقد كانت الكنيسة تزعم أنها موجود روحي بالإضافة الى مجموع الأفراد المنضمين إليها؛ وكانت تشعر بأن (للكل) صفات وقوى غير صفات أجزاءه وقواها؛ ولم يكن في مقدورها أن تعترف بأنها فكرة مجردة، وأن الأفكار والعلاقات التي لا نهاية لها والتي يوحي بها لفظ (الكنيسة) ليست إلا أفكاراً ومشاعر في أعضاءها المكونين لها، بل أنها هي (عروس المسيح) الحية. وشر من هذا قولها: إذا كان الأشخاص، والأشياء، والأعمال، والأفكار المفردة، هي وحدها الموجودة فماذا يكون مصير الثالوث؟ هل تكون وحدة الأقاليم الثلاثة فكرة مجردة لا اكثر، أو هل هي ثلاثة آلهة منفصلة عن بعضها البعض؟ أن علينا أن نضع أنفسنا في الجو اللاهوتي المحيط بروسلان إذ شئنا أن نفهم ما حل به."
فالامر الذى بدأ كجملة منسية فى جمل الفلسفة صار امر لاهوتيا بامتياز و الكنيسة التى كانت تمتلك حساسية مفرطة تجاه الحديث اللاهوتى عموما و عن الثالوث خاصة قادت حرب ضروس ضد افكار اليونان القديمة , و كان ابلار فى المعسكر المعادى هذا لكن حديث الممتع و مكانته كمدرس يجذب الرواد لحديثه و سهولة منطقه و ربما غروره و زهوه بنفسه و ثقته اللامتناهية بها ساعداه فى تلك المراحل الاولى و قدمت الكنيسة له نوع من الرشوى المقنعة بتقديم مناصب كهنوتية مقابل الصمت لكن مع شخصية فذة كابلار كان الامر محسوم
و ربما انتصر فى جداله لو لم تظهر على الساحة لتقلب الموازين كلها "هلواز" ابنه اخ قس الكنيسة تأسر قلب ابلار بعفافها و جمالها ليقع بين الطرفين المتناقضين قصة حب تعيسة تنتهى بحمل هلواز ثم زوجها منه سرا فاعلان السر الامر الذى سيؤدى لانتقام من اسرته يقطعون فيه اطراف ابلار الجنسية و تدخل هلواز كراهبة فى الدير
و نحب ان نصدق انه ظل يحبها حتى مماته ,و نحب ان نصدق ان الرسائل المتبادلة فيما بينهم حقيقية بنصها , و نكره ان نصدق ان الدين قد مزقهما و انه لولا وجودهم فى عصر الايمان بما يحمله الدين من سلطان لعاشوا حياة اقل بؤسا
و رحلة ابلار الفكرية بين الكنهوت و الرهبنة تتحطم على صخور الحب ...و قد تموت فلسفه ابلار لكن قصة حبه و رسائله المتبادلة مع حبه المنسى لا تنسى و نختم حديثنا بخطاب منسوب لهلواز بعد الرهبنة لحبيبها الذى ذاق طعم الحب مرة واحدة فحطمه:
أنك لتعرف يا أعز الناس علي - وأن الناس كلهم ليعرفون- ماذا خسرت بفقدك... لقد بدلت ثيابي وقلبي طوعاً لأمرك، كي أظهر لك أنك مالك جسمي وعقلي... ولم أكن أتطلع إلى عهد الزواج، أو إلى مهر تمهرني به... وإذا كان أسم الزوجة يبدو أكثر قداسة وأقوى رابطة، فأن أحب إلي، أسم الصديقة منه وأعذب على الدوام؛ أو، إذا لك يكن في هذا ما تستحي منه، أسم العشيقة أو العاهرة... وأني لأشهد لله لو أن أغسطس الذي حكم العالم كله رأى أني خليفة بأن يكون لي شرف الزواج به، وأن يملكني العالم بأسره أحكمه حكماً يدوم أبد لدهر، لكان قولهم أني مومسك أحب إلى من قولهم أني إمبراطورتها
********************
و يكتب ديورانت فصل طويل مفصل عن فلسفة توماس الأكوينى التى حاول فيها التوفيق بين الفلسفة القديمة التى عادت للساحة و بين دين الكاثوليكية الذى بدأ فى فقدان السيطرة .. فكرهته الفلاسفة و كرهه اهل الدين , و حاول صد تأثيرات ابن ميمون و ابن رشد و ادخال ارسطو فى معية الكنيسة دون اضافته العربية , و ربما تحقق له ذلك لكن بعد وفاته بقرون
و فصل عن العلوم فى العصور الوسطى التى بلغت اقصى قدر فى التاريخ من اختلاط الدجل بالعلوم و الدين بالطب و التعاويذ السحرية فى كل شئ و الاكثر اثارة للانتباه ان الامر قد تجاوز افكار العامة لتصل الى كتب الاطباء و العلوم ذاتها
وكان لابد للعلوم والفلسفة في العصور الوسطى أن ينمو غرسهما في جو من الأساطير، والخرافات، والمعجزات، والفأل، والطيرة، والعفاريت، والهولات، والسحر، والتنجيم، والتنبؤ بالغيب، وهي العقائد التي لا تنتشر إلا في عصور الفوضى والخوف
و يحاول ديورانت ان يرينا الاستثناءات فى القاعدة والا نتصور اوروبا كمستنقع دائم فى ذلك العصر المظلم فيرينا بعض التقدم فى فنون الطب و الجراحات و الفلك و هى العلوم التى طالما ارتبطت بالانسان و حياته المباشرة و اجبرته على الاهتمام بها
لينتهى عصر الايمان بدانتى و ملهاته المقدسة الممتعة التى تجبر القارئ النابه على ان يتذوقها مرة تلو الاخرى ...و به يضع دانتى ذلك الخط الوهمى الذى يفضل العصور عن بعضها , ولا يمكنا افتراض ان عام 1300 به عادات العصور الوسطى و افكارها و ان عام 1301 يختلف كثيرا فى ظل عصر النهضة
********************
و الان بعد تسعة مجلدات كاملة تروى قصة 10 قرون و بعد ان توفر لنا ما لم يتوفر لكثيرين من قراءة تاريخ شؤون سياسة و اداب و دين القرون الوسطى كاملة نسعد بتلك اللحظة الممتعة من تذكر القرون العشرة و نرى تراث هذا العصر الممتد
فنرى قليل من نتائج العلم الا من انجازات العرب فى بغداد , مصر ,و الاندلس...لكننا نرى دانتى لا يقل عن فرجيل و نرى اداب العرب و الشعر و قصص ارثر و غراميات الفروسية ,

و نرى كثير من نتائج الدين فى عصر استحق لقب عصر الايمان , و نرى دين يهودى كتب تلموده فحافظ على تماسكه و جموده, و نرى المسيحية تدخل قرنها الثالث على استحياء وراء قوة قسطنطين و تخرج فى قرنها الثالث عشر قوية متسلطة تركع ملوك اوروبا امامها و تذل فيريدريك الثانى رغم انتصاراته الصليبية , و نرى اسلام يبزغ فى قرنه السادس ليبلغ اقصى قوته و يبدأ انحساره
ونحن في انتقالنا من عصر الإيمان إلى عصر النهضة إنما نتقدم من الطفولة المزعزعة غير الواثقة بنفسها إلى الشباب البهيج للثقافة التي قرنت ما كان عند الرومان واليونان الأقدمين من ظرف ورقة إلى ما كان عند البرابرة من قوة؛ وهي ثقافة نقلت إلينا تراثاً متجدد الشباب موفور الغنى لحضارة من حقها علينا أن نعمل على الدوام لزيادتها وألاّ نتركها تموت.

شكرا ديورانت و محمد بدران لكتابة و ترجمة ذلك المجلد الضخم و ما قبله ...و نشكر كل من اتاح لنا وقتها لنتطلع عليه و نكتب عنه بالاهتمام و الحب ...و ندعو الله ان نكتب مقال اخر عندما ننتهى من مجلدات عصر النهضة
مايو 21 ... 2015

قصة الحضارة 27- عصر الايمان ٨ -اوروبا ٢:الفنون

اسم الكتاب:عصر الايمان ٨ -اوروبا ٢:الفنون -المجلد السابع و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
اصدارات دار نوبليس
عدد الصفحات: ١٤٢ صفحة
التقييم: 5/3

فى مجلد قصير و صغير الحجم على غير عادة ديورانت يروى لنا شكل الفنون و العمارة فى العصور الوسطى الاوروبية من عام ١٠٩٥ الى عام ١٣٠٠

يتسأل ديورانت و نتسأل معه عن السبب الذى جعل من فنون اوروبا حتى فى عصورها تلك علامة مهمة؟ كيف نتج عن عصر الايمان المظلم المثقل بالجهل و الظلام كل تلك الفنون الكنسية و مئات الكاتدرائيات المثقلة بالفنون و فن المنمات؟ و كيف انبعثت الموسيقى بعد سنين الركود الطويلة؟

و الاجابات كثيرة تتنوع و تتشارك فيما بينها لتنتج فنون ذلك العصر البعيد فاتصال اوروبا بيبزنطة من جانب و بالمسلمين من جانب اخر خلال الحملات الصليبية و كلتا الحضارتين برعوا فى فنون العمارة بشكل خاص ...و الامن و السلم الذى تلى القرن العاشر دفع مواطن القرون الوسطى المرهق لاحضان الفن...الاموال المتدفقة على الكنائس من الهباب و حتى صكوك الغفران ...و لاننا فى ظل عصر الايمان فكل ما نراه ينبع من الدين و دوافعه , و كعادته استخدمت الكنيسة اسلحة الوثنية لمصلحتها فاستخدمت نفس وسائل تعظيم اله اليونان و الرومان الفنية لتصنع منها مجدا ارضيا لاله مصلوب

وكان الرهبان هم الذين حافظوا على الأساليب الفنية في الفن الروماني، واليوناني، والشرقي، ونشروها، كما حافظو على )الآداب اليونانية والرومانية القديمة. ذلك أن الأديرة لحرصها على أن تستقل بذاتها دربت النازلين فيها على فنون الزخرفة كما دربتهم على الحرف العملية. فقد كانت كنيسة الدير تطلب مذبحاً، وأثاثاً للمحراب، وكأساً للقربان، وصندوقاً وعلباً لحفظ المخلفات، وأضرحة، وكتلاً للصلاة، وماثلات، وقد تتطلب نقوشاً من الفسيفساء، وصوراً على الجدران، وتماثيل وصوراً تبعث التقى في القلوب، وكان الرهبان يصنعون معظم هذا بايديهم، بل إنهم هم الذين يخططون الدير ويبنونه،)

و غارت الكنيسة من مجد و ترف قصور الملوك المدنين فتنقلت ذلك كله لخدمة الرب, فصنعت علب ذهبية مزينة بالجواهر للمخلفات المقدسة , و مذابح الكنيسة مزينة بالفضة , و ازدهرت صناعات الزجاج و الخزف و المنسوجات اليدوية المنمنمة الفاخرة , و عاد العاج يزين الخشب , و امتدت الفيسفياء من بيزنطة لتجتاح اوروبا

اما فن النحت فنأسف لان البلدين الاتى برعتا فيه تضافرت فيه فنون التحطيم و بقى اثر بعد عين و نستعين هنا بكلمات ديورانت:

خليق بكل من يدرس فن النحت في العصور الوسطى أن يستشعر الندم حين يبدأ هذه الدراسة. ذلك أن قسماً كبيراً من آثاره دمرها المتطهرون المتعصبون في إنجلترا، وكان البرلمان في بعض الأحيان هو الآمر بهذا التدمير، كما دمر الكثير من هذه الآثار في فرنسا أثناء الإرهاب الذي تعرض له الفن أيام الثورة. وكان ذلك العمل الرجعي في إنجلترا موجهاً إلى ما بدا لمحطمي الصور الجدد أنه زخرفة وثنية للأضرحة المسيحية، أما في فرنسا فكان يهدف إلى مهاجمة قبور الأسراف المكروهين وما لديهم من مجموعات فنية ودمى.

ولهذا نجد في جميع أنحاء البلدين تماثيل بلا رؤوس، وأنوفاً مكسورة، وتوابيت مهشمة، ونقوشاً بارزة، وطنفاً، وتيجان عمد محطمة. ذلك أن ثورة جامحة من الحقد الدفين الذي ظل يغلي زمناً طويلاً في الصدور على الاستبداد الكنسي والإقطاعي قد انفجر مرجلها آخر الأمر في صورة تخريب شيطاني لهذه الآثار - وكأن الزمن وأتباعه من العناصر الجوية قد أجمعت أمرها في ثورة من التدمير، فاكتسحت ظاهر التماثيل، وأذابت الحجارة، ومحت النقوش، وشنت على أعمال الإنسان حرباً باردة صامتة، لم تتخللها قط هدنة، وشن الإنسان نفسه على هذه الآثار ألف حرب وسعى فيها إل النصر بالتنافس في التدمير، فكان من أثر ذلك أننا لا نعرف النحت في العصور الوسطى إلا من حطامه.
****************
يتبع ذلك الفصل الشيق فصل طويل ممل لغير المتخصصين يتبع فيه ديورانت انظمة المعمار و الاختلافات الضيقة بين فن العمارة الرومانسى و النورماندى ...و مدارس الطراز القوطى الفرنسية و الانجليزية و الايطالية و الاسبانية

و هنا ننصح القارئ لهذا الجزء -و أحب ان اصدق ان هنالك من يقرأ تلك المجلدات بانتظام كمثلنا و اننا لسه وحدنا فى عالم ديورانت الرائع و المرهق- بمصاحبة بملف صور دقيق عن تلك الاماكن التى يوصفها لنا ديورانت و التى ستكون خير معين ان شاء لنا القدر ان نزورها يوما

فيشوقنا ديورانت لزيارة كاتدرائية سيينا ...و الاستمتاع بكنيسة سانتا كروشي...و يجعلنا نحلم بتذوق معمار كنيسة سانتا ماريا لا مايور الاسبانية ..و نتغزل فى دقة واجهة كاتدرائية نتردام

ولكن لم اضمحلت العمارة القوطية؟ لقد كان من أسباب اضمحلالها أن كل فن يقضي على نفسه بتعبيره الكامل عن نفسه، ويدعو إلى رد الفعل أو التغيير. ثم إن تطور الفن القوطي إلى العمودي في إنجلترا، وإلى كثرة الألوان والزخارف في فرنسا، لم يترك للشكل مستقبلاً سوى المغالاة ثم الاضمحلال. يضاف إلى هذا أن إخفاق الحملات الصليبية، وضعف العقيدة الدينية، وتحول الأموال من مريم العذراء إلى رب المال، ومن الكنيسة إلى الدولة، قد حطم روح العصر القوطي.

وفوق هذا وذاك فإن فرض الضرائب على رجال الدين بعد أيام لويس التاسع قد أفرغ من المال خزائن الكاتدرائات، وفقدت المدن المستقلة ونقابات الحرق الطائفية، التي كانت تسهم في مجد العمارة القوطية ونفقاتها، واستقلالها، وثروتها، واعتزازها بنفسها، وأنهك الموت الأسود، وحرب المائة السنين فرنسا وإنجلترا كليهما، فكانت النتيجة أن المباني الجديدة في القرن الرابع عشر لم تقل فحسب، بل إن الكثرة الغالبة من الكثدرائيات العظيمة التي بدأت في القرنين الثاني عشر قد تركت ناقصة.
***************
و لكن المسيحية التى دخلت قرنها الثالث على استيحاء خرجت منه قوية متطورة فى القرن الثالث عشر ...و طال التطور من اللاهوت الى شكل العبادة نفسها و اضافة القرون الوسطى الاهم على الدين المسيحى كانت اضافة الموسيقى و تحول هذا الفن من مازمير للشيطان الى تغريد للملائكة , وما أكثر النفوس الجامدة القوية، المتشككة في العقيدة الدينية، التي أذابتها الموسيقى فخرت راكعة أمام ذلك السر الذي تعجز الألفاظ عنه.

فاضيفت الموسيقى الى الصلاة ذاتها فاستفادت الموسيقى من الدين و دأب الرهبان و صبرهم فنمت و صنعت لها نغماتها و كتبت و اخترعت علامات ترقيمها للتسهيل

و انتشرت -كعادة عصر الايمان- نسخة شعبية من الفن , فازدهرت الموسيقى الشعبية و عبر عن الحب و الاشواق و ربما الفحش بعد ساعات العمل الطويلة المرهقة لعامة الشعب

و لم يبقى فى مجلدات عصر الايمان الا مجلد واحد يختتم رحلة المجلدات التسعة الطويلة لكنها لا تختم الرحلة الاطول لقصة الحضارة ولا الرحلة الاكثر طولا فى قراءتنا للتاريخ

مايو 2015

قصة الحضارة 26- عصر الايمان ٧ - النهضة الدينية

اسم الكتاب: عصر الايمان ٧ - النهضة الدينية - المجلد السادس و العشرين من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
عدد الصفحات: ٢٦٢ صفحة
ترجمة: محمد بدران
اصدارات دار نوبليس
التقييم: ٥/٤

اذا كان هدفك معرفة روح الدين من مطلع الالفية الاولى لثلاثة قرون لاحقة فى اوروبا فسيكون هذا المجلد مقصدك الاول ، سنترك السياسة قليلا و نرتاح من مشاكل ملوك اوروبا لويس ، هنرى ، فريدرك و جون ... فى مجلد كهذا اخبار البابوات و الرهبان و القديسين هى الاهم

كيف كان ايمان العامة فى تلك العصور؟ ... ببساطة عادت دورة الايمان الابدية فى التبادل بين التوحيد و التعدد ، بين الروحية و الوثنية ... الدورة التى فشلت معظم الاديان فى حسمها و لسبب ما يجد الانسان البسيط طريقه لفرض افكاره على المؤسسات الاكثر تعقيدا

تعلق العامة -بأصول انثربولوجية يصعب حتى الوصول لبدايتها- بالاشجار فحولت الكنيسة الوثنية الى دين فعلقت على الاشجار صور للقديسين ... تحول الانقلاب الربيعى الى عيد القيامة ... و اتحدت ديانة و ارتميس و ازيزيس الى مريم العذراء

و بعدوا الاله الى علياء بعيدة فتقربوا للمسيح الذى صار بدوره بعيدا فتعلقوا فى اهداب القديسين و ان كانوا عظاما و ملابس محفوظة فى صناديق زجاجية ... و غلى ثمن ال"مخلفات المقدسة" و فى زحام التنافس ظهرت على السطح حرب تجميعها و هنا نستعين باقتباس طويل قليلا لكن معبر عن طبيعى الايمان فى العصور الوسطى:

(ما دام القديسون قد كثر عددهم إلى هذا الحد، فقد كثرت تبعاً لذلك مخلفاتهم - عظامهم، وشعورهم، وأثوابهم، وأي شيء استعملوه في حياتهم. وكان المفروض أن كل مذبح يشمل واحدا أو أكثر من واحد من هذه المخلفات، فكانت باسلكا القديس بطرس تباهي بأنها تحتوي جسدي القديسين بطرس وبولس اللذين أصبحت روما بفضلهما كعبة الحجاج من جميع أنحاء أوروبا.

وكانت كنيسة في سانت أومر تدعى أن فيها قطعاً من الصليب الحقيقي ومن الحرية التي اخترقت جسم المسيح، ومن مهده، وقبره، ومن المن الذي نزل من السماء، ومن عصا هارون، ومن المذبح الذي تلا عليه القديس بطرس القداس، ومن شعر تومس أبكت وقلنسوته، وقميصه المنسوج من الشعر، والشعر الذي جزء من مقدم رأسه، ومن الألواح الحجرية الأصلية التي سجلت عليها الوصايا العشر أصبح الله نفسه

وتحتوي كنيسة أمين رأس يوحنا المعمدان في كأس فضية وتحتوي دير القديس دنيس جسم ديونيسيوس الأريويجي وتاجه الشوكي. وتدعى واحدة من ثلاث كنائس متفرقة في فرنسا أن فيها جسد مريم المجدلية كاملا

كما تؤكد خمس كنائس في فرنسا أن في كل منها الأثر الحقيقي الوحيد الباقي من ختان المسيح وتعرض كنيسة إكستر أجزاء من الشمعة التي استعملها ملاك الله لإضاءة قبر عيسى، وأجزاء من العشب الذي تحدث منه الله إلى موسى

وفي دير وستمنستر بعض دم المسيح وقطعة من الرخام عليها طابع قدمه. ويعرض أحد أديرة در هام مفصلا من مفاصل القديس لورنس، والفحم الذي أحرقه، والصفحة التي قام عليها رأس يوحنا المعمدان إلى هيرود، وقميص العذراء، وقطعة من الصخر عليها علامات نقط من لبنها

وكانت كنائس القسطنطينية قبل عام 1204 غنية أكثر من غيرها بالمخلفات المقدسة، فكان فيها الحرية التي نفذت في جسم المسيح، والتي لا تزال حمراء من دمه، والعصا التي ضرب بها، وقطع كثيرة من الصليب الحقيقي مغلفة بالذهب، وثريد الخبز الذي قدم ليهوذا في العشاء الأخير، وشعرات من لحية المسيح، وذراع يوحنا المعمدان اليمنى.....

وسرقت كثير من هذه المخلفات حين نهبت القسطنطينية، ثم أشترى بعضها، وأخذت تنتقل من كنيسة إلى كنيسة في بلاد الغرب إلى أيدي من يؤدي فيها أكثر الأثمان. وكانت تعزى إلى جميع المخلفات قوى معجزة، وتروي مئات الآلاف من القصص عما تحدثه من المعجزات. وكان الرجال والنساء يبذلون كل ما في وسعهم للحصول عما تحدثه من المعجزات. وكان الرجال والنساء يبذلون كل ما في وسعهم للحصول على أقل أثر، أو أقل أثر من أثر ليتخذوه طلسماً - كخيط من ثوب قديس، أو قليل من تراب علبة مخلفات، أو نقطة زيت من مصباح مقدس في ضريح. وكانت الأديرة تتنافس وتتنازع في جمع المخلفات وعرضها على العباد الأسخياء، لأن امتلاك المخلفات الشهيرة كان يدر على الدير أو الكنيسة ثروة طائلة.

وحسبنا مثلا لهذا أن نذكر أن "نقل" عظام تومس أبكت إلى ضريح جديد في كنيسة كنتر بري الكبرى (1220) جمع من الذين شاهدوا هذا العمل ما يقدر بنحو 000ر300 ريال أمريكي بنقود هذه الأيام

واجتذب هذا العمل الرابح كثيراً من ممارسيه، فكانت مخلفات زائفة كثيرة تباع للكنائس والأفراد، وكانت بعض الأديرة يغريها الكسب بـ "كشف" مخلفات جديدة حين تحتاج إلى المال. وكان شر هذه المساوئ هو تقطيع الأولياء الأموات ليتيسر لعدد من الأماكن أن يحظى برعاية القديس وقوته. )
********************************
و بينما كان الايمان الشعبى معتلا مختلا مضطربا بصكوك غفران و مزاج للقصص الشعبية بأصول الدين ... كانت الكنيسة الرسمية تتألق فى دورها السياسى و كان فى البابا انوسنت الثالث مثال مجيز واضح ... بابا فى السابعة و الثلاثين يموت الامبراطور هنرى السادس تاركا وريث فى الثالثة من عمره يتولى الحكم من وراء الابواب عندها البابا ذاته يضم الاراضى للاقطاعيات البابواية فيصير حاكما دينيا و روحيا و فى الدنيا فوق ذلك كله

فيعترف بان زحام الدنيا يخنق الدين فيقول : "ليس لدي متسع من الوقت أفكر فيه في الشؤون السماوية، بل إني قلما أجد وقتاً للتنفس، ولقد كرست حياتي لغيري حتى كدت أصبح غريباً عن نفسي"

امتنعت كنيسته حتى عن ان تعده قديسا بعد موته -كما ضمت اكثر من ٢٥ الف شخص- لكنها تذكرت له موجوده الدنيوى الذى استحق ان يسمى اوج البابوية استطاعت ان تكون نقطة شجن و حلم للرجوع فيما بعد حين انفرط العقد
****************************
اقتصد ديورانت فى روايته عن محاكم التفتيش قليلا فاهتم بنتائجها السياسية و قلل من دورها الانسانى و نظر اليها فى نطاق عصرها المتشبع اصلا بالتعصب و العنف و طبقات الجهل المتتالية

قواعد الخروج عن الدين فى العهدى القديم و الجديد مسطورة ، نعم كانت معلقة بظروف لكن اليقين الذى وصفه ديورانت بالحسام البتار يتدخل حين تقرر السلطة الدينية "تفعيل" قوانيها المنسية لحماية نفسها و القضاء على اعدائها

نعم صرحت الكنيسة اكثر من مرة بمنعها عن اراقة الدماء لكن تفعيل ذلك المبدأ صار عجبا فى عجب و هنا نستعين باقتباس اخر:

(ولم تنطق الكنيسة قط بحكم الإعدام، فقد كان شعارها القديم هو: إن الكنيسة تحجم عن إراقة الدماء (ecclesia aphorret a sanguine)، ولهذا كان القسيسون يؤمرون بألا يسفكوا دماء، ومن أجل ذلك فإن الكنيسة حين تبعث إلى السلطات الزمنية باللذين تدينهم لم تكن تطلب إلى ولاة رجال الدولة أكثر من أن يوقعوا عليهم (العقاب الذي يستحقونه) وتنبههم إلى أن يتجنبوا (كل ما من شأنه سفك الدماء أو التعريض لخطر الموت). ثم اتفقت الكنيسة والدولة بعد جريجوري التاسع على ألا يؤخذ هذا التحذير بمعناه الحرفي، بل أن يقتل المذنبون دون أن تسفك دماؤهم أي أن يحرقوا عند عمود الإحراق)
****************************
كان ذلك فى الكنيسة الرسمية لكن ماذا عن نظام الرهبنة؟ يبدو ان حتى ذلك ظهرت فيه بذور الشقاق فنسمع ان راهب شديد الترف بفضل اقطاعيات محلية و راهب يرهن كتبه لاطعام الفقراء ... و بفضل بعض الحركات الاصلاحية يبدو ان النوع الاول بادر فى الانحسار خاصة بعد طمع الملوك المحليين خاصة فى فرنسا من ثروة القطاع الكنسى و الاديرة

و يظهر نظام الرهبات بدء من عام ١١٢٥ م ، و لا يحدثنا للاسف عن اذا ما كانت للكنيسة الشرقية ريادة فى الامر او عدمه...فنسمع قصص القديسات و الراهبات التى ابكت مواطن العصور الوسطى طويلا و حملت السائرين فى جنازة احدهن ان يقطعوا اذنها و حلمات ثديها و قص نتفات من شعرها تباركا
****************************
ترى ماذا كانت اوصاف ، ملابس ، تصرفات مواطن العصور الوسطى ؟ ... يوصف لنا المؤرخين صورة مواطن يكافح فى عمله مقابل اجر تافه لكنه لا يمتنع ابدا عن امتاع نفسه كلما استطاع ، مواطن رغم تحذيرات الكنيسة و نغمات التخويف بالنيران المستعرة فى الجحيم يقبل على التزوير فى المستندات و الغش فى الميزان

و نساء رغم كل شئ استطاعن ان يمارسن حياتهن بكل ما متعة طالتها ايديهن ... و نستعين بمواقف بعينه شاهد على "مرونة" نساء ذلك العصر:

(كانت ثياب النساء في حفلات البرجاس موضعاً للتعليقات المثيرة من رجال الدين، وقد وضع الكرادلة قوانين يحددون بها طول أثواب النساء، ولما أمر رجال الدين أن تلبس النساء النقاب حرصاً على أخلاقهن "جعلن هذا النقاب يصنع من الموصلين الرقيق والحرير المشغول بالذهب، فظهرن فيه أجمل عشرات المرات مما كن بغيره وأتلفتن عيون النظارة وأغرينهم بالفساد أكثر من ذي قبل")
**********************
بين الكنيسة المنظمة و الرهبان و قربنا من احلام و افكار فرد العصور الوسطى لا يمكنا الا ان ننطلق للمجلد السابع و العشرين لنكمل رحلتنا فى عصر الايمان

دينا نبيل
مايو 2015
رفـــايـــع

قصة الحضارة 25-عصر الايمان 6 -الحروب الصليبية و نهضة اوروبا


اسم الكتاب: عصر الايمان 6 -الحروب الصليبية و نهضة اوروبا- المجلد الخامس و العشرون من قصة الحضارة
تأليف: ول ديورانت
ترجمة: محمد بدران
اصدارات: دار نوبليس
عدد الصفحات: 335 صفحة

تركنا ديورانت المجلد السابق على شفا الحملات الصليبية فكان لابد ان يلجأ الدينان العظيمان الى احتكام محكمة السيف ربما بعد فشل الجدال و النقاش الطويل

و يلخص لنا ديورانت الحملات الصليبية على الشرق الخمسة بايجاز و تركيز مدهش للقارئ غير المتخصص فنحظى فقط ب70 صفحة تكدس لنا تلك الحقبة المرهقة من تاريخ العصور الوسطى ... ربما تلك التى جذبت انتباهنا -و انتباة الغرب ايضا- هى الحملة الثالثة التى ضمت صفوة ملوك و اذهان هذا العصر بريتشارد و بربروسه و فيليب ضد صلاح الدين فى مشهد درامى لا يحتاج لكثير من اللمسات ليتميز
*****************
لكننا كالعادة تسرعنا و قفزنا الى الحملة الثالثة على الرغم من ان الحملة الأولى هى الاكثر تميزا بل و عجبا فى التاريخ

اثارة عاطفية من البابا للشعب المسيحى فى مختلف البلدان تشجع 12000 شخص للتحرك من فرنسا هادفين بلوغ القدس سيرا على الاقدام و قليل من المؤن و وسائل المواصلات .. اثنا عشر الف مسيحى بسيط متحمس من رقيق الارض و صغار الاحرار ينتقلون فى موكب قلما رأت البشرية مثله يحوى فقط على 8 فرسان

اشخاص وعدوا بغفران فى الاخرة من جميع الذنوب و باسقاط ديون الدنيا و كثير من المجد و الوهم ... موكب ضخم لا يعلم حتى جغرافية المكان الذاهب اليه .... يصل الى قرى المانيا ليسأل بلهفة ان كانت تلك اورشليم؟ ... يعض الجوع الجمع الغفير "المقدس" لتتركب تلك العصبة نهب للكنائس و سلب و نهب للاهالى و حالات اغتصاب ... لتنتهى تلك الطليعة المنهكة مع اول احتكاك مع قوات المسلمين

لكن الطليعة الثانية ترتكب كل جرائم الحرب مجتمعة ...و هنا نكتفى بسرد ديورانت:

عرض الخليفة الفاطمي على الصليبين أن يعقد معهم الصلح مشترطاً على نفسه أن يؤمن "الحجاج المسيحيين القادمين إلى أورشليم والذين يأتونها للعبادة. ولكن بوهمند وجدفري طلبا التسليم بغير قيد أو شرط، وقاومت حامية الفاطميين المكونة من ألف رجل الحصار مدة أربعين يوماً، فلما حل اليوم الخامس عشر من شهر يولية قاد جدفري وتانكرد رجالهما وتسلقوا أسوار المدينة، وتم للصليبيين الفوز بغرضهم بعد أن لاقوا في سبيله الأمرين. وفي هذا يقول القس ريمند الإجيلي شاهد العيان: وشاهدنا أشياء عجيبة، إذ قطعت رؤوس عدد كبير من المسلمين وقتل غيرهم رمياً بالسهام، أو أرغموا على أن يلقوا أنفسهم من فوق الأبراج، وظل بعضهم الآخر يعذبون عدة أيام، ثم أحرقوا في النار. وكنت ترى في الشوارع أكوام الرؤوس والأيدي والأقدام، وكان الإنسان أينما سار فوق جواده يسير بين جثث الرجال والخيل .

ويروي غيره من المعاصرين تفاصيل أدق من هذه وأوفى؛ يقولون إن النساء كن يقتلن طعناً بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم ويقذف بهم من فوق الأسوار، أو تهشم رؤوسهم بدقها بالعمد، وذبح السبعون ألفاً من المسلمين الذين بقوا في المدينة، أما اليهود الذين بقوا أحياء فقد سيقوا إلى كنيس لهم، وأشعلت فيهم النار وهم أحياء. واحتشد المنتصرون في كنيسة الضريح المقدس، وكانوا يعتقدون أن مغارة فيها احتوت في يوم ما المسيح المصلوب. وفيها أخذ كل منهم يعانق الآخر ابتهاجاً بالنصر، وبتحرير المدينة، ويحمدون الرحمن الرحيم على ما نالوا من فوز!. "
***********************
فى قصص منسية فى التاريخ تحس انها ممكن تتقطع و تتعمل رواية فى حد ذاتها ، منها مثلا قصة اطفال فرنسا و حملتهم الصليبية المجهضدة سنة ١٢١٢ م ...و نسيب نص الكلام ل ول ديورانت:
(في فرنسا فقد قدم إلى فليب أغسطس في ذلك العالم نفسه راع في الثانية عشرة من عمره يدعى استيفن، وقال إن المسيح ظهر له وهو يرعى غنمه، وأمره أن يقود حملة من الأطفال إلى فلسطين، فأمره الملك أن يعود إلى غنمه، ولكن عشرين ألفاً من الغلمان اجتمعوا رغم هذا وساروا وراء استيفن؛ واجتازوا فرنسا إلى مرسيليا، وكان استيفن قد وعدهم أن البحر سيشنق عند هذه المدينة ليمكنهم من الوصول إلى فلسطين راجلين، ولم يشنق لهم البحر، ولكن اثنين من أصحاب السفن عرضا عليهم أن ينقلاهم إلى حيث يقصدون دون أن يتقاضوا منهم أجراً. فازدحم الأطفال في سبع سفن أقلعت بهم وهم ينشدون أناشيد النصر. وتحطمت اثنتان من هذه السفن بالقرب من سردانية وغرق كل من كانوا فيها، وجيء بالباقين من الأطفال إلى تونس أو مصر حيث بيعوا في أسواق الرقيق، وشنق صاحبا السفن التي أقلتهم بأمر فردريك الثانى )
***********************
لكن بغض النظر عن الحملات الشهيرة الموجهة نجو الغرب من الحملة الاولى الى حملة لويس الذى انتهى به الامر فى دار لقمان .... لفت انتباهى ديورانت و ان لم يقوم بتجميع الامر الى الحملات الصليبية الاخرى التى شنت بتحضير من البابا تلو الاخر لكن فى وجه غير المسلمين بل المسيحين انفسهم

نذكر منهم مثالا لا جمعا :

رغبة البابا جريجوري التاسع أن يخرج الروسيا من المذهب المسيحي اليوناني إلى المذهب اللاتيني، ودعا إلى حرب صليبية على روسيا بقيادة المانية

دعوة البابا إنوسنت الثالث إلى شن حرب صليبية على دول التخوم البدائية انذاك المعروفة حاليا ب فنلندا و هولندا و لاتونيا ... نتج عنها تحويل اهلها من الوثنية الى المسيحية و من الحرية الى رقيق الارض

ثلاث حروب "صليبية" ضد صقالبة البحر البطلطي "تكريماً للعذراء المباركة" لتتصبح الدانمارك

حملة صليبية للاستيلاء على القسطنطينه من اشقاءها الغربيين

حرب صليبية على "فريدريك الثانى" ملك المانيا و ايطاليا لخلافه مع البابا

حرب صليبيه على صقلية عام 1282

شن البابا إسكندر الرابع (1254-1256) حرباً صليبية على إزلينو
*********************
لكن الثورة الاقتصادية و انتعاش التجارة و الصناعة بعد رقاد طويل هو من دفع القارة العجوز كلها للامام و جهزها لحقبة النهضة , فالتأثر من الحضارات الاسلامية فى التعاون اباء الحملات الصليبية

و التوسع التجارى يتبعه بالضرورة تكوين نقابات و هيئات فى احياء لسنة قديمة و اهمها تاريخيا العصبة الهانسية التى كادت تكون دولة خارج الدولة و نسعين هنا بوصف ديورانت:

ظلت العصبة الهانزية قرناً من الزمان عاملاً الحضارة، فقد ظهرت البحر البلطي وبحر الشمال من القراصنة، ونظفت المجاري المائية؛ وعدلتها فجعلتها مستقيمة، ورسمت خرائط للتيارات البحرية والمد والجزر، وأبانت عليها موضع القنوات، وأنشأت المنارات البحرية، والثغور، والقنوات، وسنت القوانين البحرية وجمعتها في كتب؛ وجملة القول أنها أحلت النظام مكان الفوضى في تجارة أوربا الشمالية. ولقد ضمت هذه العصبة طبقة التجار، وألفت منهم هيئة قوية فحمت بذلك الطبقة الوسطى من الأشراف، وعملت على تحرير المدن من سادة الإقطاع؛ وليس أدل على قوتها من أنها قاضت ملك فرنسا لأن جنوده أتلفوا بضائع العصبة، وأرغمت ملك إنجلترا على أن يؤدي ما يلزم من النفقات لإقامة الصلوات طلباً لنجاة أرواح تجار العصبة الهانسية الذين أغرقهم الإنجليز .

ويفضل هذه العصبة انتشرت تجارة الألمان ولغتهم وثقافتهم نحو الشرق إلى بروسيا، وليفونيا ، وإستونيا ، ورفعت بلدان كونجزبرج وليباو وميمل ، وريجا إلى مصاف المدن الكبرى. وكانت العصبة تتحكم في أثمان البضائع التي يتجر فيها أعضاؤها وأوصافها، وبلغ اشتهار أعضائها بالاستقامة أن استخدم الإنجليز لفظ أي (رجال الشرق) بمعنى "نقي أوصاف" وأن أضيف بهذا المعنى إلى لفظي فضة أو ذهب بمعنى موثوق به أو صادق.

ولكن العصبة الهانزية أضحت على مر الزمن عاملاً من عوامل الاستبداد والحماية معاً؛ فقد أسرفت في فرض القيود الاستبدادية على استقلال أعضائها، وأرغمت المدن على الانضمام إليها باستخدام سلاح المقاطعة تارة وبالعنف تارة أخرى، وقاومت المدن والأحلاف المنافسة لها بجميع الوسائل الطيبة منها والخبيثة، ولم تتورع عن استئجار القراصنة للإضرار بتجارة أولئك المنافسين؛ وبلغ من أمرها أن نظمت لها جيوشاً خاصة، وأقامت من نفسها دولة داخل كثير من الدول؛ وبذلت كل ما في وسعها للضغط على طبقة الصناع التي تستمد منها بضائعها وظلم هذه الطبقة، ولهذا أصبح الكثيرون من العمال وغيرهم من الناس يخشونها ويحقدون عليها، ويرون أنها أقوى وسيلة من وسائل الاحتكار قيدت بها التجارة في أي وقت من الأوقات. ولما أن ثار العمال في إنجلترا عام 1381 طاردوا كل المنضمين إلى العصبة الهانسية، واقتفوا آثارهم في أماكن العبادة داخل الكنائس، وقتلوا كل من لم يستطيعوا النطق بلفظي Cheese Bread (الخبز والجبن) بلهجة إنجليزية
*******************
يتبع ذلك فصول متتابعة مطولة عن بداية تطور اوروبا ...و هنا نستمع الى اسماء ملوك عظام و قصصهم المتتالية و يتجسد تاريخ أمم و بلدان فى بعض السير الذاتية لملوك

فحين نفكر فى فى انجلترا نتذكر وليم الفاتح و قوته فى حكم البلد الصغير الممزق , على الطريقة الفرنسية يقسم الدولة الزراعية لاقطاعيات واسعه يبدأ فيها عهد اقطاعى جديد....نتذكر هنرى الثانى و خلافه التاريخى مع توماس ابكت الذى بدأ كوزير له ثم كبير للاساقفة ثم عدو للدولة مطرود ثم قتيل ثم قديس يهزم عدوده فى موته كما لم يستطيع فى حياته...نتذكر ريتشارد الاول الملقب بقلب الاسد و حروبه الصليبية و بهاءه ثم انكساره السريع .... نتذكر الملك جون الذى اهدى العالم دون ان يدرى او يعلم و بدون نية او رغبة فصل دائم بين الملكية و الحكم و ما يشبه الدستور يفتح باب صغير للديموقراطية الناشئة

و عندما نتذكر فرنسا نتذكر فيليب اغسطس العنصر الفرنسى فى الحملة الصليبية الاشهر الذى رفع فرنسا من كونها بلد صغير مشتت الى دولة استعمارية تسيطر و تكتب تاريخ جديد للقارة و ينزل المانيا عن عرش الزعامة ..... و نتذكر لويس التاسع الذى تحول الى لويس القديس ليجمع بين الدين و الملك فى ظاهرة غير طبيعية لم تتكرر الا فى عهد الانبياء.... و فيليب الجميل الملك الاول الذى سيخضع الكنيسة للدولة منذ عصر قسطنين ليتحول البابا نفسه الى لعبة فرنسية

و عندما نتذكر المانيا نذكر فردريك الاول قوى الحكم الحالم باعادة مجد الدولة الرومانية .... و فريدريك الثانى المشاكس الاهم و الاكبر مع البابوية الذى لم يكون احتلاله لبيت المقدس نفسه كافى لرضاء البابا عنه...و هنرى السابع الذى كاد ان يعيد توحيد المانيا و ايطاليا و الذى كسرت هزيمته قلب دانتى و ربما كانت السبب فى ان نستمتع الان ب الكوميديا الالهية

و يختم ديورانت مجلده الدسم الضخم بلمحة عن ايطاليا ما قبل عصر النهضة التى لن نتذوق طعمها حتى المجلد التاسع و العشرين و لكن لذلك حديث اخر

دينا نبيل
مايو 2015